قال المسيح عن مريم المجدلية الخاطئة الزانية: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
الحيوانات لا تغتصب إلا نادراً، ذكور الهررة تقضي أياماً بجوار الأنثى، في موسم الخصوبة والسفاد، وهي تحاول تأليف قلوب الإناث برسائل وجد الرائحة وغرامها، وسواها من وسائل التواصل الاجتماعي والغزل عند الحيوانات. حمار الوحش لا يقترن بالأنثى، إلا بعد موافقة رئيس القطيع، الذي يمتحن "الخاطب" في الجري والعراك والرفس، اختباراً لكفاءته. أما ملكة النحل، فلا يتزوجها إلا ذكر واحد. ينطلق بعد صفارة الحكم سرب كامل من الذكور، يهلكون جميعاً بعد عقد نكاح الملكة مع اليعسوب السعيد الفائز، من الحسد، فكيف يكون
اغتصاب أنثى الإنسان أكرم المخلوقات، خليفة الله على الأرض، والتي لا يتزوجها إلا بعد مهر، وصداق، وعرس، وشهود، من الرئيس الوحش؟
استبق نظام الوحش الباب، فاتهم ذكور الثورة بجهاد النكاح مبكراً جداً، قبل أن يطلق داعش من معاهد سجونه. والسجون السورية "تدعوشُ" الكافرَ قبل المؤمن، وباشر من فوره بممارسة "نضال محور المقاومة"، بالاغتصاب، وله سوابق في هواية الاغتصاب في الثمانينات، في
المعتقلات، وفي البيوت، أمام الأزواج، والإخوة، والآباء، والأبناء.
في الأيام الأولى قدّم فتياتٍ على شاشاته المقاومة، مثل زينب الحصني، وروان قدّاح، وغيرهما، اعترفن بما لا يجوز الاعتراف به أمام الرأي العام، وأقررن على الملأ بسفاح المحارم، وتقديم المتعة للثوار.
خطابه: أننا قمنا بثورة من أجل سندويشات، أو من أجل الجنس الإباحي في
سوريا الأسد الفاضلة!
هل هي شجاعة من مريم السورية أن تظهر باسمها أمام الكاميرا، وبوجهها، أم هو يأس أمّة وانتحارها؟ تساءلت مريم الأولى في الوثائقي الفرنسي "
الصرخة المخنوقة"، للمخرجة الفرنسية مانون لوازو؛ التي قدمت شهادات خمس "مريمات" عن جرمها، وكان جرمها هو إسعاف الجرحى.. المرأة اشتق اسمها في العربية من المروءة، وكانت قد أسعفت أيضاً جريحاً من جرحى النظام السوري، فالمسعف لا يفرق بين الإنسان والإنسان.. فبأي آلاء ربكما تكذبان.
الشهادات قاسية تشبه أسنان المنشار. تذكرتْ صاحبة الشهادة الأولى في الفيلم "آلام المسيح"، لكن المسيح نجا مما وقع عليها، ونجا ابن حنبل مما وقع على هؤلاء الطاهرات العفيفات الشريفات، فقد تعرضن لعذابين نكرين، عذاب المسيح، وعذاب مريم المجدلية قبل أن تصير قديسة، وأضيف إلى عذابهن عذابات، لن تنتهي إلا بالموت: فقد فقدن البيت، والزوج، والأولاد، والأم، والوطن. مريم السورية (مريم خليف) في نهاية الفيلم، وهي أم غُرّبت عن أولادها الثلاثة، وطُلّقت، وتعيش وحيدة، تتلظى على جمر الذكريات الطيب منها والخبث، والتي لا يمكن نسيانها، فتشتهي شهوة وحيدة في هذه الدنيا، وهي قبلة من أمها التي لفظتها.. فقد دُنِّست بالاغتصاب، والمرأة إذا دُنّست في بلادنا من كلب، فلا يغسل عارها إلا التراب، ومرة واحدة، وإلى الأبد. لقد جئتم شيئا إدّا.
