قريباً من منتصف ليل البارحة، وبعد فرز حوالي 99 في المئة من أصوات الناخبين الأتراك، أعلن سعدي غوفان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات في تركيا، فوز أردوغان بالأغلبية المطلقة من الأصوات، بما يعني فوزه بالانتخابات الرئاسية التركية في جولتها الأولى دون الحاجة لجولة إعادة.
من جهة أخرى، فاز تحالف الجمهور أو الشعب المكون من العدالة والتنمية والحركة القومية بحوالي 53 في المئة من أصوات الناخبين، ضامناً الفوز بالأغلبية البرلمانية، ودائماً وفق النتائج شبه النهائية وغير الرسمية؛ بانتظار الإعلان الرسمي من اللجنة العليا للانتخابات بعد البت في الطعون المقدمة لها.
ودون الدخول في التفاصيل كثيراً، وفي عجالة تناسب توقيت المقال، ثمة تعقيبات أولية سريعة واستنتاجات مهمة حول الانتخابات التركية ينبغي ذكرها، وأهمها:
أولاً، يحسب لتركيا وشعبها تنظيم انتخابات بهذا الحجم وهذه الأهمية بنجاح وسلاسة، ودون أحداث كبيرة تذكر، ثم تصدر نتائجها شبه النهائية في نفس اليوم، ويعترف فيها الخاسر (إينجة) بفوز منافسه، ويفرح بعدها أنصار الفائز دون تجاوزات، ويحزن أنصار الخاسر دون احتكاكات، ثم يصحو الجميع في اليوم الثاني لاستئناف الحياة بشكل طبيعي.
يحسب لتركيا وشعبها تنظيم انتخابات بهذا الحجم وهذه الأهمية بنجاح وسلاسة، ودون أحداث كبيرة تذكر، ثم تصدر نتائجها شبه النهائية في نفس اليوم، ويعترف فيها الخاسر (إينجة) بفوز منافسه
ثانياً، ثمة ظاهرة في تاريخ تركيا الحديث اسمها
أردوغان، يفوز في المعركة الانتخابية الـ13 على التوالي منذ 2002، رغم تراجع نسبة التصويت لحزبه، ورغم منافسة خمسة مرشحين رئاسيين له، ثم يتمكن من رفع نسبة التصويت له عن الانتخابات السابقة. ولذلك، فليس من قبيل المبالغات مقارنته بمؤسس الجمهورية مصطفى كمال والحديث عن "الجمهورية الثانية" بقيادته.
ثالثاً، ثمة تراجع واضح في نسبة التصويت للعدالة والتنمية تصل إلى سبع درجات كاملة عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2015 (من 49.5 في المئة إلى 42.5 في المئة)؛ أفقده الأغلبية البرلمانية التي حافظ عليها منذ 2002 (وإن كسبها بتحالفه).. نتيجة ينبغي التوقف عند أسبابها ودراسة كيفية علاجها بشكل معمّق، وهو ما أشار له أردوغان في خطاب النصر من شرفة حزبه ليلة البارحة.
ثمة تراجع واضح في نسبة التصويت للعدالة والتنمية تصل إلى سبع درجات كاملة عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في 2015
رابعاً، مفاجأة الانتخابات كانت حزب الحركة القومية؛ الذي حافظ على نسبة تصويته تقريباً، وزاد من عدد نوابه في البرلمان (من 40 إلى 50 مقعدا) رغم انشقاق الحزب الجيد عنه وحصوله (الجيد) على نسبة 10 في المئة، وهو أمر لم تستطع توقعه أي شركة لاستطلاعات الرأي.
خامساً، بثبات الحركة القومية، ودخول الحزب الجيد للبرلمان بـ46 نائباً، يكون القوميون الأتراك قد ضاعفوا تقريباً قوتهم في البرلمان. فإذا ما أضيف لذلك أصوات القوميين الممنوحة أيضاً للعدالة والتنمية، نكون أمام "موجة قومية" تركية فرضت نفسها في الانتخابات.
نحن إزاء خريطة جديدة ومختلفة للبرلمان، سيكون لها آثارها وانعكاساتها على الحياة السياسية التركية في الفترة المقبلة، وهو أمر سنعود له لاحقاً بالتحليل العميق
سادساً، وفي مقابل الموجة القومية التركية، حافظ حزب الشعوب الديمقراطي على وجوده في البرلمان، حيث تخطى العتبة الانتخابية بأريحية رغم تراجع شعبيته والمشاكل القانونية التي تواجه عدداً مهماً من قياداته. وهو تصويت قومي هوياتي في الأصل، يضاف للتصويت للأحزاب القومية التركية على حساب أحزاب الوسط، أي العدالة والتنمية والشعب الجمهوري.
سابعاً، ونتيجة لكل ما سبق وعوامل أخرى، فنحن إزاء خريطة جديدة ومختلفة للبرلمان، سيكون لها آثارها وانعكاساتها على الحياة السياسية التركية في الفترة المقبلة، وهو أمر سنعود له لاحقاً بالتحليل العميق.