هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت مندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، خلال المؤتمر الصحفي
الذي عقدته قبل بضعة أيام إن بلادها جمعت أدلة دامغة على أن الصاروخ الذي أطلقته
جماعة "أنصار الله"- الحوثي ضد الرياض سابقاً يحمل بصمات إيران، وأكدت أنّ
تجميع وتحليل الأجزاء التي تم العثور عليها توصل الى استنتاج واحد مفاده أن إيران
قامت بتزويد الحوثيين بالصاروخ لاستهداف السعودية، وأنه ما من شك في هذا الأمر.
وأنكرت
إيران هذا الاتهام ونفت أن تكون قد زودت الحوثيين بصواريخ، واتهمت بعثة إيران في
الأمم واشنطن بفبركة أدلة، وقام وزير الخارجية الايراني جواد ظريف بعدها باستخدام
صورة لنيكي هيلي في تغريدة له الى جانب صورة لوزير الخارجية الامريكية السابق كولن
باول وهو يشرح للعالم حينها بأن هناك أدلة على امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، في
محاولة للإيحاء كذلك بأن واشنطن تحاول تكرار نفس الأمر الذي جرى في العراق مع إيران.
بغض
النظر عما قيل أعلاه، هناك اعتقاد راسخ بأن النظام الإيراني قام بالفعل بتزويد
الحوثيين بهذه الأسلحة، لكن أساس النقاش لا يجب أن يرتبط بهذه النقطة بالتحديد،
وإنما بمسائل أخرى يراد تشتيت الانتباه عنها، والمسألة الأولى تتعلق بمحاولة
استخدام إيران للتاريخ من أجل تزوير وعي الناس حاليا.
وزير
الخارجية جواد ظريف يريد أن يذكّر الناس بأنّ واشنطن كاذبة ومراوغة وأنّها تحضّر
ربما للإيقاع بإيران، لكنه لا يريد منهم أن يتذكّروا أنّ طهران قامت بمساعدة واشنطن
على غزو العراق، وأنّها ساهمت في توحيد المعارضة الشيعية آنذاك في اجتماعات متعددة
تمهيدا لاستلام السلطة، وأنّها دفعت بميليشيات بدر التي أنشأتها ودربتها وسلحتها
من أجل الدخول إلى بغداد مع المحتّلين، والأهم من كل ذلك، أنّ ظريف لا يريد تذكير
الناس بأنّ نظام الولي الفقيه ورث العراق بالكامل منذ ذلك الوقت وحتى اليوم بسبب
هذا الموقف الأمريكي.
النقطة
الأخرى تتعلق بموقف إدارة ترمب من النظام الإيراني، إذا كانت مندوبة الولايات
المتّحدة في الأمم المتحدة تعتقد حقّاً بأنّ لدى إدارة ترمب أدلة دامغة على تزويد
طهران للحوثيين بالسلاح وعلى أن طهران تخرق القرارات الأممية والأمريكية، ليس على
مستوى الصواريخ والتسلح فحسب، وإنما على مستويات متعددة أخرى، فما الذي يمنع
واشنطن من اتخاذ قرار بمواجهة إيران؟
من
المؤشرات السلبية التي توحي أن إدارة ترمب قد تظل تراوح مكانها على المستوى
العملي، وأنه باستثناء بعض التصريحات، وبعض الخطوات التقليدية المعروفة كالعقوبات،
لن تقوم على الأرجح بعمل فعلي مؤثر ضد إيران، وهو مضمون المؤتمر الصحفي لنيكي هيلي
والذي دعت فيه إلى تعاون العالم من أجل هزيمة الخطر الايراني وإلى تشكيل تحالف
دولي من أجل مواجهة إيران.
ما
الذي يمنع واشنطن من أن تأخذ زمام المبادرة وتواجه إيران بكل السبل المتاحة؟ لقد
أثبت ترمب قبل أيام قليلة فقط من هذا المؤتمر، أن الولايات المتّحدة عندما تريد أن
تفعل شيئا بمعزل عن رأي العالم أجمع به تستطيع أن تفعله لوحدها، بدليل القرار
المتعلق بالقدس، والذي حذرت معظم دول العالم من عواقبه إذا ما اتخذته الإدارة الأمريكية،
وبالرغم من ذلك مضى ترمب في طريقة غير آبه بأحد.
إيران
ليس بريئة بالتأكيد، وهي تستغل كل يوم الأخطاء التي ترتكب من قبل خصومها والمساحة
الفارغة التي يتركها انسحابهم أو انكفاؤهم لتعزز من نفوذها ودورها في المنطقة،
وبالرغم من الضجيج الذي نسمعه هنا أو هناك عن الاستعداد لمواجهتها، فإن هذا الأمر
سيبقى على الأرجح مجرد كلام ما لم نشهد تغيرا جذريا في سلوك واشنطن وحلفائها
العاجزين.