هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر الكاتب البريطاني، جوناثان كوك، مقالا له في صحيفة "ميدل إيست آي"، الأربعاء، تحدث فيها عن النفوذ المتنامي للوبي الإسرائيلي في واشنطن.
واعتبر كوك، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن الإجراء الذي أقدم عليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نقل للسفارة الأمريكية لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس بمثابة إهانة للفلسطينيين وللعرب جميعا، إذ جاءت تلك الخطوة في ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، الذي أخرج من أرضه عنوة قبل سبعين عاما لتقام عليها دولة إسرائيل.
ويرى الكاتب أن الإجراء الأمريكي
المذكور، الذي يمثل مباركة أمريكية رسمية لتمزيق عملية السلام التي مضى عليها خمسة
وعشرون عاما، لهو مؤشر في غاية الجلاء على ما وصل إليه اللوبي الإسرائيلي من نفوذ، بحيث باتت الإدارة الأمريكية تنفذ حرفيا ما تمليه عليها حكومة اليمين المتطرف
التي يقودها بنيامين نتنياهو.
ويقول جوناثان كوك إنه منذ أن وصل ترامب إلى البيت الأبيض، تمكن
اللوبي الإسرائيلي من تحريك أربعة لوبيات قوية: لوبي المبشرين الإنجيليين
المسيحيين، واليمين المتطرف، وقطاع الصناعات الحربية، والمملكة العربية السعودية.
ويضيف: "ثم قام البيت الأبيض في اليوم ذاته بوضع الملح في الجرح، حينما كال المديح للقناصة الإسرائيليين الذين قتلوا العشرات من الفلسطينيين العزل
بينما كانوا يحتجون سلميا أمام السياج المحيط بغزة". مؤكدا أن سلسلة من
التصريحات التي صدرت عن البيت الأبيض كان يمكن أن يكون قد كتبها رئيس الوزراء الإسرائيلي
اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو بنفسه.
ويشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة عمدت إلى قطع الطريق على مشروع
قرار داخل مجلس الأمن الدولي يطالب بالتحقيق في المذبحة، بينما أعلنت نيكي هيلي،
المبعوثة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، مخاطبة زملاءها المبعوثين الآخرين:
"لا يوجد بلد واحد ممثل في هذه القاعة كان يمكن أن يكون أكثر انضباطا من
إسرائيل".
ويوضح كوك إنه لم تكن أي من هذه التحركات لتخدم أي مصلحة قومية
أمريكية، كما لم يخدم مصلحة أمريكا القومية قيام ترامب قبل أسبوع من ذلك بتمزيق
الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 مع إيران، التي طالما أبغضتها الحكومة
الإسرائيلية. ويؤكد أن العكس هو الصحيح، فمثل هذه الإجراءات يمكن أن تشعل التوترات، وتبلغ بها مستوى الحرب الإقليمية التي لن تلبث أن تجر إليها القوى الكبرى، وقد
يكون من تداعياتها التحريض على أعمال إرهابية داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
وتحت عنوان جانبي نصه "جدار الصمت"، يقول الكاتب إنه حتى
عقدين سابقين كان من المستحيل التطرق بأي شكل من الأشكال لوجود اللوبي الإسرائيلي
في واشنطن دون أن يتهم المرء بمعاداة السامية. إلا أن المفارقة هي أن أنصار
إسرائيل يمارسون النفوذ ذاته الذي يدعون عدم وجوده، ويتنمرون على منتقديهم، ويخضعونهم من خلال الإصرار على أن أي حديث عن اللوبي الإسرائيلي إنما يعتمد على
استعارات معادية للسامية يقصد بها الإشارة إلى النفوذ اليهودي.
ويمضي ليقول إنه لم يتم اختراق جدار الصمت هذا إلا بعد نشر مقال مبدع -تطور فيما بعد إلى كتاب- لاثنين من أبرز الأكاديميين الأمريكيين، هما جون
ميرشايمر وستيفين والت.
