هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورا كبيرا بالتأثير على الحياة العامة والسياسية في إيران، وفق ما يؤكده العديد من الخبراء، الذين أكدوا أن التليغرام يشكل اللاعب الأكبر بذلك، كأبرز وسيلة تواصل بين طبقات المجتمع الإيراني، وأضحى فيما بعد مصدرا للقلق لدى السلطات، الأمر الذي ظهر من خلال سعيها لحظره رسميا في البلاد.
وبحسب وزارة الاتصالات الإيرانية، فقد بلغ عدد مستخدمي التليغرام من الإيرانيين نحو 40 مليون مستخدم، في حين انتشرت قنواته بين أوساط المجتمع وسياسييه مستوياتهم بكافة.
ويعزى استخدام الإيرانيين للتلغرام بكثرة، لكونها الوسيلة الوحيدة التي لم يطلها الحظر، إذ إن "فيسبوك" و"تويتر" و"فايبر"، تم حظرهم رسميا في البلاد.
ويتضح أن حكم القضاء الإيراني الأخير بحظر "تليغرام" ليس الأول من نوعه الذي تشهده إيران، فقد بدأ سجل الحجب والحظر منذ عام 1995، بعد قرار السلطات آنذاك بحظر الأطباق اللاقطة لدواع وصفتها بالأمنية.
حظر الأطباق اللاقطة
لاقى انتشار الأطباق اللاقطة في العالم صدىً في إيران، حيث أن النظام الديني المحافظ حارب ذاك الانتشار، وفرض عقوبات على مستخدمي الأطباق اللاقطة، وقام بإتلاف عدد كبير منها، من خلال حملات منظمة في مراسم رسمية، إلا أنه لم يتمكن من القضاء عليها، في ظل الاستخدام الكبير لها من الإيرانيين.
وبعد عدم مقدرة النظام من الحد التام من استخدام، الأطباق اتجه حينها إلى حظر القنوات الفضائية التي تبث باللغة الفارسية من خارج إيران، مبررا ذلك بأنها وسائل معارضة تستهدف النظام.
اقرأ أيضا: إيران تعتزم طرح هذا التطبيق بعد منع استخدام "تلغرام"
وسائل التواصل الاجتماعي
وبدأت معركة السلطات الإيرانية مع مواقع التواصل الإجتماعي منذ عام 2009، إثر الاحتجاجات على إعادة انتخاب الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد. واستخدم المعارضون حينها المواقع الاجتماعية بكثافة لحشد أنصارهم.
وبحسب النشطاء الإيرانيين، فقد لعب "فيسبوك" و"تويتر" دورا كبيرا في الشارع الإيراني، من خلال نشر الأخبار والفيديوهات، ما أدى لحظرهما في إيران، إلا أن ذلك لم يمنع الإيرانيين من الوصول إليها عبر برامج كسر الحجب "بروكسي".
حجب التلغرام
من جهته، أشار الأكاديمي السياسي الإيراني حسين ريوران، إلى أن أساس الحجب سببه التواصل بين المحتجين في تلك الفترة.
واستدرك ريوران في حديثه لـ"عربي21"، بأن السلطات الإيرانية كانت قبل ذلك تطلب من إدارة التليغرام إعطائها الشيفرات المصدرية والترددات لبرنامج التليغرام في إيران، إلا أنها كانت ترفض ذلك.
ومن ضمن القنوات التي أحدثت جدلا بين السلطات الإيرانية، وإدارة التليغرام، قناة "آمد نيوز"، التي لديها 1.4 مليون متابع.
اقرأ أيضا: كيف تصدى الإيرانيون لقرار فرض الرقابة على الإنترنت؟
وطالبت إيران بإزالتها بدعوى تحريضها على انتفاضة مسلحة، واستجاب "تليغرام" لهذا المطلب، فأزالها، إلا أن رئيسه بافيل دوروف رفض حظر قنوات أخرى، وقال: "تحظر السلطات الإيرانية الوصول إلى تليغرام لمعظم الإيرانيين بعد رفضنا العلني إغلاق (صداي مردم) وغيرها من القنوات الاحتجاجية السلمية".
من جهته، قال المختص في الشأن الإيراني نبيل عودة، إن إيران عمدت إلى إغلاق التليغرام أثناء الاحتجاجات لمدة اسبوعين.
