هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دخلت محاكمة معتقلي حراك الريف بالمغرب منعطفا جديدا، من خلال قرار 49 منهم مقاطعة جلسات المحاكمة احتجاجا على ما اعتبروه انحيازا من المحكمة للنيابة العامة، ورفضها قبول طلبات دفاع المعتقلين المختلفة، في حين التزم دفاع المعتقلين بالصمت خلال حضور المحاكمات.
قرار مقاطعة جلسات المحاكمة، جاء بعد مضي السنة الأولى لمعتقلي حراك في السجون المغربية، في 2017، بعد حراك سلمي انطلق بعد مقتل بائع السمك في تشرين الثاني/أكتوبر 2016، وامتد أزيد من 10 أشهر، رفع خلاله المحتجون مطالب ذات طبيعة اجتماعية واقتصادية وتنموية.
أسباب المقاطعة
من قلب المحكمة، أعلن قائد حراك الريف، ناصر الزفزافي، مقاطعة معتقلي الحراك لأطوار المحاكمة، بعد استعراض القاضي لأسماء معتقلي حراك الريف، الماثلين في القفص الزجاجي، والذين بلغ عددهم 49 معتقلا.
وقرأ ناصر الزفزافي، بيانا طويلا أعلن بمقتضاه رفقة باقي المعتقلين قرارا جماعيا بمقاطعة أطوار جلسات المحاكمة، مبينين في وثيقة ذيلوها بمجموعة من التوقيعات، الأسباب التي على أساسها اتخذوا هذا الموقف الجماعي.
وكشف الزفزافي في البيان الذي حصلت "عربي21" على نسخة منه: "لقد كان أملنا على الأقل أن تعتبرنا المحكمة كطرف مكافئ للطرف المدعي، وبذلك تفتح لنا صدرها وتستمع إلى تظلماتنا ذات الصلة بالخروقات والانتهاكات التي شابت مسطرة الاعتقال والحراسة النظرية والتحقيق، وتأخذها مأخذ الجد، وتفتح تحقيقا استعجاليا في شأنها. كذلك أن تسمح لنا بتقديم كل ما لدينا من أدلة نعتبرها تثبت براءتنا، وتثبت بطلان دعاوي الاعتقالات وذلك انطلاقا من كون المحكمة هي بمثابة الحكم المحايد الذي من المفروض أن يتعامل مع الأطراف على حد سواء من دون ميل أو انحياز إلى طرف على حساب طرف آخر مهما كان شأنه".
سجل: "انسجاما مع هذا النهج ستقوم المحكمة برفض مجمل الدفوعات الشكلية والطلبات الأولية التي تقدم بها دفاعنا، رفض طلب استدعاء مجموعة من الشهود الذين يعدون من المحوريين في القضية".
وأضاف: "رفض طلب السماح بعرض الأدلة ووسائل الإثبات المقترحة من قبل دفاعنا، والتي من شأنها أن تثبت براءتنا والاكتفاء بما هو متضمن في ملف الادعاء من أدلة، وتاليا غياب تكافؤ الأسلحة والفرص التي لطالما تغنت بها النيابة العامة".
وشدد: "رفض طلب السماح بإجراء خبرة طبية للمعتقل جمال بوحدو، للنظر في حالته النفسية وإصرارها على متابعته كشخص سليم، انسجاما مع رغبة النيابة العامة، رغم أن هذه الخبرة وحدها هي المخولة لها إثبات ذلك".
وزاد: "استمرارا في نفس النهج غير المحايد، ستعرف مختلف أطوار الجلسات، استئثار النيابة العامة بالكلمة وتفرض نفسها سيدة المحكمة، وتفرض جميع قراراتها، على حساب أعضاء دفاعنا الذين كانت جل ملتمساتهم محل الرفض كما يرغب طرف الادعاء، وغالبا ما تقاطع مداخلاتهم من طرف المحكمة، بينما تسمح لممثل الحق العام بأخذ راحته في الكلمة، بل حتى أنها تتغاضى عن هفواته التي تصدر عنه من قبيل وصف المعتقلين كونهم يحملون جينات التمرد ووصفهم بالمجرمين".
