أتم عبدالفتاح السيسي المهمة وخرج على العالم معبرا عن ذاته الناقصة ووجه القبيح فمنع حتى شركاءه من منافسته في انتخابات عرف العالم كله إلى أي مدى هي مزيفة ولا تعبر إلا عن نظام فاشي. ورفضه لفكرة الديمقراطية تأصل في 3 يوليو 2013 بانقلاب على الديمقراطية الحقيقية الأولى التي مارسها الشعب في خمسة استحقاقات، اتفقنا أو اختلفنا حول نتائجها وعواقبها، ولكنها بلا شك كانت ديمقراطية عبّرت عن إرادة نابعة من رغبة تغيير انطلقت مع 25 يناير.
وبموقف السيسي المكشوف أصبحت المهمة أسهل وأيسر، فلا يوجد على وجه الأرض إنسان عاقل يستطيع أن يدعي أن مصر شهدت في 2014 أو 2018 انتخابات حقيقية أو حتى ما يشبه الانتخابات.
وأصبحت معركتنا على الأرض وفي الخارج أسهل مما قبل، فلم يصبح دورنا إقناع رجل الشارع وفي أزقة النجوع المهملة على أرض مصر المحروسة أو أي من أعضاء الكونجرس الأمريكي أن ما في مصر لا يحمل أي سمة من سمات خارطة طريق للديمقراطية.
لقد تم كل ذلك والسيسي ونظامه الساقط يبيع أرض مصر، وغاز مصر، ومياه مصر، ويدمر عقول الشباب ويقطع أوصال الأسر، ناهيك عن الاعتقال والاغتصاب والتصفية الجسدية.
وانتصرت إرادة الشعب الرافض للتزييف بامتناعه عن المشاركة في مهزلة السيسي وعصابته، فبالرغم من كل التهديد والترغيب والوعيد فقد خلت لجان السيسي إلا من القليل من المغيبين أو المقادين بسياسة الجزرة، وحقا لا نستطيع إلا أن نشفق عليهم فكلاهما عازته الحاجة، فالمغيب يعوزه العقل والمُقاد يعوزه الفقر الذي صنعته عصابة السيسي.
فما هي خطوتنا التالية؟ وكيف تتقدم حركتنا لإسقاط ذلك الفُجر الجلي؟
المطلوب الآن أن يتحرك الجميع نحو الاتجاه الوحيد لإنقاذ مصر، ألا وهو التمسك بالشرعية المهدرة، لأنها هي الطريق الوحيد للتخلص من التفريط الذي مارسه النظام غير الشرعي والطريق الوحيد لكسر دائرة الانقلابات وإعلاء قيم احترام الديمقراطية وإرادة الشعب، والعودة لطريق بناء المستقبل.
وبالرغم من وضوح الأمر، فإن البعض سيستمر على طرق أخرى تتمثل في البحث عن حلول وسط مع النظام بحجة الخروج من الأزمة والحلحلة، وكأنهم لم يتعلموا من السوابق ومن الظواهر التي تواكب ذلك الهزل المسمى انتخابات، وبالرغم من أن هؤلاء ما يقومون به ليس إلا تأجيل الثورة وإيهام من يتطلع لهم من الشعب بأمور لا طائل من ورائها إلا إضاعة الوقت وتشتيت الجهد، إلا أنهم رغم كل ذلك يحق لهم أن يبحثوا عن الطريق وإن ضلوا فالشعوب تتعلم من أخطائها، وإن تأخر مخاض ثورتها.
ورغم أن النظام قد فضح نفسه ولم يعد يخفى على أحد الموقف على أرض مصر، إلا أن البعض تصور أو صور أن المشاركة في مهزلة الانتخابات ستحل بآثار إيجابية، فمنهم من طالب الشعب بالذهاب لصندوق السيسي وإبطال صوته وكأن الصوت يحسب لدى السيسي ونظامه الذي انقلب على الديمقراطية وخرب كل محاولة للتشبه بها، ونسي أو تناسى هؤلاء أنهم بذلك يمنحون السيسي شرعيه كاذبة.
واستحدث آخرون ما أسموه الانتخابات الموازية، التي لا تمثل إلا شكلا وهميا لممارسة الديمقراطية المشروطة، والتي تسير في ذات مصار النظام، ولكن بأسلوب يبدو أنه متطور ويسمي نفسه ديمقراطيا، وقد دعا البعض للتصويت للبعض، فتصور جدلا أن من لديه نية الترشيح من حاشية النظام قد ترشح، وأنه على الشعب أن يختار بينهم إلكترونيا. فتساوى مع النظام في تصوير الديمقراطية على أنها لعبة للصفوة المقربة للنظام التي قد يحق لها الترشح للتنافس على مقعد يشغله بشكل شرعي رئيس منتخب ديمقراطيا احتجزه هؤلاء المرشحون.
ودعا هؤلاء بعض الشعب للاختيار بين ممثلي الدولة العميقة وممثلي الدولة الفاشية، ويحق الانتخاب لكل مصري يستطيع أن يصل إلى صفحات التواصل الاجتماعي، ولا صوت للمصري الكادح المستباح من كل الجلادين الهزليين والموازيين، مرة أخرى نعود لحراك المدن الكبرى وننسى غالبية شعب مصر.
إن ما بين الانتحار والثورة شعرة فاصلة، فالانتحار على المستوى الشخصي هو فعل الشيء من باب اليأس، والانتحار على المستوى المجتمعي هو عمل بلا حساب لمدى تأثيره على المد الثوري الذي وإن لم تتمخض عنه الثورة بعد فإنه يسير على طريقها، ذلك لأنه طريق طويل من الإعداد والتربية المجتمعية الذي لا يعيقه إلا تشتيت الأذهان وتثبيط الهمم بدعاوى تبدو براقة الشكل إلا أنها تهبط من عزيمة الثورة.
قد تتأخر ثورة الشعوب أو تتعثر، ولكنها لا تنتحر انتحارا جماعيا كهذه الدعاوى من انتخابات نظامية أو موازية أو دعاوى ما يسمى بالحلحلة، فما هي إلا طرق موازية للانتحار وشرعنة الظلم.
الواقفون في مربع الانقلاب يختلفون ويتصارعون كآنهم في دولة حقيقية ونظام ديمقراطي حاكم ،،، هم كما هم من ايام مبارك وربما ايام السادات ،،، لارؤية حامعة ،،د ولا هدف عام محدد