إلا أن هذين الكاتبين لم يتمكنا بسبب نفوذ اللوبي من إيجاد ناشر يتولى
نشر ما كتباه داخل الولايات المتحدة، ولم يكن ثمة بد -كما يشرح جوناثان كوك- من
أن ينتقلا بالمقال عبر الأطلسي لينشراه في دورية متخصصة في قراءات الكتب اسمها
"لندن ريفيو أوف بوكس"، بل اشتكى أحدهما فيما بعد من أنه عانى مصاعب جمة
في عمله المهني؛ بسبب مشاركته في كتابة المقال.
ثم فتحت نافذة صغيرة من بعد ذلك أمكن من خلالها الإطلال على الموضوع،
لدرجة أن الصحفي في "نيويورك تايمز" ثوماس فريدمان، وهو من أشد أنصار إسرائيل، اعترف
صراحة بوجود اللوبي. ففي عام 2011، شرح فريدمان شعيرة مذهلة بات متعارفا عليها
داخل السياسة الأمريكية، وتتمثل في أن الكونغرس يرحب بكل رئيس وزراء إسرائيلي زائر
بحماسة تفوق ما يلاقى به الرئيس الأمريكي ذاته.
وينقل جوناثان كوك عن فريدمان قوله
في ذلك: "أرجو مخلصا أن يفهم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو أن التصفيق
الحاد الذي استقبل به داخل الكونغرس هذا العام لم يكن بسبب سياسته، وإنما كانت
تصفيقا مشترى دفع ثمنه لوبي إسرائيل".
ويبين كوك أن جوناثان إنما كان يشير إلى شبكة المنظمات الريادية
اليهودية ولجان الفعل السياسي اليهودية داخل الولايات المتحدة، وهي كلها صقورية في
موقفها المؤيد لإسرائيل، والتي باستطاعتها في وقت انتخابات الكونغرس توجيه كميات
كبيرة من المال مع أو ضد هذا المرشح أو ذاك.
ويقول كوك إنه ليس المقصود بذلك أن هذه المنظمات المناصرة لإسرائيل
تتحكم بالكونغرس، وإنما يعني أنها باتت تتقن أساليب الترغيب والترهيب السياسي، فهم
يفهمون، ويستغلون النظام الأمريكي المعطوب الذي يسمح للوبيات ولأموالها بأن تملي
على المشرعين الأمريكيين أجنداتها. فالناس في الكونغرس يشعرون بالتهديد كأفراد، ليس فقط بسبب احتمال فقد التبرعات، وإنما تخوفا من أن توجه الأموال لتمويل
خصومهم.
ويسلط الكاتب الضوء على نموذج ترامب، وعلى مبدأ "اتبع مصدر
المال"، الذي تجلى في هذه الحالة بكل بشاعة. ويبين أنه في المراحل الأولى من
معركة ترامب للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، كان معظم الناس يفترضون أنه
فرصه كانت ضئيلة جدا، وكان ذلك حينما كان يمول حملته بنفسه، وكان حينها ينتقد
إسرائيل. ولعله يصعب على المرء الآن تصديق أن ترامب وعد بأن يكون
"محايدا" تجاه الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني، بل وعبر عن شكوكه في أنه
كان من المنطق تسليم إسرائيل مليارات الدولارات كل عام على شكل معونات عسكرية، كما
عبر عن دعمه الصريح لحل الدولتين ورفض الالتزام بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
"إلا أنه سرعان ما تخلص من كل ذلك عندما احتاج إلى الممولين
الكبار ليخوض غمار المعركة الانتخابية. صانع الملوك داخل الحزب الجمهوري هو
شيلدون أديلسون، الملياردير مالك الكازينوهات وأحد أبطال التيار القومي المتشدد في
إسرائيل، والمتصدر للسياسة المعادية للعرب من النوع الذي يبرع فيه نتنياهو. بلغ
إعجاب أديلسون بنتنياهو أن اشترى له صحيفة اسمها "إسرائيل اليوم"، نجح
أديلسون في جعلها الصحيفة الأكثر توزيعا داخل إسرائيل".
