هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "فورين أفيرز" مقالا للمحلل الأمني المستقل نيل هوير، الذي يركز على منطقة سوريا وروسيا ومنطقة القوقاز، يتساءل فيه عن هزيمة المرتزقة الروس في سوريا، وعما إذا كان الكرملين فقد السيطرة.
ويبدأ هوير مقاله بالحديث عن حادث 7 شباط/ فبراير، الذي قتل فيه أكثر من 100 شخص، بحسب بعض التقديرات، وذلك عندما تعرضت قوات سوريا الديمقراطية، التي تدعمها الولايات المتحدة، لنيران من قوات موالية لرئيس النظام السوري بشار الأسد.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه لم يتم وقف الهجوم إلا باستخدام الطيران والقصف المدفعي، الذي خلف العشرات من القتلى، لافتا إلى أن الأخبار بدأت تتسرب في الأسبوع التالي للعملية، حيث كشف عن أن العديد من القتلى هم مرتزقة روس يعملون مع شركة تعهدات خاصة اسمها "فاغنر"، ذات علاقات مع الكرملين.
ويفيد هوير بأن تسجيلين صوتيين كشفا أن عدد قتلى "فاغنر" 200، فيما قالت مصادر أخرى إن العدد يزيد على 600، مشيرا إلى أنه مع أن هذه الأرقام تبدو غريبة، حيث قدرت مصادر روسية الرقم بما بين 20- 25 شخصا، إلا أن الأدلة التي تم التوثق منها تظهر أن العدد يزيد على المئات.
ويلفت الكاتب إلى أن المقاتلين السابقين في شركة "فاغنر"، ممن لهم علاقة مع القتلى، ذكروا أن الرقم يتراوح ما بين 80 -100، أما الجرحى فيقدر عددهم بـ200 شخص، حيث تشير مصادر إلى أن المستشفيات الروسية عالجت جرحى نقلوا من سوريا، وعددهم يتراوح ما بين 17إلى 200 جريح.
ويعلق هوير قائلا إن "العدد 300 لا يبدو رقما غير معقول الآن، بل إنه محتمل، حيث أن العملية الأخيرة باغتت الكرملين، وبدت بياناته الأولى غامضة، ففي 14 شباط/ فبراير صدر تصريح يقول إنهم (ربما كانوا من مواطني الفيدرالية الروسية) يقاتلون في سوريا، (لكنهم ليسوا مرتبطين) بالقوات الروسية النظامية، وفي اليوم التالي اعترفت وزارة الخارجية بمقتل خمسة روس".
ويقول الكاتب إنه "ما بين النفي والتأكيد، فإن عدة لقاءات مع أفراد عائلات القتلى، وتأكيدات مستقلة، أشارت إلى تفاصيل جديدة، ففي شباط/ فبراير زادت وزارة الخارجية العدد إلى (العشرات) من المواطنين الروس ودول أخرى تتحدث باللغة الروسية ممن قتلوا أو جرحوا في سوريا".
ويجد هوير أن سلوك موسكو جاء تعبيرا عن تخبط، وليس محاولة للتضليل، لافتا إلى أن شركة "فاغنر" تطورت في السنوات الخمس الماضية إلى شركة تعهدات أمنية مهمة، وأدت دورا مركزيا في العمليات العسكرية الروسية في سوريا وأوكرانيا.
ويعتقد الكاتب أن "التخبط الذي يشوب الهجوم يشير إلى أن عملية (فاغنر) كان نتيجة لتحركات في المهزلة لم يكن الكرملين يتوقعها، وتبدو روسيا، التي تواجه شكوكا حول السيطرة على نظام الأسد، أمام مشكلة تتعلق بقدرتها على السيطرة حتى على مرتزقتها".
ويتساءل هوير قائلا: "إذا كان هجوم 7 شباط/ فبراير مفاجئا للكرملين، فكيف ولماذا حدث أصلا؟"، مشيرا إلى أن تقريرا نشرته صحيفة "كوميرسانت" اليومية الروسية يقدم تفاصيل مهمة.
وينقل الكاتب عن موظف سابق وزميل لعدد من قتلى "فاغنر"، قوله إن الهجوم كان محاولة من رجل أعمال محلي كبير، يدعم حاليا بشار الأسد، للسيطرة على حقول الغاز التي تتحكم بها القوات المدعومة من الولايات المتحدة، حيث كانت الخطة هي مهاجمة قاعدة كردية، والسيطرة على القوة الجوية الامريكية وطردها.