واعتبر أن "كل من يبدي اعتزازه برموز الريف وتاريخه وخصوصياته يعد انفصاليا ويشكك في وطنيته، وعلى هذا الأساس كانت تحاكم المعتقلين، فحمل أعلام الريف أو صور الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي، أو الأعلام الأمازيغية أو أحدا من رموز المقاومة الوطنية، كلها تعتبر شبهة يساءل عليها المتهم بمجرد إظهار إعجاب بها".
وأفاد أن المحكمة تعاملت "بانتقائية وتصرف في عرض وسائل الإثبات المتضمنة بالملف بشكل يسمح بتأويلها حسب رغبة النيابة العامة في إثبات الإدانة، ومن ضمن ذلك الإصرار على عرض أدلة مستفزة باستمرار لا علاقة لها بوقائع الحراك الريفي، من قبيل الشريط الذي يظهر منزلا يقيم فيه رجال الأمن وهو يحترق، ومن قبيل إقحام المكالمة الهاتفية من مجهول مع الصحافي حميد المهداوي كدليل إثبات في الملف".
وختم البيان: "وبعد أن أدينا واجبنا في إبراز الحقيقة لم نجد جدوى من مواصلة ما تبقى من أطوار الجلسات، ولم نجد بدا من اتخاذ قرار المقاطعة، تعبيرا عن احتجاجنا على مسار هذه المحاكمة التي نزعت عن نفسها صفة العدالة والحيادية. هذا مع التأكيد على براءتنا ومطلب الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين. وختاما ندعو هيئة دفاعنا إلى التزام الصمت وعدم الترافع انسجاما مع الخطوة التي اتخذناها، هذا ونحن نحييكم عاليا على ما تجشمتموه من عناء، وما بذلتموه من مجهودات في سبيل الدفاع عنا مؤكدين تشبثنا بكم كموكلينا في هذه القضية".
تجاوب الدفاع
بعد إنهاء ناصر الزفزافي، تقدم منسق الدفاع النقيب عبد الرحيم الجامعي، ملتمسا من هيئة المحاكمة مهلة للتشاور، بينما رفع المعتقلون شعارات قوية ثم انسحبوا.
في نهاية المهلة، خرجت هيئة دفاع معتقلي حراك الريف ببيان للرأي العام الوطني والدولي حصلت "عربي21" على نسخة منه.
وقال البيان: "إننا كهيئة دفاع معتقلي حراك الريف الذين يحاكمون بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، نعلن بأننا سجلنا أمام هيئة القضائية الاستمرار في مؤازرة جميع المتهمين، ومواصلتنا الحضور لباقي أطوار المحاكمة في صمت".
وزاد: "وبعد أن اطلعنا على مذكرة مؤازرينا وملتمساتهم وتخابرنا المباشر معهم يومه بمقر المحكمة، هذا وسنبلغ الرأي العام بمستجدات هذه المحاكمة".
وسجل أنه "بالجلسة المنعقدة يوم الثلاثاء 12 حزيران /يونيو 2018 بغرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء في الملف المتعلق بحراك الريف، والذي يتابع فيه 49 متهما في حالة اعتقال منذ أكثر من سنة".
وتابع و"شهدت أطوار المحاكمة جلسات طويلة ناهزت 80 جلسة، وقف المعتقلون يومها داخل قصفهم الزجاجي، وأعلنوا، بمقتضى مذكرة كتابية معللة، عن قرار مقاطعة المحاكمة فيما تبقى منها من جلسات، تعبيرا منهم عن احتجاجهم عن مسارها وما شابها من إخلالات أفرغتها من قيم المحاكمة العادلة".
وأفاد أن الدفاع وقف عليها وسجلها في حينه، متشبثين ببراءتهم، ومطالبين بالإفراج الفوري عنهم، وموجهين في الوقت نفسه النداء إلى هيئة دفاعهم من أجل عدم المرافعة، ومشيدين بتفانيهم في الدفاع عنهم، وفيما بذلوه من مجهودات جبارة.
قرار المقاطعة سيلقي بظلاله على أطوار ما تبقى من جلسات في المحاكمة، التي أثارت جدلا واسعا في المغرب وخارجه، ووجدت فيه السلطات المغربية نفسها محاصرة، ببعض التجاوزات التي سجلتها المنظمات الدولية.