تباينت ردود الفعل حيال ما أُطلق عليه "مبادرة السفير معصوم مرزوق"، إلا أنني في البداية أميل إلى تسميتها بالاسم والوصف الذي أطلقه عليها صاحبها، وهو "
نداء السفير معصوم مرزوق لإنقاذ مصر"، فما هي إلا نداء من صاحبها إلى إنقاذ البلاد.
في البداية لتحليل هذا النداء، لا بد من تحليل عناصره التي أزعم أنها كالتالي:
- شخصية مطلق النداء
- البيئة التي انطلق فيها النداء
- تبعات النداء
- تحليل فحوى النداء
بداية، هناك تأصيل وتأسيس لا بد لنا من إدراكه، وهو أن ملكية وتبعية النداء ليستا مقصورتين على صاحب النداء ومطلقه (السفير معصوم مرزوق)، بل تمتد الملكية والتبعية إلى عموم
المصريين، مما لهذا النداء، سواء تحقق أم لم يتحقق، من آثار إيجابية أو سلبية علينا جميعا. فالشاهد هنا أننا في الخندق ذاته مع مطلق النداء، وإن لم نكن مهمومين بالشأن العام ومآلات الأمور في القضية المصرية، فإننا بالقطع مهمومين بآثار القضية المصرية على مجريات حياتنا الشخصية.
أعرّج إلى صاحب النداء ومطلقه، وهو السفير معصوم مرزوق، الشخصية الوطنية الذي دافع عن وحدة أرض مصر واستقلالها في تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973 في سيناء، وهو من حمل كلمة مصر بين دبلوماسيات العالم حينما عمل لعشرات السنوات في السلك الدبلوماسي المصري، وصولا إلى موقع مساعد وزير الخارجية. ويقدر الله له أن يعيد كرة الدفاع عن أرض مصر، متمثلة هذه المرة في جزيرتي تيران وصنافير، ضد التفريط فيهما. بالتالي، نحن أمام شخصية وطنية حمل حب الوطن والدفاع عنه في قلبه طوال حياته، وهو حينما يطلق نداء يجب على المخلصين من المصريين الانتباه ودراسة الموقف جيدا، فلا هو تابع للسلطة ولا مؤتمرا بأمرها وتوجيهاتها، ولا هو من المتهافتين أو طالبي الجاه أو الشهرة أو المال.
وإذا ما دلفنا إلى البيئة التي انطلق منها النداء، فيمكن تقسيمها إلى عدة محاور تاليا: النظام الحاكم، والقوى السياسية داخل مصر، والقوى السياسية خارج مصر، ورواد السوشيال ميديا، والشارع المصري.
أما عن النظام الحاكم في مصر، فإن المتابع لهذا الفئة التي ظهرت على الساحة المصرية إبان ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير، يعلم تماما أنه مجبول بين أمرين، أحدهما يعطيه والآخر يتلقاه، بالتالي ليس من استراتيجيات حكمه وسلوكه الإيمان بالمبادرات أو المفاوضات. كما أنه (النظام) يعتقد أنه وجوقته فقط هم الأخيار الذين يريدون ويعملون لصالح البلد الذي حولوه إلى الدجاجة التي تبيض لهم ذهبا في كل صباح. أما الآخر في قاموس النظام فهم الأشرار الذين يريدون هدم معبد الدولة العسكرية الذي بنوه على مدار عشرات السنوات، بينما لا يدرك أنه لا محالة سيلجأ إلى
المبادرات والمفاوضات لإنقاذ روحة من دهس جحافل المصريين له، طال الوقت أم قصر.
أما القوى السياسية داخل مصر، فالحية منها تئن تحت براثن انتهاكات النظام التي طالت الجميع بين اعتقال وتضييق ومراقبات، والبقية الباقية منها هم أصحاب هتاف "افرم يا سيسي"، ومشاركون بشكل مباشر أو غير مباشر في مآلات الأمور بمصر.
وأما القوى السياسية التي فرت بقضيتها خارج البلاد موزعة على المنافي، وإن كان أغلبها ينتمي إلى تيار الإسلام السياسي، فهي قد رفضت النداء، متذرعة بمادة العزل السياسي، ومبرهنة على ذلك أن العزل سيطال كل من شارك في الحياة العامة منذ 2011 وحتى الآن. ولم يمنع هؤلاء موقفهم من الخروج عن طريق قيادتهم للدفاع عن مطلق النداء وحقه في إطلاق ما يراه مخرجا من دوامة الكوارث التي حلت بالبلاد. وفي النهاية، أصابت المنافي القوى والشخصيات السياسية بالتيه فكرا وسلوكا.
