كان حلما صهيونيا تولّى عسكر
مصر تطبيقه منذ انقلاب تموز/ يوليو 1952م، حينما أنشأ جمال عبد الناصر مكتب شؤون تنظيم الأسرة وألحقه برئاسة الجمهورية لتكون تحت إشرافه مباشرة، وكان شيئا مستحدثا لم يُتطرق إليه في عهد الملكية. وفي فترة السادات باشرت الولايات المتحدة المشروع باستقبال بعثات في "مركز دراسة الأسرة" بجامعة شيكاغو لتدريبهم على تنفيذ مشروع
تحديد النسل، وفي هذا المركز كانت تُراقب تصرفات المبتعثين شخصيا، وكل ليلة تقام حفلة تحتوي على نساء وخمور مَن يتحاشاهما يستبعد من البعثة، ومن هذا المركز صدرت أغنية "حسنين ومحمدين" المشهورة، ثم أعقبه مبارك الذي بدأ فترة حكمه يشكو من العجز عن إطعام المواطنين طالما يأتيه كل عام مليون عفريت! وفي عام 1994م، عُقد في القاهرة مؤتمر السكان الذي أوصى بحزمة من الإجراءات تطبقها الدول المشاركة، ومن بينها الوسائل المختلفة للحد من النسل.
وعلى الرغم من الدعاية المستمرة والتوجيه الإعلامي المقصود، فإن المرحلة السابقة لتحديد نسل المصريين تميّزت - في مجملها - بالاختيار الحر للأسر وعدم ربطها بمضايقات أو عقوبات من جانب السلطة (بخلاف ما انتشر من تعقيم لبعض النساء دون علمهن أثناء العمليات الجراحية)، لكن في الآونة الأخيرة لاحظ المصريون أن قائد انقلاب 3 تموز/ يوليو تحدث أكثر من مرة عن الربط بين "مشاريعه" وبين عدم الاستفادة منها إذا استمر معدل الزيادة السكانية كما هو حاليا، وقام رئيس وزرائه يوم 3 تموز/ يوليو 2018م بإلقاء بيان أمام ما يسمى بمجلس النواب، موضحا الخطوط العريضة لاستراتيجية ضبط الزيادة السكانية باستهداف مليون امرأة في عشر محافظات في صعيد مصر وبتمويل أمريكي (19 مليون دولار من المعونة الأمريكية) تحت مسمّى "2 كفاية".
تتعدد وسائل تحديد النسل بالنسبة للنساء، وأهمها استعمال الهرمونات (حبوب منع الحمل) واستخدام اللولب وربط قناة فالوب على الجانبين (والأخيرة أنجع هذه الوسائل). أما في الرجل، فأفضل الطرق ربط الحبل المنوي على الجهتين، لكن المخيف في هذا الأمر هو تطبيق البرنامج على المصريين بالقوة كما هو معلوم وواضح في كل قرار وقانون منذ الانقلاب، ومن ورائه "مجلس نواب" يوافق ويشرّع في لمح البصر، ومن يخالف يتعرض للحبس والغرامة والحرمان من الفرص المتاحة والمنح المشجعة في التموين والتعليم والعلاج والمواصلات وكافة الخدمات التي توفرها الدول لرعاياها، بل إن الشواهد توحي أن الكيان الانقلابي الذي لم يوقفه رادع داخلي أو خارجي، فاستحل دماء المصريين، رجالهم ونسائهم وأطفالهم، دون أدنى مساءلة، ومنح كبار القتلة والمجرمين حصانة من المسؤولية.. لا يتردد أن يقتفي أثر أنديرا غاندي زعيمة "أكبر ديمقراطيات العالم"، حينما أمرت جهاز أمنها باصطياد الرجال من الشوارع وتعقيمهم إجباريا. وحيث أن السيسي يستهدف نساء الصعيد، فمن غير المستبعد ألا يهدأ باله دون تعقيمهن وجعلهن غير قادرات على الإنجاب، كذلك من المتوقع زيادة كبيرة في حالات الإجهاض للتمشي مع رغبة الكيان الانقلابي "2 كفاية".
إن الحكم العسكري العميل بجانب دوره العلني في تحقيق أحلام الصهيونية في كل مجال، وإعلان فشله في الحفاظ على مصر دولة متماسكة، وتفريطه المقصود في ثروات ومقدرات الوطن، ومحاباته وإغداقه دون حساب على أذرعه (الجيش والشرطة والقضاء والإعلام) والتي يستخدمها في قهر المواطنين، وعجزه في تحقيق
التنمية والنهضة نجده يستدير إلى شعب مصر؛ متهما إياه بأن ما هو طبيعي في رحلة الحياة والتكاثر بين الشعوب إنما هو السبب في ما آلت إليه أحوال مصر، فيتخذ من نسل المصريين سببا وذريعة للحدّ منه، متغافلا أن الملايين من المصريين المنتشرين في ربوع العالم سبب رئيسي تعتمد عليه مصر في رفع الدخل القومي وزيادة الاحتياطي النقدي وإقامة المشاريع المختلفة.
لقد ارتكب انقلاب 3 تموز/ يوليو كل الجرائم في حق مصر والمصريين، وكلها جرائم ضد الإنسانية، وأودى بمصر إلى قاع الأمم في كافة شؤون الحياة. واستمرار هذا الكيان الانقلابي على سدة الحكم في مصر سيأتي على ما تبقى منها، فليس هناك من وسيلة لإيقاف هذا الانهيار السريع سوى التخلص من هذا الكيان الخائن، وذلك لا يتحقق إلا بوحدة الصف وتكاتف كل جهود جماهير وطبقات شعب مصر، والعودة للحالة الثورية للتخلص من حكم العسكر الآن وإلى الأبد.