وأوضح عودة لـ"عربي21"، أن التيار المحافظ طالب في ذلك الوقت حظر "تليغرام"، على غرار "فيسبوك" و"تويتر" و"فايبر"، وذلك لدوره أثناء المظاهرات الأخيرة، مشيرا إلى أن هناك نسبة 40 في المئة من الشعب الإيراني تستخدم برنامج تليغرام، وغالبية الدعوات للمظاهرات تمت من خلال هذا الفضاء، من ضمنها قناة "مانوتو" المعارضة التي لديها متابعين بالملايين على التلغرام.
تطبيقات بديلة
وصممت إيران، تطبيقات بديلة عن برنامج "تليغرام"، من ضمنها تطبيق " سروش"، إلا أن التطبيق ثبت أنه غير آمن، فقد تمكن قراصنة إيرانيون من اختراق هواتف بعض المسؤولين الايرانيين عبر التطبيق، ونشروا معلومات عنهم، وفق ما ذكرته وسائل إعلام إيرانية.
وفي السياق ذاته، قال ريوران، إن الحكومة حاولت أن توجد البدائل بمجموعة من قنوات التواصل، وطالبت المؤسسات الرسمية بعدم استعمال "تليغرام".
وبحسب رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان، علاء الدين بروغردي، فإن عدد مستخدمي تطبيق "سروش" الذي انطلق حديثا، بلغ نحو ثلاثة ملايين مستخدم إيراني.
ولفت عودة إلى أن التطبيق يحتوي على "ايموجي الموت لأمريكا"، و لافتات لامرأة محجبة تحمل "شارات الموت لإسرائيل والماسونيين".
استنكار حقوقي
من جانبها، انتقدت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قرار إيران حظر تطبيق "تليغرام"، واعتبرته غير مبرر، محذرة طهران أن "قرار القضاء الإيراني بحظر تطبيق تلغرام للرسائل هو تقييد غير مبرر لحرية التعبير والوصول إلى المعلومات".
اقرأ أيضا: القضاء الإيراني يحكم بحظر تطبيق "تليغرام".. بهذه التهم
واتهمت المنظمة طهران بـ"تقييد الوصول الى المعلومات في محاولة لحل مشكلاتها"، مؤكدة أن مثل الرقابة هذه "يجب أن لا تستخدم أبدا لحماية القادة من الانتقادات".
إلا أن ريوران، اعتبر ماتقوم به إيران "قانونيا"، مشيرا إلى أن دولا أخرى طالبت بالمطلب ذاته، مثل روسيا وفرنسا وألمانيا، متهما إدارة التليغرام بتعاونها مع الحكومات الغربية دون غيرها.
وعلل ريوران، ماقامت به إيران، بالقول إن "الأمن القومي لأي بلد يتطلب سيطرة النظام الحاكم، كي لاتتحول القنوات لقناة تواصل لضرب الأمن ".
وعلى الرغم من التوجه الرسمي لحجبب التطبيق، كان لافتا رفض الرئيس الإيراني حسن روحاني هذا التوجه، ويرى منح الشعب حرية اختيار التطبيق الذي يرغب فيه يعد حقا عاما.
ويعد روحاني أيضا من أكثر السياسيين في إيران اعتمادا على هذه المنصة الإلكترونية، حيث كان لها دور كبير في حملته الانتخابية السابقة.
أسباب الحظر
وحول المبررات الإيرانية لحظر "تليغرام"، أوضح عودة، أنه الأنظمة الشمولية، تعمد فيها الحكومات إلى التحكم في عملية وصول عموم الشعب إلى الشبكة العنكبوتية، وذلك أن واحدة من أبرز الخصائص التي تتميز بها هذه الانظمة "حرصها على ديمومة الرواية الحكومية ذات الصبغة الأيديولوجية لدى شعبها، من خلال عزلهم عن الأفكار الوافدة".
وأوضح أن الأيديولوجيا لدى الأنظمة الشمولية تعد واحدة من دعائم استمرار النظام.
وقطاع الاتصالات في إيران مملوك بشكل كامل لمؤسسات محافظة تابعة للنظام، ولذلك فهي تحارب للحفاظ على احتكارها لوسائل التوصل والاتصال.
اقرأ أيضا: خامنئي يتوقف عن النشاط عبر "تليغرام" ويذكر السبب
أما ريوران، فقد ربط الأمر ليس فقط بالجانب السياسي، بل أوعز بأن من أسباب الحظر أيضا أن التليغرام يستعمل في الأحيان في خدش الحياء العام ونشر الأفلام والصور الإباحية، معتبرا أن مشكلة التليغرام بالأصل مشكلة اجتماعية تحولت لموضوع سياسي.