هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد تنازل مصر الشهير عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، باتفاقية أثارت الجدل حول موقع إسرائيل فيها في نيسان/ أبريل 2016؛ بدأت علامات الصراع الإقليمي والدولي بين عدة دول على منافذ البحر الأحمر، التي تعدّ من أهم ممرات الملاحة والتجارة العالمية.
البحر الأحمر، الذي تتشارك مصر والسودان وأرتيريا وجيبوتي والصومال في مياهه من الغرب، واليمن والسعودية والأردن وفلسطين المحتلة من الشرق والشمال؛ يعد ممرا لما يقارب الـ 3.3 مليون برميل نفط يوميا، وهو المعبر الرئيسي للتجارة بين دول شرق آسيا وأوروبا، ويمر من مضيق باب المندب جنوبا سنويا أكثر من 21 ألف سفينة تمثل 7 بالمئة من الملاحة العالمية.
صراع القواعد
وخلال زيارته للسودان هذا الأسبوع، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن السودان خصص جزيرة سواكن في البحر الأحمر شرق السودان لبلاده كي تتولى إعادة تأهيلها وإدارتها لفترة زمنية، ولإقامة قاعدة عسكرية تكون القاعدة التركية الثانية إلى جانب الأولى التي تم افتتاحها بالصومال في 30 أيلول/ سبتمبر الماضي.
وأثناء زيارته لروسيا في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، طرح الرئيس السوداني، عمر البشير أمام نظيره الروسي فلاديمير بوتين، فكرة بناء قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر لحماية السودان من التربصات الخارجية وخاصة التحركات العدائية الأمريكية بحسب وكالة سبوتنيك الروسي.
اقرأ أيضا: الخرطوم: الاتفاق مع تركيا حول "سواكن" لا يهدد الأمن العربي
وقبل ذلك تمكنت الإمارات، من السيطرة على الموانئ البحرية اليمنية في إطار حرب التحالف العربي على جماعة (الحوثي) باليمن، وبينها جزيرة (سقطرى) بمدخل خليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، وقاعدة جوية بجزيرة (ميون) بين اليمن وجيبوتي، وبلدة (ذو باب) القريبة من باب المندب، كما أنه تم حويل ميناء (المخا) اليمني إلى قاعدة عسكرية.
وإلى جانب ذلك توجد قاعدة عسكرية لأبو ظبي في (بربرة) عاصمة الصومال بدأ إنشاؤها في شباط/ فبراير الماضي، وقاعدة عسكرية في إريتريا في أيلول/ سبتمبر 2015، وفي جيبوتي استأجرت الإمارات منشأة بمنطقة (هراموس) المجاورة لقاعدة عسكرية أمريكية.
وفي آذار/ مارس 2016، أعلنت السعودية عن إقامة قاعدة عسكرية في جيبوتي، مقابل سيطرة جماعة أنصار الله الحوثي الموالية لإيران على عدد من موانئ اليمن بالبحر الأحمر.
وفي 21 كانون الثاني/ يناير 2016، أعلنت وزارة الخارجية الصينية عن عقد اتفاق مع جيبوتي لاستضافة أول قاعدة لها على الإطلاق خارج بحر الصين الجنوبي.
وتمتلك كل من أمريكا وفرنسا وإيطاليا واليابان والصين قواعد عسكرية في مدخل البحر الأحمر بجيبوتي، التي يشكل تأجير القواعد العسكرية لها دخلا بنحو 160 مليون دولار ويعد أهم إيرادات إحدى أصغر الدول العربية (23 ألف كيلومتر مربع، و830 ألف نسمة).
وبينما تمتلك إسرائيل قواعد عسكرية في إرتيريا وإثيوبيا وكينيا، وعدد آخر من دول شرق ووسط أفريقيا، فقد قامت تل أبيب باستئجار جزر (دهلك) من إريتريا على البحر الأحمر إلى جانب استئجار جزيرتي (حاليب وفاطمة) وجزيرتي (سنتيان وديميرا) وبناء قواعد عسكرية فيها، إلى جانب قاعدة بحرية في ميناء (مصوع) عند المدخل الجنوبي للبحر الأحمر.
مواجهة أكثر عنفا
وحول هذا الملف نقل موقع الأمن والدفاع العربي، في آب/ أغسطس الماضي، تصريحات لخبير الشؤون الأفريقية آيو جونسون، لوكالة سبوتنيك، قال فيها إن أفريقيا باتت "نقطة انطلاق" لعدد من الدول الأجنبية، التي تسعى لتعزيز قدراتها العسكرية ضد بعضها البعض، محذرا من مواجهة مقبلة بين القوى العظمى، ستكون أكثر عنفا ودموية.
وفسر جونسون الاهتمام المبالغ فيه بإقامة قواعد عسكرية على البحر الأحمر بأن "موقعها استراتيجي هام"، مضيفا أن "منطقة القرن الأفريقي على وجه التحديد هي بوابة رئيسة لممرات الشحن، والسيطرة عليها توضح مدى نفوذ وسيطرة الدولة المسيطرة عليها".
