في أجواء إحياء الذكرى الثامنة لرحيل العلامة المجدد المرجع
السيد محمد حسين فضل الله، أثيرت في بعض اللقاءات الفكرية التي عقدت في بيروت أسئلة عديدة حول مستقبل المشروع
التجديدي الذي طرحه السيد فضل الله، وعلاقة هذا المشروع بغيره من مشاريع التجديد الفكري في العالم العربي والإسلامي، والأسباب التي أدت وتؤدي إلى فشل معظم هذه المشاريع، وكيف يمكن الخروج من الدائرة المغلقة التي تعاني منها معظم الدول العربية والإسلامية، وخصوصا في هذه المرحلة الخطيرة وفي ظل انتشار الصراعات المذهبية والقومية والقطرية، ومن الذي يستطيع استكمال مشروع التجديد العربي والإسلامي..
وهذه أبرز الأسئلة والإشكالات التي طرحت في بعض هذه اللقاءات:
أولا: المشروع التجديدي للسيد محمد حسين فضل الله هو امتداد لكل المشاريع التجديدية التي طرحها علماء ومفكرو العالم العربي والإسلامي، منذ العلامة الشيخ محمد عبده والسيد جمال الدين الأفغاني والعلامة النائيني والعلامة السيد محسن الأمين، ومرورا بالإمام حسن البنا والعلامة الطبطبائي والمفكر مالك بن نبي والشهيد محمد باقر الصدر والدكتور علي شريعتي والإمام الخميني والدكتور فتحي يكن والدكتور حسن الترابي والعلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين والعلامة الشيخ فيصل المولوي والعلامة الشيخ يوسف القرضاوي، وغيرهم من قادة الحركة الإسلامية.
ثانيا: التجديد في الفكر الإسلامي حقق العديد من النجاحات في بعض المراحل، وساهم في عودة الإسلام إلى ساحة الحياة وقدّم طروحات عديدة من أجل مواكبة العصر ومعالجة المشكلات المستجدة، لكن المشاريع التجديدية سواء كانت سياسية أو فكرية أو فقهية، تواجه عادة بأصحاب الاتجاهات الجامدة أو التقليدية، مما يؤدي إلى إعاقتها أو تراجعها في بعض الأحيان.
ثالثا: الانتكاسات التي واجهتها الحركات الإسلامية في بعض المحطات الهامة، ولا سيما في العمل التطبيقي للمشروع الإسلامي، أدت إلى بروز أسئلة جديدة حول مستقبل المشروع الإسلامي، وهل لا زال الإسلام قادرا على تقديم حلول جديدة لهذه الإشكالات والأزمات المستجدة.
رابعا: لقد قام المشروع التجديدي على أسس عددة ومنها: الوحدة الإسلامية، ومواجهة الاستعمار أو الاستكبار العالمي، وتبني خيار المقاومة في مواجهة الاحتلال، والعودة للقرآن كأساس ثابت للحكم على كل القضايا والموضوعات والاجتهادات، ومواكبة متغيرات الزمان والمكان والتصالح بين العلم والدين، ورفض الغلو والتطرف والشخصانية والعمل لبناء دولة العدالة والمساواة، والاهتمام بالقيم الأخلاقية والعودة لمقاصد الشريعة، وإن كل من يحمل هذه الأفكار والطروحات من علماء أو
مفكرين أو حركات إسلامية يكملون مسيرة التجديد في المشروع الإسلامي.
خامسا: نحن اليوم بحاجة إلى قراءة نقدية شاملة للتجربة الإسلامية بكل تجلياتها، والاعتراف بالأخطاء التي حصلت خلال عملية تطبيق المشروع الإسلامي على الأرض. وإن ابتعاد الحركات الإسلامية عن الروح الوحدوية وعودتها إلى كهوف المذهبية والانغلاق؛ هو السبب الأساس وراء الانتكاسة الحاصلة اليوم في بعض الساحات الإسلامية.
سادسا: لا يمكن الاعتماد اليوم على شخصية محددة أو حركة معينة من أجل استكمال مشروع التجديد الإسلامي، بل نحن بحاجة لعمل جماعي أو مؤسساتي من اجل استكمال هذا المشروع، ولا بد من إعادة التواصل بين مختلف الجهات والحركات والمؤسسات الإسلامية أو القومية لطرح رؤية جديدة قادرة على مواجهة التحديات المختلفة والمستجدة، ولا سيما في السنوات السبع الأخيرة.
وانطلاقا من الحديث الشريف الذي يقول: "يبعث الله على رأس كل مئة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها"، فإن ما نحتاج إليه اليوم ثورة تجديدية قادرة على مواكبة المتغيرات واستكمال المشروع التجديدي الذي طرحه علماء ومفكرو الأمة خلال الأعوام المئة الماضية. والسيد محمد حسين فضل الله حلقة من حلقات التجديد الفكري والفقهي والسياسي. ونحن بحاجة اليوم لمن يتابع هذه المسيرة ويستكملها؛ لأن الزمن لا يتوقف عند شخصية معينة أو مفكر أو مجدد في مرحلة معينة.