هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للباحثين ريهيس دوبين ودان دي لوس، يقولان فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قررت أن توجه مساعدات إنسانية للمسيحيين ومجتمعات الأقلية في العراق؛ على عكس ما نصح به بعض المسؤولين في وزارة الخارجية وآخرون في الأمم المتحدة؛ لخوفهم ابتداء من أن هذا سيتسبب بردة فعل سلبية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الإدارة، التي كان حثها ابتداء على ذلك القرار علاقته بمجموعات الضغط المسيحية، اصطدمت ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بخصوص كيفية انفاق أموال المساعدات في العرا ق، وأصرت على أنه يجب تخصيص مبالغ أكبر للمجتمع المسيحي وللأقليات في سهول نينوى، لافتا إلى أن الإدارة رفضت تقدير البرنامج -وتقدير بعض المسؤولين في الخارجية- بأنه يجب توجيه المساعدات إلى المناطق الأكثر اكتظاظا حول مدينة الموصل التي أصابها الدمار.
ويقول الكاتبان إن الجانبين توصلا في النهاية إلى حل وسط، حيث توجه بعض المساعدات بعيدا عن الموصل، وتحول إلى القرى في سهول نينوى، التي يعيش فيها المسيحيون والأقليات الأخرى.
وتنقل المجلة عن مسؤول غربي كبير، قوله: "من ناحية مكافحة الإرهاب فلا شك أن للموصل الأولوية، فالكثير منا قلق من عودة التطرف العنيف للمدينة إن لم يتم جلب الاستقرار الى المناطق التي دمرت في أسرع فرصة .. وإن حصل هذا فإن المكاسب العسكرية التي كسبها التحالف والقوات العراقية تصبح معرضة للخسارة".
ويلفت التقرير إلى أنه حتى قبل الاختلاف الأخير مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فإن اقتراح المساعدات لأقليات دينية أثار حوارا داخل الإدارة، وعارض الفكرة بعض المسؤولين في وزراة الخارجية وغيرهم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؛ خشية أن يؤدي التركيز على الأقليات الدينية والمسيحيين خاصة، إلى إشعال الانقسامات الطائفية.
ويفيد الباحثان بأنه منذ وصول ترامب إلى سدة الحكم قبل عام، فإن القضية حظيت بالاهتمام على مستوى عال، وتحدث نائب الرئيس مايك بنس مكررا حول أهمية المساعدات الأمريكية المباشرة للأقليات الدينية في الشرق الأوسط، وقام مدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بجعل هذه الجهود رئيسية خلال فترة إدارته.
وتذكر المجلة أن الانتقادات الموجهة من القيادة الأمريكية لوكالات الأمم المتحدة زادت، ففي شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي مثلا، وخلال نشاط نظمته جماعة ضغط للدفاع عن المسيحيين، أعلن بنس بأن وزارة الخارجية لن تدعم جهود الأمم المتحدة الإغاثية غير الفعالة، وبدلا من ذلك فإنها ستوجه المساعدات من خلال "يو أس إيد" مباشرة.
وقال بنس: "إن المسيحية تتعرض لهجوم غير مسبوق في تلك الأراضي القديمة.. وفي الوقت الذي تستعد فيه المجموعات الدينية ذات السجلات الجيدة والجذور العميقة في المجتمعات للقيام بالمساعدة، إلا أن الأمم المتحدة في الغالب ما ترفض طلبات التمويل لها".
وينوه التقرير إلى أنه بعد ذلك بفترة قصيرة، كشفت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "يو أس إيد" عن خطط لتقديم المزيد من المساعدات لمجتمعات الأقليات في شمال العراق، علاوة على الأموال التي تقدمها الأمم المتحدة، مشيرا إلى أن هذا الجهد الإضافي يحتاج إلى حوالي 35 مليون دولار على شكل مساعدات للأقليات في سهول نينوى، بالإضافة إلى 20 مليون دولار إضافية من وزارة الخارجية.
ويجد الكاتبان أن هذه القضية تضع رغبة إدارة ترامب للقيام بفعل لحماية المجتمعات المسيحية في الشرق الأوسط في مواجهة الهدف الأوسع، وهو دعم الاستقرار في العراق بعد هزيمة تنظيم الدولة، حيث يقول المسؤولون الحاليون والسابقون إن تسببت هذه السياسة برد فعل عكسي فإنها قد تؤثر على مكانة واشنطن في بغداد وتأثيرها في وقت أصبح فيه تأثير واشنطن في بغداد محدودا، وفي وقت تسعى فيه واشنطن إلى مواجهة الدور الإيراني في المنطقة.
