هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تجتاح البلاد العربية موجاتٌ
من الاحتجاجات، طالت دولاً كثيرة في مغرب العالم العربي ومشرقه، ويُتوقع أن تستمر،
وتدوم، وتتصاعد وتيرتها، بسبب العوامل الموضوعية المسؤولة عنها، والمُسببة لنشوبها.
والحقيقة أنها ليست ظاهرة جديدة،
أو مستجدة في المنطقة العربية، فقد لجأت المجتمعات العربية في أكثر من مرة ومناسبة
إلى اعتماد آلية الاحتجاج للتعبير عن مطالبها حيال السلطة وصناع السياسات. بيد أن احتجاجات
الألفية الجديدة موسومة بمتغيرات لم تكن حاضرة خلال القرن الماضي، لعل أبرزها ثورة
التكنولوجيات الجديدة، وما تتيح لمستخدميها من إمكانيات هائلة لربط الاتصال، وتبادل
المعلومات، والتواصل من أجل تكتيف الجهود للضغط على الحكومات، وهو ما لم يكن متاحاً
نهائيا خلال عقود القرن الماضي، أو القرون التي سبقته. لننظر إلى منصات التواصل الاجتماعي،
وما تتيح من إمكانيات بالنسبة للمنظمات الاجتماعية بمختلف أنواعها وأشكالها. ولنتمعن
في الأدوار التي تقوم بها في التفاعل بين المجتمعات وحكامها، وبين الدول ذاتها.. ألم
نلاحظ أن أخطر السياسات التي اتخذتها دولة عظمى، كالولايات المتحدة الأمريكية، كان
مصدرها تغريدات الرئيس "نرامب" على "تويتر"؟
احتجاجات الألفية الجديدة موسومة بمتغيرات لم تكن حاضرة خلال القرن الماضي، لعل أبرزها ثورة التكنولوجيات الجديدة، وما تتيح لمستخدميها من إمكانيات هائلة لربط الاتصال
يتعلق المتغير الثاني،
إلى جانب ثورة المعلومات، بالوعي الذي اكتسبته المجتمعات العربية نتيجة عوامل كثيرة من أهمها هذه الثورة المتنامية في وسائل التواصل الاجتماعي، والذي سيزداد ويتعمق أكثر..
فالمجتمعات العربية من منظور أجيالها الجديدة، لم تعد راضية بما صُوِّرَ لها من أن
هذا قدرُها، وعليها أن تقبله وترضى بقسمته، بل أصبح الشباب، وهم الشريحة العريضة في
المجتمع، يُطالبون دولهم بأن تعاملهم بالتكافؤ والاستحقاق، وأن تقوم بالواجبات المنوطة
بها بمقتضى الدساتير والقوانين ذات العلاقة، وأن على البلد أن يكون بيتا للعيش المشترك،
على قاعدة الحقوق والواجبات أي على قاعدة المواطنة، ليس إلا.
ما يميز الاحتجاجات المتصاعدة
في البلاد العربية أنها شبه عامة، اكتسحت الدول التي حصلت فيها تغييرات في رأس السلطة (تونس وليبيا ومصر)، وفي تلك التي أدخلت إصلاحات ضمن استمرارية النظم (المغرب، الأردن)، أو حتى في بعضها التي لم تعرف حراكا بارزا مع بداية العام
2011 وما تلاه من سنوات، كما هو شان كل من المملكة العربية السعودية والجزائر والسودان.
نحن إذن أمام احتجاجات اجتماعية
شاملة، لم تقتصر على البلدان غير النفطية، بل البلاد النفطية أيضا.
والشاهد على أنها
احتجاجات مفتوحة على التطور والتصاعد والاستمرار؛ أن مسبباتها لم تعد خافية، بل غدت
واضحة للجميع، بل إن الكثير منها تم الاعتراف بها صراحة من قبل الحكومات وصناع السياسات
أنفسهم. لذلك، وبسبب درجة الوضوح التي طبعت حركات الاحتجاج في البلاد العربية، لم يعد
مقبولا ولا ممكنا اللجوء، كما دأبت الكثير من النظم على فعل ذلك سابقا، إلى اتخاذ إجراءات
"ترقيعية" مقطوعة عن سياقها، وغير ناجعة ولا فعالة حتى في المدى القريب،
فبالأحرى المتوسط والبعيد. كما لم يعد ممكنا امتصاص الغضب بإعادة تدوير عائدات الثروة
النفطية، في شكل "مَكرُمات"، أو منح وامتيازات، توزع بعد الفينة أو بأخرى،
وبحسب الظروف والسياقات، كما لم يعد مفيداً شراء الذمم، ورشوة بعض الفئات الاجتماعية،
وعزلها عن باقي مكونات المجتمع.. إن كل هذه السياسات والقرارات التنفيذية الناجمة عنها،
تآكلت ولم تعد مقبولة ولا شرعية. فالمطلوب إذن، لإعادة بناء علاقة تعاقدية جديدة بيد
الود والمجتمعات في البلاد العربية، اجتراح رؤية وفلسفة جديدة لصياغة هذا التعاقد.
نحن إذن أمام احتجاجات اجتماعية شاملة، لم تقتصر على البلدان غير النفطية، بل البلاد النفطية أيضا
من يقرأ شعارات حركات الاحتجاج في البلاد العربية ويحلل مضامينها، يُدرك أن عمق المشكلة في العلاقة المعطوبة بين الدول والمجتمعات، هو الفساد أولا والفساد أخيرا