هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قالت صحيفة "تسايت" الألمانية إن رموز النظام السابق في
تونس يعملون على عرقلة مسار العدالة الانتقالية في البلاد ويشككون فيها إلى حد
تهديد الشهود في القضايا المرفوعة ضدهم وإبقاء العديد من قضايا قتل المعارضين
خلال العهد السابق طي الكتمان.
وأوضحت الصحيفة في تقرير ترجمته
"عربي21" أن رشيد الشماخي يعتبر أحد ضحايا ديكتاتورية الرئيس التونسي
الأسبق، زين العابدين بن علي. وقد تُوفي الشماخي على يد ضباط من الحرس الوطني في
مدينة نابل في 24 تشرين الأول / أكتوبر سنة 1991، عن عمر يناهز 27 سنة، وبعد ثلاثة
أيام فقط من اعتقاله.
وبعد ربع قرن، تكفلت إحدى المحاكم بالتحقيق في قضية موت هذا الشاب،
الذي كان ينتمي إلى حزب حركة النهضة.
وأفادت أن المحاكمة التي شهدت وقائعها قاعة
الجلسات رقم 1، ستسجل في التاريخ أن تونس تعتبر أول دولة عربية تحاول الكشف عن
حقيقة الجرائم التي حدثت خلال 60 سنة من حكم الرئيسيْن الأسبقيْن، الحبيب بورقيبة
وزين العابدين بن علي. ومن خلال العدالة الانتقالية، تعمل تونس على كشف النقاب عن
جرائم الدولة، التي حدثت خلال الفترة الممتدة بين 1955 و2013.
وأوردت الصحيفة أن المجلس
الوطني التأسيسي شكل هيئة الحقيقة والكرامة، للتحقيق في تلك الجرائم. وترأست هذه
الهيئة واحدة من أبرز الوجوه المعارضة لنظام بن علي، سهام بن سدرين. وخلال
التحقيقات، تفاجأت الهيئة بفظاعة الممارسات القمعية خلال الحكم الديكتاتوري
للبلاد. كما قادت الهيئة دعوة للمصالحة وتقديم مقترحات لإصلاح الوزارات والأجهزة
الأمنية والقضائية.
وتسبب فتح ملفات جرائم نظام ابن علي بالصدمة للرأي
العام التونسي بشهادات حية قدمها ضحايا الاستبداد وسلطوا فيها الضوء على معاناتهم
والاضطهاد الذي تعرضوا له خلال عهد الديكتاتورية.
وفي الوقت الراهن، تعج المحاكم التونسية بقرابة
200 دعوى قضائية قدمها ضحايا الديكتاتورية. وفي شهر آيار/ مايو، شهدت مدينة قابس
الساحلية أول جلسة للبتّ في قضية موت الشهيد كمال المطماطي تحت التعذيب. وفي وقت
لاحق، شهدت مدينة نابل أول جلسة للنظر في قضية وفاة الشهيد رشيد الشماخي.
وأشارت الصحيفة إلى أن ما حدث في جلسة
المطماطي، هو نفسه ما حدث في جلسة الشماخي، حيث لم يحضر أحد من المتهمين. ومن بين
المشتبه بهم؛ أعوان في الحرس الوطني وطبيبان، بالإضافة إلى وزيريْ الداخلية والعدل
الأسبقيْن، عبد الله القلال والصادق شعبان، والديكتاتور الأسبق، ابن علي.
وأردفت الصحيفة أنه منذ فوز حزب نداء تونس في
انتخابات 2014، تجابه العدالة الانتقالية في تونس العديد من الصعوبات. ويضم حزب
نداء تونس في صفوفه العديد من رموز النظام السابق، الذين يسعون لإغلاق ملف نظام بن
علي القمعي. وفي الحقيقة، يستنكر الرئيس الحالي، الباجي قائد السبسي، مبدأ تصفية
الحسابات. فخلال الستينات، تقلد السبسي منصب وزير الداخلية وتعرض في عهده العديد
من الطلبة اليساريين للاضطهاد.
وأبرزت أن الرئيس التونسي "يريد تبرئة
الموظفين الذين عاثوا فسادا خلال عهد الاستبداد، من خلال قانون المصالحة الوطنية.
وفي شهر آذار/ مارس، رفض مجلس نواب الشعب تمديد مهمة هيئة الحقيقة والكرامة لسنة
إضافية، على الرغم من أن تقريرها النهائي لم يكن جاهزا بعد. ومن المنتظر أن تنتهي
أشغال الهيئة في كانون الأول/ ديسمبر القادم. وبذلك، ستبقى آلاف الملفات عالقة.
