هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "ناشيونال إنترست" مقالا للكاتب بول بيلار، يقول فيه إن هناك خبرين بارزين ظهرا مؤخرا، يسلطان الضوء، أحدهما بشكل مباشر والآخر بشكل غير مباشر، على الحالة المأساوية التي يعيشها الناس في الرقعة المسماة قطاع غزة.
ويشير الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "التقرير غير المباشر هو عبارة عن بيانات ديمغرافية قائمة على أرقام إسرائيلية ظهرت في تحقيق برلماني، التي أظهرت أن عدد العرب في المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض ونهر الأردن مساو لعدد اليهود، وكان من المعروف دائما أنه سيتم الوصول إلى هذه النقطة، خاصة أن عدد السكان العرب الفلسطينيين يتزايد بوتيرة أعلى من اليهود الإسرائيليين، (وإن لم يكن بسرعة اليهود الإسرائيليين الأرثوذوكس المتطرفين، الذين يمثلون مشكلات أخرى لإسرائيل، تتعلق بخدمة الجيش ودفع الضرائب)، وهذا التوجه يعني بأن العرب سيشكلون الأكثرية الكلية المتزايدة في الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل".
ويؤكد بيلار أن "هذه الحقيقة الديمغرافية هي الأساس للثلاثية المستحيلة، التي تذكر دائما، حيث من المستحيل أن تكون إسرائيل يهودية وديمقراطية وتسيطر على الأراضي كلها من البحر إلى النهر، فبإمكان إسرائيل أن تكون اثنتين من هذه الثلاثة، لكن ليس الثلاثة جميعا، ولذلك عليها التخلي عن واحدة من هذه الثلاثة، وواضح أن الحكومة اليمينية الحالية قررت التخلي عن الديمقراطية، مع أن الحقيقة المتعلقة بالثلاثية المستحيلة وما يترتب عليها من تبن لنظام أبارتايد بدلا من الحقوق السياسية المتساوية للجميع، هي التي تثقل فكر العديد من الإسرائيليين الآخرين".
ويستدرك الكاتب بأنه "إذا كان بالإمكان فصل الرقم 1.8 مليون نسمة، وهو عدد سكان قطاع غزة من المعادلة، فإن التفاوت الديمغرافي لا يبدو واضحا، فستبقى هناك أغلبية يهودية في المناطق الأخرى التي تسيطر عليها إسرائيل لبعض الوقت، ومثل هذا الفصل في المعادلة ليس مؤلما لإسرائيل، فكونها مكتظة ووضعها مأساوي لا يريدها أحد سوى الفلسطينيين العرب، وربما يرغب معظم الإسرائيليين في رؤية مصر تسيطر على غزة، كما كانت تفعل قبل حرب 1967، لكن مصر لا تريد ذلك أيضا".
ويبين بيلار أنه "باستخدام الحكومة الإسرائيلية سيطرتها على الأرض والجو والبحر؛ لعزل قطاع غزة لفرض حصار خانق عليها، فإنها تسعى لتحقيق العديد من الأهداف، فتأمل من خلال العقاب الجماعي للسكان في غزة أن تخفف من تأييدهم لحركة حماس، بالإضافة إلى كون عزل غزة عن بقية فلسطين هو محاولة لإبقائها من ناحية إدراكية وسياسية وفعلية خارج معادلة الديمغرافيا".
ويلفت الكاتب إلى أن "الخبر الآخر، الذي هو مباشر عن قطاع غزة وعن وضعها المأساوي، هو بالطبع عن المظاهرات الفلسطينية بالقرب من السياج الحدودي، التي تحولت إلى حدث مأساوي عندما قامت القوات الإسرائيلية على الطرف الآخر من الحدود بفتح النار على المتظاهرين، مستخدمة أيضا الذخيرة الحية، وأشار المسؤولون الإسرائيليون إلى بعض المسلحين من غزة، الذين استطاعوا اختراق الحدود في مناسبات سابقة".
ويفيد بيلار بأنه "في وقت متأخر من يوم الجمعة -اليوم الذي وقعت فيه المذبحة- حاول مسلحان من حركة حماس اختراق الحدود، فقام الإسرائيليون بقتلهما، لكن كان من الواضح أنهما كانا منفصلين عن جماهير المتظاهرين، وقام بعض الشباب في جماهير المتظاهرين برمي الجنود الإسرائيليين بالحجارة، وتم دفع بعض الإطارات المشتعلة نحو السياج الحدودي، وعدا عن ذلك مارس عشرات آلاف الفلسطينيين الذين قدموا إلى الحدود التظاهر الغاضب لكن بسلمية".
وينوه الكاتب إلى أنه "في يوم الجمعة الدامي لم يستطع أحد أن يخترق الحدود إلى إسرائيل، ولم تكن هناك أي تقارير عن إصابات بين الإسرائيليين، أما الإصابات بين الفلسطينيين، التي تسببت بها النيران الإسرائيلية، فكانت 17 قتيلا و1400 جريح، بالإضافة إلى أن بعض التقارير التي تم تناقلها بين الناس تضمنت أحداثا مثل مقتل شاب يبلغ من العمر 19 عاما في الوقت الذي كان يجري فيه بعيدا عن السياج الحدودي، ويحمل إطار سيارة".
ويقول بيلار: "في ظروف أخرى من التظاهر ضد الأبارتايد كانت هذه الأحداث ستدعى مذبحة، وللحصول على رواية موثوقة للأحداث على حدود غزة فإننا نحتاج لتجاوز الحكايات من الطرفين، حيث يمكن الاستفادة من تحقيق طرف ثالث، وإن كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعتقد فعلا أن القوات الإسرائيلية هي (أكثر الجيوش أخلاقية في العالم)، فهو بالتأكيد سيرحب بمثل هذا التحقيق، لكن حكومته رفضت إلى الآن السماح بتحقيق مستقل، وإن كانت إدارة ترامب مهتمة بكشف حقائق المأساة، فإنها ستؤيد قرارا لمجلس الأمن يدعو لتحقيق مستقل، لكنها بدلا من ذلك منعت صدور القرار".
ويجد الكاتب أن "الأحداث التي وقعت على حدود غزة تبرز أنه بغض النظر عن مدى محاولات إسرائيل عزل قطاع غزة، ليس فقط عن أراضيها، لكن أيضا عن ضمائرنا، وعن عالم القضايا السياسية الحية، والجراح المتقيحة، فإنها لن تنجح، حيث أن 1.8 مليون شخص يائس وبائس لا يمكن إخفاؤهم من الوجود بجدران، هذا اليأس ظهر في بعض الروايات المنقولة عن شباب قالوا إنهم يفضلون الموت وهم يتظاهرون على الاستمرار في العيش في حالة من اليأس، وبعضهم أبدى غضبه من حركة حماس، لكن عشرات الآلاف وجهوا احتجاجهم ضد إسرائيل وليس حركة حماس، وفي المحصلة ليست هذه مشكلة حركة حماس، فلو افترضنا أن حركة حماس اختفت غدا، فغالبا ما تحمل راية المقاومة مجموعة أكثر تطرفا".
ويختم بيلار مقاله بالقول إن "1.8 مليون ليسوا مجرد رقم في معادلة.. إنهم بشر يشعرون بالألم ولديهم طموحات، ولا يمكن أن يختفوا بالتمني".