ويمضي كوك ليقول إن أديلسون قرر في نهاية المطاف دعم ترامب في حملته
الانتخابية بمبلغ 35 مليون دولار. ونظرا لحاجة ترامب إلى دعم أديلسون؛ فقد عين
دافيد فريدمان، المعروف بتبرعه منذ زمن طويل للمستوطنات اليهودية غير القانونية
داخل الضفة الغربية، في موقع سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، وهو المنصب الذي
من المفروض أن يكون فوق الحزبية. ولا عجب إذن أن يكون أديلسون واحدا من ضيوف
الشرف الذين حضروا حفل افتتاح السفارة في القدس الأسبوع الماضي.
وتحت عنوان جانبي آخر نصه "أكذوبة معاداة السامية"، يقول
جوناثان كوك إن أولئك الذين يتهمون كل من يثير قضية اللوبي الإسرائيلي بمعاداة
السامية إما أنهم يسيئون الفهم، أو يتعمدون تشويه ما يقال بهذا الشأن.
وبعد أن يقرر الكاتب بأن الموضوع لا يتعلق بالموقف من اليهود أو
بالترويج للوثيقة المزورة "بروتوكولات حكماء صهيون"، التي تعطي الانطباع
بأن اليهود يسيطرون على العالم، ينبه إلى أن من يتحدثون عن نفوذ اللوبي الصهيوني
لا يتحدثون بتاتا عن اليهود، وإنما عن بلد اسمها إسرائيل وما تتمتع به من نفوذ
وهيمنة داخل الولايات المتحدة.
ويقر كوك بأن إسرائيل ليست الوحيدة التي لديها لوبي في أمريكا، بل إن
بلدانا وجماعات كثيرة تسعى لممارسة شيء من النفوذ، إما عن طريق لوبيات شبيهة، أو عن
طريق الخداع والمكر. ولذلك ليس مستغربا أن يكون لإسرائيل لوبي، وإنما المستغرب، بل والمستهجن، أن الدولة الأمريكية لا تفعل شيئا لحماية نفسها من تدخلات هذا
اللوبي في شؤونها. ويتساءل: إذا ما اعتبرنا يد فلاديمير بوتين المغموسة خفية في
الشأن الأمريكي خطرا على الولايات المتحدة، فلماذا لا ينظر إلى اليد الإسرائيلية
بالطريقة ذاتها؟
ويمضي الكاتب ليقول إنه بدلا من فضح ومواجهة لوبي إسرائيل، تعود
رؤساء الولايات المتحدة على الأنحاء لإرادته، ولا أدل على ذلك من انسحاب باراك
أوباما مبكرا من معركته مع نتنياهو لوضع حد لتوسيع المستوطنات اليهودية غير
الشرعية في الضفة الغربية.
أما في عهد ترامب، كما يقول جوناثان كوك، فقد حاز اللوبي الإسرائيلي
على نفوذ غير مسبوق؛ لأنه يعمل من خلال خمسة لوبيات، فهو أشبه ما يكون برؤوس
الهايدرا الخمسة، في حين أن واحدا فقط من هذه الرؤوس يرتبط بشكل مباشر مع إسرائيل
والمنظمات اليهودية الأمريكية.
والتطور الذي يشير الصحفي إلى حدوثه في عهد ترامب يتمثل في أن اللوبي
لم يعد يستمد نفوذه أساسا من إسرائيل، بل تمكن من تجنيد وتحريك أربعة لوبيات أخرى،
لربما لم تكن مرئية من قبل، وهذه اللوبيات هي التبشيريون المسيحيون، واليمين
المتطرف، وصناعة السلاح، والمملكة العربية السعودية.