هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للكاتب كولام لينتش، يناقش فيه الدور الروسي في تشكيل مستقبل سوريا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الولايات المتحدة والسعودية، وحتى المبعوث الدولي إلى سوريا، باتوا يقبلون بدور روسي أوسع في حل الأزمة السورية.
ويبدأ الكاتب تقريره بالقول إن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، دعا في 24 كانون الأول/ ديسمبر قادة في المعارضة السورية لإيصال رسالة واضحة، وهي أن السعودية ستخفف من جهودها الداعمة للإطاحة بنظام بشار الأسد، مشيرا إلى قول الجبير إن الوقت قد حان لتكريس المعارضة جهودها من أجل تأمين تسوية سياسية مع دمشق، من خلال مؤتمر السلام المقرر عقده في سوتشي في شهر كانون الثاني/ يناير.
وتنقل المجلة عن مصدرين في المعارضة السورية، أشارا لما قاله الجبير للوفد السوري، حيث أكد الوزير السعودي أن المعارضة لو كانت جاهزة بالقدر الكافي فستؤمن اتفاقا لعملية نقل السلطة، مشيرة إلى أن المسؤولين السعوديين في نيويورك وواشنطن لم يردوا على طلب المجلة للتعليق.
ويجد التقرير أن "دعوة الجبير تعد إشارة أخرى على تراجع حظوظ المعارضة السورية للأسد والمحاصرة، التي خسرت الدعم السري من الحكومة الأمريكية، وما هو أكثر أهمية من ذلك أن الرسالة السعودية تؤكد نجاح الدبلوماسية الروسية، ومحاولتها تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الحرب، التي باتت تنافس جهود الأمم المتحدة في جنيف، التي عانت الفشل على مدار السنوات الخمس الماضية".
ويعلق لينتش قائلا إن "الأمم المتحدة موزعة الآن بين المشاركة في الخطة الروسية، حيث يقوم المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا بحملة من وراء الستار لتأمين مقعد في سوتشي، ويحث السعوديين والمعارضة السورية على المشاركة في سوتشي، وأصبح النفوذ الدبلوماسي لموسكو في محاولات وقف الحرب في سوريا ممكنا؛ بسبب الموقف المسالم لواشنطن، حيث ركزت إدارة دونالد ترامب على محاربة تنظيم الدولة، ومنع إيران من تشكيل مستقبل البلد الذي مزقته الحرب".
وتنقل المجلة عن دبلوماسي في مجلس الأمن، قوله إن "سوريا هي مثال على أن الدبلوماسية الأمريكية ليس لها دور، سواء في المقدمة أو الوسط"، ويضيف الدبلوماسي أن "الولايات المتحدة فقدت الميدان لصالح روسيا".
ويورد التقرير نقلا عن المبعوث الأمريكي السابق إلى التحالف الدولي لإضعاف تنظيم الدولة وهزيمته الجنرال المتقاعد جون ألين، قوله إنه حتى لو أرادت أمريكا أداء دور أكبر في سوريا ما بعد الحرب فإن فك ارتباطها بالمنطقة أضعف من قدرتها على عمل هذا الأمر، ويضيف ألين: "تقوم روسيا بتحديد المسار السياسي ومن أكثر من منحى.. للأسف لم يعد للولايات المتحدة سوى قدرة بسيطة على ممارسة دور قيادي أو المشاركة في هذه العملية".
ويعلق الكاتب قائلا إن المحاولة الروسية الحالية بدأت قبل أكثر من عام، ففي كانون الثاني/ يناير 2017 عقدت روسيا جولة من المحادثات في أستانة، عاصمة كازاخستان، بحضور مسؤولين أتراك وإيرانيين، للتباحث في وقف إطلاق النار، وتم استبعاد الولايات المتحدة بشكل كامل من العملية التي استمرت، وتريد موسكو الآن استخدام المؤتمر نهاية الشهر الحالي في سوتشي على البحر الأسود لتحديد مسار المستقبل السياسي، الذي تأمل أن يشمل الأسد".
وتشير المجلة إلى أن "الدفعة الدبلوماسية بقيادة روسيا تثير مخاوف الحكومات الغربية وقيادة المعارضة، حيث يخشون أن يعمل المؤتمر على تقوية المكاسب العسكرية التي حققها الروس وحكومة الأسد، ما يدفع جيل جديد من السوريين نحو التمرد المستمر، وهناك مخاوف أيضا من التخلي عن بعض ملامح مؤتمر جنيف، الذي يدعو إلى نقل السلطة وملامح للحياة في مرحلة ما بعد الأسد، وهناك البعض ممن يرى أن روسيا هي جزء من النزاع لا يمكن أن تكون وسيطا نزيها".
ويلفت التقرير إلى أن سفير فرنسا في الأمم المتحدة فرانسوا ديلاتير أخبر الصحافيين الشهر الماضي بأنه "لا بديل عن عملية جنيف التي تقودها الأمم المتحدة.. ولن تكون هناك لعبة أخرى غيرها"، مشيرا إلى أن أكثر من 130 فصيلا معارضا عبرت قلقها من استعداد دي ميستورا للمشاركة في مؤتمر سوتشي، وأرسلت له رسالة في الثالث من كانون الثاني/ يناير، حيث اعتبرت المفاوضات "تراجعا خطيرا عن عملية جنيف"، التي تقودها الأمم المتحدة، و "تهديدا خطيرا" لفرص السلام في سوريا.
