هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت رحلات العلاج المتكررة للمسؤولين المصريين بالخارج حفيظة عدد من المراقبين؛ باعتبارها ازدواجية في التعامل مع المواطنين والمسؤولين المرضى، إلى جانب فتحها باب التساؤلات عن مدى قدرات وجاهزية المستشفيات المصرية.
في نهاية شهر تشرين ثاني/ نوفمبر غادر شريف إسماعيل، رئيس حكومة السيسي إلى ألمانيا لإجراء عملية جراحية، دون الكشف عن طبيعتها. وفي آذار / مارس سافر محافظ البنك المركزي، طارق عامر، للعلاج بمدينة هايدلبرج الألمانية، وأعلنت السفارة المصرية في برلين، أن هذه ليست أول مرة يسافر فيها للعلاج في هذا المستشفى.
وفي آذار/ مارس من نفس العام، سافر وزير قطاع الأعمال أشرف الشرقاوي، إلى ألمانيا في رحلة علاج لإجراء بعض الفحوصات الخاصة بالجهاز الهضمي، وفي تشرين ثاني الماضي، غادر بابا الأقباط، تواضروس الثاني، إلى ألمانيا للعلاج من آلام الظهر.
العلاج على نفقة الدولة ..أحكام وأرقام
وكانت محكمة القضاء الإداري، قد ساوت بين جميع المصريين في مسألة العلاج على نفقة الدولة، في أيلول/ سبتمبر 2014 بإلزامها بجميع تكاليف علاج المواطنين الذين تصدر لهم قرارات علاج، سواء كان هذا العلاج في الداخل أو الخارج، وأيا ما كانت تكلفته وطريقة سداده..
وخصصت وزارة الصحة 4.2 مليار جنيه في عام 2017-2018 لعلاج المرضى غير القادرين على نفقتها، بالرغم من تعدد الشكاوى بشأن طول الإجراءات المعقدة، وحجم الأوراق المطلوبة، وعدم توفير الأدوية الناجعة، والمعاملة اللاإنسانية في العديد من هيئات التأمين الصحي.
في حين تتكلف خزينة الدولة ملايين الجنيهات سنوية لعلاج مسؤولين في الخارج، وعلاج بعض الشخصيات الشهيرة أو المعروفة في مجالات الفن والثقافة والرياضة، والعديد من الجنود والضباط في الجيش والشرطة، دون الإفصاح عن تكلفة مثل تلك الرحلات العلاجية.
مفارقة غريبة
يأتي ذلك مع بدء نظام السيسي في تطبيق منظومة التأمين الصحي الشامل لجميع المصريين، وسط انتقادات لجنة الحق في الصحة (غير حكومية) التي أكدت في مؤتمر لها نهاية الشهر الماضي، بأنه "الأسوأ"؛ لإنه يحمل المريض أعباء مادية باهظة، تجهض فكرة الرعاية الصحية التأمينية الاجتماعية الشاملة.
وعلقت الكاتبة الصحفية، أميرة ملش، في إحدى الصحف الموالية للنظام، قائلة: "بصراحة هى مفارقة غريبة، ومن حق الناس أن تستنكر وتتساءل: إذا كان رئيس الوزراء والمسؤولون فى هذا البلد على يقين بأن قطاع الصحة فى مصر فاشل ولا يصلح لمعالجة مريض بمرض خبيث، وأن المستشفيات المصرية لا يثق فيها المسئولون ويغادرون البلاد للخارج لتلقى العلاج، فلماذا الصمت على ما يجرى في القطاع الصحي ومستشفيات الحكومة؟".
مزمار الحي لا يطرب
ورأى الأمين العام لنقابة الأطباء بمحافظة الدقهلية، محمد سلطان، أن مسألة علاج المسؤولين بالخارج هو جزء من ثقافة "لدى المسؤولين في مصر"، وأضاف لـ"عربي21" أن "جزءا من توجه المسؤولين للعلاج؛ هو نفسي، حيث يعتقد البعض أنه سيلقى رعاية أكبر، وعلاجا أفضل، وتشخيصا أدق، وكما يقول المثل (مزمار الحي لا يطرب)".
وطالب بأن "تقتصر حالات العلاج في الخارج على تلك التي ليس لها علاج داخل مصر، إذا كانت على نفقة الدولة"، ولكنه في الوقت نفسه أللقى باللوم على تردي المنظومة الصحية، قائلا: "لا توجد لدينا منظومة صحية متكاملة قادرة على علاج جميع الأمراض".
اقرأ أيضا : المستشار جنينة "المتهم" بكشف الفساد بمصر (إنفوجرافيك)
وأقر بوجود "خلل في عدد كبير من المستشفيات يقتضي تطويرها؛ فالأجهزة تهالكت، ولذلك يجب أن تتحقق الجودة في المستشفيات عند التفكير في ضمها لمنظومة التأمين الصحي، وإنشاء هيئة لمراقبتها".
قدرات مادية
من جهته؛ قال نقيب الأطباء الأسبق، حمدي السيد، لـ"عربي21": "إن نسبة قليلة من المسؤولين هم من يقررون الذهاب للعلاج بالخارج، كما أن الأمر يعتمد على قدراتهم المادية، وتتم في أضيق الحدود".
وأكد أن "الحكومة أنفقت مليارات الجنيهات من أجل تحسين الخدمات الطبية، وإعادة تأهيل المستشفيات من أجل تأهيلها لدخول منظومة التأمين الصحي التي سوف يستفيد منها جميع المواطنين".
وأكد أنه "في حالة لم تقدم منظومة التأمين الطبية الجديدة خدمات جيدة للمصريين، فسيحكم على المشروع بالفشل، وستفشل المنظومة، ولابد لها من عمليات تطوير وتجديد بشكل كاف".
غياب العدالة في نظام السيسي
حقوقيا؛ انتقد مدير المنظمة السويسرية لحقوق الإنسان، علاء عبد المنصف، غياب العدالة في التعامل بين المسؤول والمواطن، وقال لـ"عربي21": "فيما يتعلق بإدعاءات النظام الحاكم بأن الحالة الاقتصاداية لا تسمح لكثير من المتطلبات الأساسية، ومتاح لمصر إمكانيات أن تنفذها يتحجج النظام دائما بكلمة (مفيش)، وفي ذات الوقت نجد ازدواجية في المعايير منها هذه الحالة التي تتعلق بعلاج المسؤولين على نفقة الدولة".
ورأى أن "المواطن بالنسبة إلى السيسي لا يمثل له أي وزن، إذ أنه في إحدى تصريحاته قال إنه يمكن أن نضحي بجيل أو اثنين من أجل أن تقوم مصر؛ وعليه فكل القرارات التي تتخذ لا تصب في صالح المواطن المصري، وكلها تؤدي إلى تفاقم وضعه الاقتصادي، والاجتماعي والصحي".
وأكد أن "إنفاق الأموال على مشروعات ليس لها مردود اقتصادي، لا يراعي احتياجات المواطن المصري، ولكنه على استعداد لتوفير علاج للمسؤولين في الخارج"، مشيرا إلى أن "هذا ليس من العدالة الاجتماعية في شيء، فبالرغم من إمكانيات مصر الكبيره إلا أنها توجه لأصحاب فئة معينة من أصحاب المال والنفوذ والقوة على شاكلة المؤسسة الأمنية، والعسكرية".