ويعلق هوير قائلا إنه "بالنظرة الأولى فإن خطوة كهذه غير مسبوقة؛ لأنه ومنذ التدخل الروسي عام 2015 لم تكن هنالك أي إشارات على قيام شركة (فاغنر) بالعمل خارج سيطرة الكرملين، إلا أن حادثا في عام 2013 يمكن أن يعطينا بعض الإشارات، ففي تلك الفترة اتصل وكيل محلي بمجموعة اسمها (سالفونيك كوربس)، وعرض عليها القيام بالسيطرة على حقول النفط في الشرق، وهي المنطقة ذاتها تقريبا التي حدث فيها هجوم 7 شباط/ فبراير، وانتهت هذه المحاولة كسابقتها بالهزيمة؛ لأن المجموعة كانت تعاني من فقر التدريب والإمكانيات، وتعطي فكرة بأن هذه الهجمات قد تحصل دون معرفة الحكومة الروسية".
وينوه الكاتب إلى أن تقريرا مثيرا في صحيفة "واشنطن بوست" نهاية الأسبوع الماضي، كشف أن الأمر بالهجوم جاء بطلب من يفغيني بريغوزين، الذي يعد من المقربين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ويدير مجموعة كبيرة من الشركات، لافتا إلى أن بريغوزين لا يرتبط مباشرة بشركة "فاغنر"، لكن لديه اهتمامات تجارية في شمال شرق سوريا.
ويذكر هوير أن بريغوزين يدير شركة "إيفرو بوليس"، التي وقعت العام الماضي عقدا مع شركة النفط العامة، يعطيها نسبة 25% من حقول الغاز والنفط السورية كلها، مشيرا إلى أنه بسبب خضوع معظم هذه الحقول لسيطرة الأكراد، فإن بريغوزين قام بالتنسيق مع مسؤولين سوريين بارزين لخطة فيها "مفاجأة سارة" لحكومة الأسد.
ويقول الكاتب: "على ما يبدو لم يحصل بريغوزين على وعد بدعم إضافي من الحكومة الروسية فقط، بل حصل على موافقة تكتيكية من الكرملين أيضا، وكان بريغوزين على اتصال مع رئيس طاقم بوتين أنطون فينو في الأيام التي سبقت العملية وأعقبتها".
ويبين هوير أن "هذا الكشف يطرح أسئلة أكثر حول المستوى الذي وافقت فيه الحكومة الروسية على العملية، وفيما إن كان بريغوزين والسوريون يعرفون بوجود الأمريكيين في المنطقة، والجواب المحتمل عند هذه النقطة أن الكرملين كان يعرف بخطة (فاغنر) وبريغوزين لإرسال رسالة للأكراد، نيابة عن دمشق، لكنهم لم يتوقعوا ردا من الأمريكيين، وبالتأكيد فإنهم لم يتوقعوا الضربة التي تلقتها شركة (فاغنر)".
ويشير الكاتب إلى أن حادث 7 شباط/ فبراير كشف عن الدور الذي ستؤديه "فاغنر" في السياسة الخارجية الروسية، فبعد البداية غير الموفقة في سوريا، مثل "سالفونيك كوربس" في عام 2013، فإن المجموعة أدت دورا مهما في السيطرة على شبه جزيرة القرم عام 2014، منوها إلى أن مرتزقة "فاغنر" ساهموا بقوة في العمليات العسكرية الروسية في شرق أوكرانيا، بما في ذلك معركة ديبالتسيف في شباط/ فبراير 2015 .
ويستدرك هوير بأنه "مع أن الشركات الأمنية الخاصة تعد غير قانونية في روسيا، إلا أن موسكو تعاقدت بعد تدخلها في سوريا مع الشركة للقيام بعدد من المهام هناك، وكانت الشركة ناشطة في وسط وشرق البلاد، وشارك مقاتلوها في السيطرة على مدينة تدمر عام 2016، وكذلك في حملة الشرق عام 2017 للسيطرة على مدينة دير الزور".
