تشهد
وسائل الإعلام المرئية
المصرية حملة دعائية ضخمة للوزارات
الاقتصادية خلال شهر
رمضان، في إطار الترويج للاستثمار المصري، وكانت الحملة الأكبر من نصيب وزارة
الاستثمار والتعاون الدولي، التي أكدت أن مصر أصبحت من أهم الدول الجاذبة
للاستثمار، وأنها قدمت الكثير من التسهيلات لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية
التي لم تحدث بمصر من قبل.
إلا
أن هذه الدعاية واكبها صدور التقرير الدوري للبنك المركزي، الذي كشف أن صافي
الاستثمار الأجنبي المباشر خلال النصف الأول من العام المالي الجاري بلغ 3.762
مليار دولار، مقابل 4.287 مليار دولار عن الفترة ذاتها من العام السابق.
وتشير
هذه الأرقام إلى تراجع تدفقات الاستثمارات الأجنبية في مخالفة لتوقعات وزيرة
الاستثمار والتعاون الدولي سحر نصر بأن الاستثمارات الأجنبية المباشرة سوف تصل لنحو
12 مليار دولار في نهاية العام المالي الجاري 2017/ 2018.
وطبقا
لخبراء اقتصاديين، فإن العديد من العوامل تقف عائقا أمام تدفق الاستثمارات الأجنبية،
أهمها عدم الاستقرار السياسي، وارتفاع أسعار الفائدة التي يقررها البنك المركزي، ومزاحمة
القوات المسلحة في مختلف المشروعات الموجودة.
من
جانبه، أكد الخبير الاقتصادي والمستشار السابق بالأمم المتحدة، الدكتور إبراهيم نوار، أن الصورة الحالية لتدفقات الاستثمار الأجنبي بالنصف الأول من السنة المالية
الحالية، كما جاءت في الأرقام الرسمية لكل من البنك المركزي ووزارة المالية، تشير
إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي لم يحفز نمو الاستثمار الأجنبي المباشر بالقدر
المطلوب، بل إن الأرقام تصرخ بأعلى صوتها، مؤكدة أن الاستثمار الأجنبي المباشر
يتراجع ولا يزيد، وهو ما يجبر السلطات النقدية على التوسع في الاقتراض من أسواق
المال العالمية من خلال البنك المركزي.
ويضيف
نوار لـ "
عربي21" أن هناك العديد من المؤشرات تؤكد تراجع تدفق الاستثمار
الأجنبي، أبرزها تراجع قيمة التدفقات الرأسمالية والمالية خلال الفترة من تموز/
يوليو إلى كانون الأول/ ديسمبر 2017، وفي ظل تنفيذ إجراءات البرنامج الاقتصادي مع
صندوق النقد الدولي إلى 10.4 مليار دولار بنسبة 44.4% عما كانت عليه في الفترة
المقابلة من عام 2016، التي شهدت بدء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في تشرين
الثاني/ نوفمبر 2016. حيث وصلت قيمة التدفقات خلال الفترة المقابلة لعام 2016 إلى
18.7 مليار دولار.
ويوضح
نوار أن الرقم الأهم في التدفقات الرأسمالية والمالية هو رقم الاستثمار الأجنبي
المباشر، حيث تشير أرقام ميزان المدفوعات للنصف الأول من السنة المالية الحالية أن
قيمة الاستثمار الأجنبي المباشر انخفضت بنسبة 11.6% عما كانت عليه في الفترة
المقابلة، لتبلغ 3.8 مليار دولار مقابل 4.3 مليار دولار في النصف الثاني من عام
2016.
ويضيف
المستشار السابق بالأمم المتحدة أن تخفيض سعر صرف الجنيه وبدء تنفيذ برنامج
الإصلاح كان في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، إلا أن المهم ليس فيما يتعلق بتراجع
تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن في أن ما قيمته 2.1 مليار دولار ( بنسبة
55.3% من صافي التدفقات) كان من نصيب قطاع البترول والغاز، بعد أن حصلت الشركات
الأجنبية على جزء من المتأخرات المستحقة لها لدى الحكومة المصرية، فأعادت استثماره
في القطاع، وتم احتسابه ضمن صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويشير
نوار إلى أن صافي التدفقات الرأسمالية والمالية في النصف الأول من السنة المالية
الحالية (2017/ 2018)، البالغ 10.4 مليار دولار مشتريات الأجانب من أذون الخزانة
المصرية بقيمة 8.1 مليار دولار. وهو ما يعني أن 77.9% من صافي التدفقات المالية
والرأسمالية التي تتباهى بها الحكومة عبارة عن التزامات تجاه غير مستحقة السداد
بالعملات الأجنبية التي تم الاكتتاب بها، بالإضافة إلى قيمة الفوائد المستحقة
عليها.
ويوضح
نوار أن سجل صافي تدفقات الإيرادات المالية والرأسمالية الأخرى في النصف الأول من
السنة المالية الحالية شهد تراجعا حادا إلى 1.2 مليار دولار، مقابل 14.2 مليار
دولار في النصف الأول من السنة المالية السابقة.
ويضيف
الخبير الاقتصادي، محمود عبد الغني، لـ"
عربي21"، أن برنامج الإصلاح
الاقتصادي حقق فشلا كبيرا لعدة أسباب، أبرزها: سوء الأحوال السياسية، وعدم ثقة
المستثمرين في استقرار الأوضاع الداخلية، بالإضافة لتخوفهم من لجوء النظام المصري
لتكرار تجربة نظام عبد الناصر في تأميم الشركات الأجنبية.
ويشير
عبد الغني إلى أن مزاحمة القوات المسلحة في المشروعات الاقتصادية عامل هام في تخوف
المستثمر الأجنبي؛ لأنه في النهاية يجد نفسه أمام سلطة حاكمة لن تنتصر له إذا حدث
خلاف مع هيئات الجيش التي تتولى زمام الاقتصاد الحالي، وبالتالي يبحث هذا المستثمر
عن بلد آخر يمكن أن يحقق له مكسبا واستقرارا.
وطبقا
لعبد الغني، فإن التوترات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط أدت لهروب المستثمرين
لمناطق أخرى من العالم بعيدة عن حزام الحروب والصراعات، وهو ما كان واضحا في مختلف
التقارير الدولية التي ترصد أماكن جذب الاستثمار وأكثر الدول الجاذبة له، والتي جاءت
دول الشرق الأوسط في مؤخرتها.