وتنقل المجلة عن الضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الذي كان متخصصا في الشأن العراقي، وأصبح اليوم زميلا في معهد "أميريكان إنتربرايز" كينيث بولاك، قوله: "يشكل المسيحيون نسبة ضئيلة من الشعب، وإن حصلوا على نسبة كبيرة من المساعدات فإن ذلك سيبدو سيئا.. وستبدو أمريكا بأنها غير ملتزمة بإعادة البناء وتحقيق الاستقرار في العراق، وستبدو أكثر اهتماما بمصالحها الخاصة".
ويكشف التقرير عن أن خلاف الادارة مع المسؤولين عن المساعدات على مدى الشهرين الماضيين ركز على جزء من المساعدات قيمته 150 مليون دولار لبرنامج الأمم المتحدة في العراق لتحقيق الاستقرار، لافتا إلى أن هذا المبلغ كان أصلا مقدما على شكل صك مفتوح، تقوم الوكالة بإنفاقه كيف شاءت، وتدخل المسؤولون الأمريكيون لإعادة التفاوض على الشروط، وتوصلوا في النهاية إلى تسوية تحدد 55 مليون دولار من المبلغ للأقليات الدينية، والمبلغ الآخر، وهو 75 مليون دولار، سيعتمد صرفه على إجراءات تقييم ومراقبة.
ويبين الباحثان أن هذا التحرك أدى إلى استغراب في المجتمع الإغاثي، حيث قال المسؤول الغربي: "إن أخذ مبلغ 55 مليار دولار ووضعه في مكان لا يمكن لتنظيم الدولة العودة إليه أمر يخلو من المنطق"، وأضاف المسؤول قائلا حيث أن التمويل لتحقيق الاستقرار يهدف إلى معالجة احتمال عودة تنظيم الدولة "فما عليك أن تفعله هو أن تركز على المناطق التي يمكن للتنظيم العودة إليها".
وتستدرك المجلة بأن آخرين في الإدارة وبعض أعضاء الكونغرس يحتجون بأن المسيحيين والأزيديين يواجهون خطرا مصيريا، وتقع على أمريكا مسؤولية التعامل مع ذلك، لافتة إلى أن أعداد المسيحيين في العراق تراجعت بشكل دراماتيكي من حوالي 1.4 ملايين قبل عام 2003 إلى أقل من 250 ألف عام 2016.
وبحسب التقرير، فإن تنظيم الدولة قام باختيار الأقليات بشكل خاص لمعاملته الوحشية، وقام التنظيم بطرد المجتمعات المسيحية بشكل ممنهج من مناطقهم في العراق، وقام بذبح واستعباد الآلاف من الأزيديين -وهم مجتمع أقلية متركزة في شمال العراق وسوريا ودينهم خليط من الزرادشتية والمسيحية والإسلام- حيث وصف الناشطون والحقوقيون الحملة بأنها حملة إبادة.
ويورد الكاتبان نقلا عن المدير التنفيذي لجمعية الدفاع عن المسيحيين فيليب ناصيف، قوله: "لقد تأثرت هذه المجتمعات بشكل كبير.. فلم يقم (تنظيم الدولة) بقتل الناس فقط، بل إنهم حفروا حقول الزيتون واقتلعوا جذور الأشجار، إنهم أرادوا محو أي وجود للمجتمع الأزيدي والمسيحي، حيث لا يعود الناس".
وتقول المجلة إن قيادات الحزب الجمهوري ومسؤولي البيت الأبيض لم يكونوا راضين عن ردود فعل الدبلوماسيين وعاملي الإغاثة، بالرغم من هدف إدارة ترامب المعلن بمساعدة المسيحيين والأقليات على الأرض، منوهة إلى أن بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين أصبحوا يعتقدون بأنه دون جهد تشريعي مباشر فإن وزارة الخارجية و"يو أس إيد" لن يغيرا مسارهما.
وينقل التقرير عن مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد أمريكا للسلام ساراهانغ هاماسعيد، قوله: "على مدى السنة الماضية زاد الضغط أكثر.. وهناك أسئلة مباشرة عن كيفية إظهار ما تم عمله للأقليات بقياسات متفق عليها".
ويشير الباحثان إلى أن المشرع الجمهوري كريس سميث قدم مثلا مشروع قانون 2017 للمساءلة والإغاثة الطارئة من الإبادة في العراق وسوريا، وتم تمرير مشروع القانون في مجلس النواب، لكنه تعثر لدى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، حيث كان القانون مصمما لتذكير الوكالات بسلطاتها القانونية لتوزيع المساعدات "للأقليات الإثنية والمجتمعات الأكثر حاجة للمساعدات" في العراق وسوريا.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن سميث ومن يحمل الآراء ذاتها في هذه القضية دفع بشدة في الكونغرس، وقال أحد المساعدين الديمقراطيين في الكونغرس: "كانت هذه نغمة ثابتة لدى هذه المجموعة".