ويلفت الكاتب إلى أنه "بحسب الأرقام الحالية، فإن عدد العاملين مع الشركة في سوريا حاليا يصل إلى 2500 مقاتل، ومن أجل أخذ فكرة، فإنه في أيلول/ سبتمبر 2016، كان عدد الأفراد الروس في سوريا خمسة آلاف، بشكل يجعل مجموعة (فاغنر) نصف حجم القوة الروسية الرسمية في سوريا".
وينوه هوير إلى أن "المرتزقة أدوا دور قوات المشاة، والحراسة، ومراقبة الغارات الجوية، وتم استخدامهم على خطوط القتال الأمامية، وسمح استخدام المقاتلين لروسيا بنشر قوات على الأرض دون التورط في خسائر كبيرة تترك انعكاسات سياسية سلبية على الكرملين".
ويبين الكاتب أن "الترتيب كان نافعا في أثناء العمليات القتالية الشديدة، ففي أيلول/ سبتمبر 2017، خسرت (فاغنر) 54 من مقاتليها، وتم الاعتراف بخدمات الشركة، حيث ظهر بوتين وهو يقدم ميدالية لرئيس الشركة ديمتري أوتكين في حفلة في الكرملين في كانون الأول/ ديسمبر 2016".
ويقول هوير: "كما كشف 7 شباط/ فبراير، فإنه يمكن لـ(فاغنر) تجاوز المخاطر السياسية، لكنها لا تستطيع التخلص من التهديد كله، فمعركة قتل فيها أكثر من 100 شخص من الصعب التكتم عليها، وتحدثت وسائل التواصل الاجتماعي والصحافيون مع عائلات القتلى، وقالت والدة أحد القتلى، تعيش في بلدة صغيرة في منطقة الأورالز، إن أعضاء مجموعته أرسلوا (مثل الخنازير للذبح)، وقالت أخرى وهي غاضبة إن الحكومة الروسية هي (مسؤولة عن هذا الفعل)، وهذه التغطية الإعلامية السلبية ليس ما يريده بوتين في هذا الوقت، الذي يحضر فيه للانتخابات الرئاسية الشهر المقبل".
ويذهب الكاتب إلى أنه "مهما يكن من أثر حادث 7 شباط/ فبراير على المشهد المحلي الروسي، إلا أن هذا لا يساوي الأثر الذي سيتركه على الحرب السورية التي ستزداد سوءا، وتجد موسكو صعوبة في التحكم في الأزمة، فمؤتمر سوتشي الشهر الماضي انتهى بمهزلة، ويزداد النزاع في الشمال بين تركيا والأكراد، بالإضافة إلى أن هؤلاء تفاوضوا مع النظام السوري المفترض أنه حليف لروسيا، ورفض الطرفان التدخل الروسي في الأزمة".
ويجد هوير أنه "مع أن الهجوم الذي نفذته (فاغنر) حظي بموافقة تكتيكية من الكرملين، إلا أن نتيجته الكارثية، والخسائر التي نتجت، لن تسهما في شرعية موسكو بصفتها قوة للاستقرار، كما أن التقارير التي تحدثت عن أن الكرملين لا يستطيع التحكم بجماعات وكيلة مثل (فاغنر)، ستزيد من التحديات لرواية روسيا على أنها صانعة السلام".
ويقول الكاتب إنه "بالنسبة لـ(فاغنر) فإن المستقبل غير واضح، وستحاول موسكو التحكم بالشركة، وإعادة نشر عناصرها من منطقة الحادث إلى ضواحي دمشق، حيث تحضر الحكومة لهجوم واسع، ومن المتوقع أن تشارك الشركة في الهجوم على إدلب، في شمال غرب البلاد، التي أصبحت مركز المواجهة بين النظام وجماعات المعارضة".
وينوه هوير إلى أن "التقارير عن استخدام بريغوزين لـ(فاغنر) من أجل مصالحه الشخصية، وإن كان بموافقة من الكرملين، فإنه يكشف عن واقع مقلق للتصعيد، وبالنسبة للأمريكيين فإنهم قرروا تلقين (فاغنر) درسا لئلا تقوم بمحاولة أخرى".
ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "الحادث أحدث سابقة لا يريدها بوتين؛ لأنه جزء من تصعيد في بلد أعلن عن تحقيق النصر فيه قبل شهرين، ويثبت أن جماعات وكيلة قد تأتي بنتائج عكسية، وإن بطريقة لم تقصدها".