اختتم محمد جواد ظريف وزير الخارجية
الإيراني جولته الدبلوماسية في
القارة الأوروبية التي بدأها بروسيا والصين، إذ التقى في بروكسل نظراءه من
بريطانيا وفرنسا وألمانيا؛ جولة أكد فيها ظريف على التزام إيران بالاتفاق النووي
الذي يعد اتفاقا دوليا مصادقا عليه من مجلس الأمن؛ اتفاقا كانت القوى الأوروبية
الأساسية شريكة فيه.
ما
يسعى إليه ظريف بسيط للغاية، ويتمثل بتأكيد القوى الأوروبية التزام إيران بالاتفاق
النووي ومقاومة العقوبات الأمريكية.. جولة ظريف ورؤيته مدعومة بتوتر كبير في
الإقليم، خصوصا بعد المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في سوريا والجولان، وجرائم
الكيان الإسرائيلي في قطاع غزة، والتفاعلات الأمنية والسياسية السلبية التي أعقبت
نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. توتر خدم الرواية الإيرانية، وأعطاها مصداقية
أكبر من الرواية الإسرائيلية والأمريكية؛ فهي رواية مقنعة للقوى الأوروبية التي
تخشى من تداعي الاستقرار الإقليمي وانعكاساته المكلفة على القارة الأوروبية.
هموم
إيران اقتصادية في اللحظة الحالية، إذ تبذل جهدها لتجاوز هذه المرحلة الصعبة.
فرهان طهران على حلفاء وشركاء إقليميين ودوليين كبار، كالاتحاد الأوروبي وروسيا
والصين، فضلا عن خيارات وفضاءات إقليمية أوسع مما كانت عليه قبل أربعة أعوام، تشمل
تركيا وباكستان والهند وعُمان وقطر وغيرهم كثر، وهو ما يجعل من فرصها لمقاومة
الضغوط الأمريكية كبيرة جدا. فالبيئة الدولية والإقليمية تعد أفضل بكثير مما كانت
عليه قبل أربعة أعوام.
إيران
ببساطه باتت شريكا وحليفا لروسيا في سوريا يعتمد عليه، ولم تعد لوحدها في المعركة،
والاتفاق النووي أوجد لها شبكة أمان تسمح بـ"هبوط آمن"، رغم التحولات
والضغوط الكبيرة في الولايات المتحدة الأمريكية. في مقابل ذلك، تتراجع فرص
الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الإسرائيلي ومن معها من عرب وتتآكل بشكل شبه
يومي بسبب التهور والأخطاء التي يرتكبونها والأزمات المتفجرة والمترافقة مع تراجع
منسوب اليقين والاستقرار في الإقليم.
إيران
تتأرجح بمهارة على حبل
الاتفاق النووي الذي تعصف به أزمات الإقليم، إذ تتقن إيران
فن البقاء والتعايش مع التحديات وتحقيق تراكم استراتيجي لا يستهان به، فهي تملك
العديد من الأوراق الميدانية، ومروحة واسعة من العلاقات الإقليمية الدولية التي
تتيح لها التكيف مع المتغيرات للتعامل مع الضغط الأمريكية التي تستهدف حضورها
الإقليمي واستقرارها الاقتصادي.
أمريكا
لم تنجح حتى اللحظة من إسقاط إيران عن أرجوحة الاتفاق النووي، ولم تتمكن من عزلها
ودفعها للتفاوض من جديد، ما اضطر كل من وزير الخارجية الأمريكي بومبيو والرئيس
الأمريكي إلى دعوة إيران إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن، ولو بشكل منفرد بعيدا عن
أعين الحلفاء الأوربيين، أو مواجهة إجراءات قاسية لم يحدد ترامب طبيعتها، وهو خطاب
مشابه للخطاب الموجهة لكوريا الشمالية قبل أشهر.
إيران
لديها الكثير من الوقت والأوراق للمناورة السياسية والاقتصادية، إذ تدرك حجم
الضغوط التي يعاني منها ترامب وطاقم إدارته، كما أنها تدرك حجم التحول في المنظومة
الدولية والإقليمية، والتي لا تعمل لصالح الولايات المتحدة ودورها القيادي في
إقليم غرب آسيا، والأهم من ذلك أنها تملك المشروع، ما يجعل من فرصها لتخطي المرحلة
الصعبة عالية.
في
الختام، تتوافر لدى القيادة الإيرانية العزيمة لتحدي الولايات المتحدة الأمريكية
لفترة أطول من المتوقع؛ مستنزفة بذلك خصومها الإقليميين الذين يعانون من أزمات
عديدة، ومستثمرة في عنصر الوقت الذي يضغط على أعصاب ترامب باقتراب موعد انتخابات
الكونغرس الأمريكي؛ كابحة بذلك قوة الدفع السياسي لدى الولايات المتحدة الأمريكية.