شهادات الفيلم مترعة بالبكت، والذكريات العائلية ايضا. بعد بثّ الفيلم، طالب ناشطون فرنسيون الرئيسي الفرنسي ماكرون بسحب وسام جوقة الشرف، الذي منحه جاك شيراك للرئيس السوري بشار الأسد، والأسد لا يزال يحتفظ بقلادة الملك عبد العزيز أيضاً. كان الرئيس الأسد محبوباً من رؤوسا الدنيا، فهو ربُّ المعلوماتية، وزوج زهرة الصحراء، والرئيس المنتخب على أعينهم، وأعين مخابراتهم، بنسبة 99 في المئة! وهي نسبة تستحق الأوسمة، فهي نادرة على كوكب الأرض، ولم يسبقه إليها سوى رئيس واحد على هذه المطحية.
ومن يطلب هذا الطلب من ماكرون، حاله كحال طالب الدبس من إست النمس.. فماكرون، هو سليل فرنسا ذات التاريخ الاستعماري الدموي، أمس ردّ رداً قاسياً على مغربية مهاجرة، وصلت إليه، وطلبت منه تمديد إقامتها، وقال لجزائري في زيارته إلى الجزائر، طالبه بالاعتذار عن جرائم قتل مليون جزائري، بأن ينظر إلى المستقبل، والمستقبل لا يزهر إلا بدفن الماضي الأليم. لكنّ ماكرون سيعيد بكرمه الحاتمي، وشعار الثورة الفرنسية، جماجم الآلاف الجزائريين المدفونة في متاحف النصر في فرنسا.. كان الفرنسيون أصحاب الثورة الفرنسية وشعاراتها الكاذبة، قد أخذوا الجماجم هدايا لزوجاتهم.. سيعيدها مشكوراً طبعاً.
تتذكر المريم الأولى، العيد وثوب العيد، وتقول: "رأيت دمي الذي لطخ الملاءة البيضاء أسود، فدم الشهيد وحده أحمر". بل دمها أحمر، كدماء كل الشهداء، فهي شهيدة تستشهد كل يوم وكل ساعة، وتتذكر والدها الذي كان يحبها ويؤثرها على إخوتها، وكانت تستمد القوة من صدى كلمات أبيها الراحل.
ماذا لو أن لمريم صفحة على الفيسبوك؟ لأصبح نضالنا شبيهاً بنضال حسن نصر الله في نفيره، وهو يدعو إلى مواجهة أمريكا بالتغريدات، والله وتالله وبالله؛ لملأنا صفحتها باللايكات الحمراء، ولنالتها أيضاً شتائم من أهلها، ومن خصومها، وربما اتهمت بالزنا، والفجور.
سألتْ مريم عند وفاة الأسد الأب، وتولّي بشار الأسد، وكانت صغيرة، عن الفرق بين الجمهورية والمملكة، والمقارنة تذكر بالفرق بين الجزر والفيزون، والفرق بين النملة والفيل في الطرائف الشهيرة. وذكرت بأن والدها مات من الخوف، فقد نال مدينة حماة خوف أكبر من الخوف الذي نال المحافظات الأخرى.. شرح أخوها لها همساً، فالحيطان لها آذان تسمع، الفرق بين المملكة وبين الجمهورية. الفرق بينهما هو أن الجمهورية الجديدة لها عينان زرقاوان.. استبشرت مثلما استبشرنا خيراً؛ برئيس بشّر شعبه بالخير، ثم محا سوريا وشعبها عن وجه الأرض، كما لو أنها كلمة مكتوبة على الرمل.
تحدثت مريم عن البركان السوري الخامد الذي انفجر، فتذكرتُ رثاء الناشط السوري دارا عبد الله لجدار الخوف الذي سقط مع الثورة، وكنا نختبئ خلفه.
ماذا يمكن أن يقول الموالي تبريراً وتسويغاً لشهادات الفيلم التي تقطر ألماً: فيلم مفبرك، تمثيل جيد ومتقن، أخطاء فردية.. قد يطعن في صدق الشهادات بقوله: كيف تكون لهجة المريم الأولى شامية، وهي من درعا؟ قد يتباهى بمروءة الطبيب، الذي لا نعرف طائفته، والذي أخفى حقيقة الوضع الصحي لمريم الأولى، وزعم أنها ماتت بجلطة دماغية، وسرّبها من المشفى، ونجتْ بذلك من الموت. قد يدّعي المحامي أنّ شهادات المغتصبات تشهد بسعادتهن قبل الثورة، وأن الشعب السوري كان يعيش في يوتوبيا أفلاطون.