من جانبها قالت الدكتورة أماني الطويل خبيرة الشؤون الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات، إن التواجد الدولي في البحر الأحمر سيعقد مسألة الأمن، فبسماح السودان لتركيا بإدارة جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر شرق السودان أصبح لتركيا نقطة ارتكاز، وتوجد قواعد عسكرية لليابان والصين والإمارات وأمريكا وفرنسا بجيبوتي، مؤكدة أن هذا التواجد سيشكل عبئا على منظومة الأمن في البحر الأحمر.
معركة البحر الأحمر
من جانبه وصف الإعلامي المصري عماد البحيري، هذا الأمر بـ"معركة البحر الأحمر"، وقال عبر صفحته في "فيسبوك": "كل الدنيا تحاول العثور على موضع قدم هناك باعتباره أهم ممرات تجارة العالم".
وأضاف البحيري أن الإمارات دفعت ابن سلمان نحو "عاصفة الحزم" في اليمن لتستولي على جزيرتين في باب المندب (مدخل البحر الأحمر) وتحتل الموانئ اليمنية، مشيرا إلى أن "روسيا اشترطت على السودان مقابل الحماية أن تكون لها قاعدة عسكرية بألف كيلومتر مربع في البحر الأحمر".
اقرأ أيضا: السودان "يخصص" جزيرة "سواكن" في البحر الأحمر لتركيا
البحيري، انتقد وضع مصر في هذه المعادلة، وقال إن "أردوغان (الرئيس التركي) جاء من بلاد الأناضول ليضع قدمه داخل البحر الأحمر عن طريق جزيرة (سواكن) بالسودان، وفي الوقت الذي يسعى فيه الكل لوضع أصبع وليس قدم في البحر الأحمر؛ فإن الزعيم "السيسي" فرط بأهم جزيرتين على الإطلاق تتحكمان بخليج العقبة ولو أغلقتا فسيغلق الخط الملاحي كله.
انسحاب مصر
ويرى مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عبدالله الأشعل، أن القضية لها جانبان، الأول هو تلك الدول المضيفة للقواعد العسكرية على أراضيها مؤكدا أن استضافة القواعد العسكرية بالنسبة لها يعد "سبوبة" تجلب لها المال الوفير.
وأضاف لـ"عربي21"، أن الجانب الثاني هو الدول صاحبة القواعد العسكرية التي تحرص على إقامة تلك القواعد لاستخدامها كمنصات لحروب قادمة ولحماية مصالحها بالمنطقة.
وأوضح أستاذ القانون الدولي، أن الصراع القائم بين كل ذلك الحشد من الدول في منطقة البحر الأحمر وعلى مدخله الجنوبي؛ سببه الفراغ وعدم وجود قوة من دول المنطقة، وبشكل خاص "انسحاب مصر واحتلال إرادتها وفساد نظامها العسكري في مواجهة الداخل والرخاوة والتخلي أمام الخارج".
وأكد الأشعل أن تراجع مصر أدى إلى تمدد تركيا وإيران وإسرائيل، وأنه من قبل أوهم الغرب العراق والسعودية بأنهما البديل عن مصر، فدمروا بذلك العراق ودفعوا السعودية للمجهول.
ويعتقد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبو الخير، أن هناك صراعا إقليميا ودوليا على وشك الاحتدام حول البحر الأحمر، معللا ذلك بأهميته الاستراتيجية، فضلا عن أن المنطقة تعد أهم مناطق العالم؛ نظرا لاحتوائها على أهم موارد الطاقة (البترول والغاز).
وأشار الأكاديمي المصري، في حديثه لـ"عربي21"، أن "من يسيطر على الملاحة في هذه المنطقة؛ يمكنه السيطرة على العالم، ولذلك فالقوى الطامعة بها كثيرة"، موضحا أن "تنازع الدول في الهيمنة عليها يأتي محاولة لمنع الاستفراد الأمريكي بالمنطقة"، مؤكدا أنهم "حتى يتمكنوا من حماية مصالحهم الاستراتيجية خاصة تأمين موارد الطاقة فإن الكل يصنع له موضع قدم فيها".
وقال أبو الخير، إنه بالنسبة للمحاولة التركية الأخيرة لدخول البحر الأحمر فإنها تأتي من أنقرة "لتأمين نفسها كقوة اقتصادية ناهضة، ولأنها تدرك أن المنطقة العربية والإسلامية عمق استراتيجي لها، وحتى لا يتم محاصرتها بعد نهضتها وتنميتها التي أزعجت الغرب وخاصة أن ميولها أو منهجها إسلامي".
وأشار أبو الخير إلى أزمة وعجز الدول العربية إزاء هذا الملف قائلا إن "الكل يعمل على حماية مصالحه إلا الدول العربية التي تعمل لصالح ألد أعدائها".