ويرى لينتش أن "المشكلة هي أن عملية جنيف لم تعد قابلة للحياة، فالدعم العسكري الذي قدمه الجيش الروسي للأسد جعل من حكومة دمشق أقل استعداد للتخلي عن الحكم مقابل عملية نقل للسلطة، وهو عنصر مهم في خطة جنيف، بالإضافة إلى أن واشنطن لا تفعل الكثير من أجل أن بقاء عملية جنيف على قيد الحياة، حيث ركزت إدارة ترامب على سحق تنظيم الدولة وتقليل التأثير الإيراني في سوريا، واشتكى الحلفاء الأوروبيون، وإن بطريقة هادئة، من أن الولايات المتحدة لم تستخدم تأثيرها لدعم عملية جنيف، ولا توجد هناك شخصية محورية ـسواء في البيت الأبيض أو الخارجيةـ ممن كلفت للقيام بتشكيل النقاش حول سوريا".
وتنقل المجلة عن مسؤول سابق في الأمن القومي، لديه علاقات مع البيت الأبيض، قوله: "لا بد أن يتحمل شخص مسؤولية هذا الأمر، ولا يوجد"، لافتة إلى أنه "من خلال الرسالة السعودية للمعارضة، والانقسامات داخل الأمم المتحدة، فإن هناك في الحقيقة من يتحمل العبء: الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مع أن مسؤولين في إدارة ترامب يزعمون أن الولايات المتحدة لها نفوذ في سوريا أكثر من ذي قبل، خاصة أن الأكراد يسيطرون على مناطق واسعة، وهناك قوات أمريكية على الأرض".
وينوه التقرير إلى أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أكد أن الأمم المتحدة لن تشارك في مؤتمر سوتشي إلا إذا شاركت السعودية والولايات المتحدة، أو أعطت الأمم المتحدة الضوء الأخضر، فيما يناقش دي ميستورا أهمية مشاركة الأمم المتحدة والمعارضة السورية.
ويذكر الكاتب أن دي ميستورا تحدث في الشهر الماضي أثناء الجولة الثامنة في جنيف، مع عدد من قادة المعارضة، وحثهم على المشاركة في مؤتمر روسيا، وطالبه غوتيريس بالتنحي، لكنه كان قد أوصل الرسالة.
وتورد المجلة نقلا عن دبلوماسي في الأمم المتحدة، قوله: "هناك انقسام داخل الأمم المتحدة، دي ميستورا يريد الذهاب من أجل عرض رؤية الأمم المتحدة في المؤتمر، لكن زملاءه في نيويورك يشعرون أنه يقوم ببساطة بشرعنة أهداف روسيا".
ويستدرك التقرير بأن الأمين العام يشعر أن محادثات سوتشي تنبعث منها رائحة غير مريحة، مشيرا إلى قول الناشط السوري لحقوق الإنسان رضوان زيادة: "لدى دي ميستورا نزعة للميل نحو الروس وليس الولايات المتحدة"، ويضيف زيادة أنه "يشعر أن الولايات المتحدة انسحبت من الملف السوري، والطريقة الوحيدة ليحقق إنجازا هو التعاون مع الروس".
ويفيد لينتش بأن متحدثا باسم دي ميستورا رفض التعليق على مؤتمر سوتشي، وأحال السائل إلى تصريحاته المتعددة، التي ترى أن أي لجنة تظهر من سوتشي يجب أن تمرر من خلال التحاور مع الأمم المتحدة، ويصادق عليها مجلس الأمن الدولي، مشيرا إلى انه من الناحية الرسمية فإن الولايات المتحدة لا تزال تؤكد أهمية محادثات جنيف، فيما يدعو وزير الخارجية ريكس تيلرسون ووزير الدفاع جيمس ماتيس ومستشار الأمن القومي الجنرال أتش آر ماكمستر لرحيل الأسد.
وتنقل المجلة عن متحدث باسم وزارة الخارجية، قوله: "جنيف هي السبيل الوحيد للمضي قدما". وأضاف: "مع استمرار تركيزنا على جنيف والتقدم الجوهري في هذه المفاوضات، فان الأساليب الأخرى كلها لا تشكل سوى حرفا للأنظار".
ويذهب التقرير إلى أن هناك إشارات على انقسام داخل الإدارة الأمريكية، بشكل يفتح الباب أمام دور روسي، فعدد من المسؤولين البارزين، من بينهم المبعوث الخاص لدول التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بيرت ماكغيرك، والمبعوث الخاص إلى سوريا مايكل راتني، والقائم بأعمال مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد، ينادون بالتركيز على تنظيم الدولة، وعرقلة الجهود الإيرانية، ومن ثم تخفيض الوجود العسكري.
ويبين الكاتب أن ماكغيرك يبدو منفتحا حول دور روسي، حيث قال للصحافيين الشهر الماضي: "نحن متعاونون مع الروس حول ما يفكرون به تماما، وقالوا إنهم سيجمعون المعارضة السورية في سوتشي، وما سيحدث في سوتشي سيغذي مباشرة جنيف"، وأضاف: "إن ما لا نؤيده، ولن تكون له أي شرعية على الإطلاق سيكون عملية موازية تماما لجنيف".
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي تتراجع فيه الولايات المتحدة في سوريا، فإن عملية دبلوماسية موازية هي ما يحدث بالضبط.