تذكرت المريم الأولى آلام المسيح، فدعونا نتذكر مريم المجدلية، رمز الآثام المغفورة في الكنيسة الكاثوليكية، التي شرّفتها بلقب القديسة، وكانت زانية.. مريمنا مغتصبة كرهاً، ولم تكن آثمة مثل المجدلية، كانت مريم السورية تسعف الجرحى، وكانت طالبة، وكانت أماً لثماني بنات كأنهن الأقمار.. والأم مقدسة، فالجنة تحت أقدامها.. جنة عرضها السموات والأرض. قُتلت بنات فوزية خلف بالحربة أمام عينيها.. بأي ذنب قتلت؟ وكان أبو البنات كريماً، لكن كرمه لم يبلغ العفو عن زوجته: الإناث أحسن من الذكور، فهن يشفعن لوالدهن في دخول الجنة. قتل الشبيحة البنات أمام الأم، واغتصبوا الأم أمام زوجها، وهي الآن وحيدة في أقصى بقعة على ظهر الأرض، بقعة النبذ المطلق.
تتذكر المريم الأولى اسم المقدم الذي اغتصبها، اسمه سليمان، كل مساء.. بعد وجبة صباحية من التعذيب، يغتصبها المناضلون، جند الأسد. هذه هي العبادة في دين الأسد، والاغتصاب يجري تحت صورة إله الشر السوري، الأسد الأب.
تقول: إن سليمان كان يفرش مكتبه الفردوسي بسريرين وثيرين من أجل التحقيق مع المعتقلات، هو والعميد جهاد، ويأكل الفستق الحلبي، ويرمي بالقشور عليها.. واسم السجن آفاق، اسم جميل مثل اسم حزب البعث واسم حزب الله، الذي يبحث عن طريق القدس في الكربلاء السورية.
شاهدنا وجوه المغتصبات في الفيلم مصحوبة بسماء متفصدة، وأرض صحراوية جافة، وقطع ممزقة على الأسلاك الشائكة، والأنقاض، وبكينا، والآن ماذا يمكن أن نفعل؟ فعبادة القتل والاغتصاب تحت قدمي إله الشر مستمرة.
ماذا يمكن أن
نفعل لهؤلاء القديسات؟ فقد مضت أيام على الفيلم، ولم يتحرك أحد، كأن يزور رئيس الوفد المفاوض في جنيف، وفد سلاحف النينجا، المغتصبات في بيوتهن، أو نتبرع لهن ببعض الشرف، كما يتبرع المرء بالدم، إن كان عندنا بقية من شرف، أن نتزوجهن، ونرضاهن أما لأولادنا، وموئلا لشرفنا، أم نقف زُمراً أمام بيوتهن، نطلب تواقيعهن على الأوتوغرافات، كما يطلب التوقيع من نجوم السينما، كما لو أن تواقيعهن صكوك غفران.
فوزية خلف الحولانية، تشكو وتقول: إن واحدة سألتها: كم مرة اُغتصبتِ؟ ولم تسألها إن كانت تنام في الليل، أو تشتاق لأهلها، إن كانت حية أو ميتة؟ تقول إنها لا تجرؤ على ركوب الباص، فهي تمشي مسافات طويلة خوفاً من رجم الناس لها بحجارة التأثيم والخزي.. وتبكي المريم الأولى، على "ألوى" الصبية التي اغتصبت، والتي سماها والدها اسماً جميلاً، لم تسمَّ به إحدى
نساء الأرض من قبل، ثم قتلها، خلاصاً من عارها، وتقول: إن قبرها سيملأ الأرض زهراً وطهراً.
قال المسيح عن المجدلية: من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر.
ومن كان منا فيه رمق من الشرف، فليضرب رأسه بحجارة سوريا، وقد صارت أنقاضاً حجارة، حجراً حجراً.