ومن المتوقع أن يسلم القضاء كل الملفات للمحاكم العادية، التي لا تزال تضم قضاة
عملوا خلال فترة حكم بن علي".
وذكرت الصحيفة أن قضية الشماخي بين يدي أربعة
مستشارين قضائيين في نابل، ثلاث نساء ورجل، جميعهم في بداية الثلاثينات من العمر،
بيد أن رئيسة المحكمة تكبرهم بقليل. وفي عريضة الدعوى، ذُكر أن رشيد عُلق على
عمود طويل، عاري الجسد، وكأنه دجاجة مشوية. ولساعات طويلة، انهال رجال الأمن عليه
بالضرب، حتى أصبح جلد جسده يتدلى منه كالخرقة البالية. وفي النهاية، قطعوا له
خصيتيه.
وتابعت الصحيفة أنه في وقت سابق، أفاد هؤلاء
المعتدون أن غرفة التعذيب كانت قبالة مكتب رئيس المنطقة، وأكدوا أنهم وضعوا لرشيد
قضيبا من حديد في منطقة حساسة. وفي شهادة الوفاة الخاصة برشيد، كتب موظفو المستشفى
الجامعي أن سبب الوفاة كان سكتة قلبية نتيجة الالتهاب الكبدي الفيروسي المزمن الذي
كان يعاني منه رشيد. وبعد أن حضر جمع من الناس لاستلام الجثة، أخرج لهم أحد الضباط
النعش، واشترط عليهم عدم فتحه.
لكن العائلة أحضرت الجثة إلى المنزل. وأوضح
شقيق الشماخي أنهم وجدوا الجثة مليئة بالكدمات التي خلفت بقعا زرقاء، فضلا عن
الكثير من الندوب. كما حاولوا إخفاء آثار التعذيب في الوجه من خلال استخدام بعض
مستحضرات التجميل.
وأوضحت الصحيفة أن أسرة الشماخي تعرضت
للمضايقات، حسب ما أكدته شقيقات رشيد الست ومنها أفادت الأخت الصغرى لرشيد أنها
حصلت على وظيفة في إحدى المؤسسات الحكومية التابعة لوزارة الزراعة، بعد أن أتمت
دراسة الهندسة. وبعد أربعة أيام فقط، طُردت من وظيفتها، وتمت مصادرة جواز سفرها
لمدة خمس سنوات. وقد كانت كلمات أخوة الشماخي تدل على حجم القهر والمعاناة التي
عاشوها، لذلك رفضوا مسامحة الجناة، عندما عرضت عليهم القاضية ذلك.
وقال محامي
العائلة، نبيل لباسي، إنه لا يمكن تحقيق العدالة والمسؤولون عن تلك الجريمة البشعة
لا زالوا طلقاء.
وبينت الصحيفة أن باحثين في "الجمعية
الدولية لدعم المعتقلين السياسيين" أكدوا أن هناك ما لا يقل عن 60 شخصا
آخرين، قُتلوا بسبب التعذيب الشديد في فترة حكم زين العابدين بن علي. في المقابل،
كان رشاد جعيدان أحد الناجين من سجون بن علي.
وقد بدأت قضية رشاد في الرابع من
تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وهو الذي مكث في السجن 9 سنوات، وخلّف التعذيب إعاقة
لديه، كما أصبح أصماً، وفقد جميع أسنانه، بالإضافة إلى أن ركبتيه لا تتحركان
نهائياً. وتحمل يد رشاد اليسرى آثار إطفاء السجائر، كما اتخذت ذراعه المكسورة
شكلاً مُعوجاً بعد أن شفيت.
ونقلت الصحيفة عن رشاد أنه في
إحدى المرات، بقي عارياً لمدة شهر كامل في زنزانته، وكانت يده اليمنى مقيدة بساقه
اليسرى. ويعرف رشاد جيداً أسماء معذبيه، الذين دمروا حياته، كما يعرف أين يقطنون.
ويتلقى رشاد مكالمات هاتفية تهديدية مجهولة المصدر. وفي يوم من الأيام، فوجئ بوجود
رجلين على باب منزله يطلبون منه سحب دعوته. وقبل أسابيع قليلة، عثر على خرطوم
الفرامل مقطوعاً في سيارته.