أما شارع السوشيال ميديا، فللمرة الأولى التي نجد فيها السياسيين عازفين عن المشاركة في النداء رفضا أو قبولا، وجدنا المسيسين من الطليعة الأولى في أي حراك ثوري وسياسي وجدناهم متفاعلين مع النداء كمحاولة للخروج من التيه والنفق المظلم القابعين فيه آملين أن يعيد النداء أنفاسا ضلت الطريق إلى صدورهم.
وأما الشارع المصري العنصر الوحيد القادر على صنع الفارق في الحياة المصرية، فهو كالمريض الملقى على فراش الموت متصلا بأجهزة الإنعاش والتنفس الصناعي؛ ويسأله من حوله عن رأيه في ألوان دهانات الغرفة أو ألوان ملاءات السرير الذي يرقد عليه مودعا الحياة ومستقبلا آخرته بكل الطرق.. فلا تحملوا الناس فوق طاقتهم.
إذا ما دلفنا إلى فحوى ومحتوى النداء، فإن ردة الفعل تجاهه تختلف باختلاف المتلقي، فمنهم من يعترض على مادة العزل السياسي، ومنهم من يعترض على مادة التحصين السياسي، ومنهم من يعترض على طلب استفتاء من سلطة صادرت حق المصريين في الحياة؛ منطلقين من المثل الشعبي الشهير "الحداية لا ترمي كتاكيت"، وكذا منهم من تلقى النداء وهو موشك على الغرق؛ فكان له كالقشة التي يعتقد أنها ستنقذه من جحيم انتظار الإفراج وإخلاء سبيل عشرات الآلاف من المعتقلين، منطلقا من نافذة اليأس في حراك يعيد للمعتقلين حقهم في الحرية.
وإذا جئنا إلى تحليل النداء متبعين نموذج SWOT، مجتهدين في تحديد كل من نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات في النداء، فإننا نقول:
نقاط القوة في النداء
- شخصية صاحب ومطلق النداء الذي لا يختلف عليها ذوو العقول والبصائر.
- حالة الانسداد التي أصابت الحالة المصرية تجعل من البعض يفكر في تلبية النداء وتبنيه.
- الاحتكام إلى الشارع واستعادة الشرعية الجماهيرية مرة أخرى، حتى وإن كان الاستدعاء على الورق فقط.
- خلق حالة من التحدي للنظام الحاكم في مصر.
- عدم احتكار صاحب النداء ومطلقه بنود النداء، ولكنه وصفه بدعوة للمصريين قائلا: "تعالوا إلى كلمة سواء"، فاتحا المجال للمشاركة في وضع رؤية وطنية للخلاص والإنقاذ.
وإذا نظرنا في نقاط الضعف المرتبطة بالنداء، نجدها تتلخص في:
- حالمية بعض بنود النداء من وجهة نظر أغلب من اطلع عليها؛ في طلب استفتاء من نظام اغتصب حق المصريين في الحياة.
- تهلهل القوى السياسة مما أدى إلى تخليها عن تبني النداء.
- طبيعة النظام الرافض لأية حوارات عن مستقبل مصر.
- تحديد نهاية آب/ أغسطس للاحتشاد في ميدان التحرير؛ لأن عدم القدرة على الاحتشاد ستولد حالة من اليأس والإحباط لدى الراغبين في خلق حالة التغيير.
- عدم التنسيق الكافي مع القوى السياسية لتبني النداء.
- تبنى فكرة العزل السياسي، إذ أن من صالح الجميع عدم اعتماد مبدأ الإقصاء لمن لم يتورط في جرائم قتل أو فساد.
- تبني فكرة تحصين القاتل من العقاب.
الفرص
- حدوث حالة انفجار في الشارع المصري لأسباب مختلفة، وتلبية نداء السفير معصوم بالاحتشاد في ميدان التحرير.
- اعتبار النداء اللبنة الأولى في معادلة التغيير، والمسمار الأول في نعش العصابة الحاكمة، ودعوة المخلصين من أبناء مصر إلى التداعي لبناء خارطة طريق وطنية لبناء دولة يناير، من خلال إسقاط العصابة الحاكمة.
- تشجيع أطراف مقربة من النظام على الضغط على النظام خشية حدوث انفجار لن يبقي ولن يذر.
- تداعي المخلصين من المصريين إلى وضع تصور وطني للخلاص والإنقاذ.
التهديدات
- التنكيل بصاحب ومطلق النداء، وخسارة قامة وطنية مخلصة.
- زيادة جرعات إغلاق النظام للمجال العام.
- عدم القدرة على تلبية دعوات الاحتشاد في الحادي والثلاثين من آب/ أغسطس، مما يخلق حالة من اليأس والإحباطـ وإعطاء النظام قبلة الحياة حتى أمام العالم الخارجي.
أخلص بالقول إلى توجيه نداء مخلص إلى كل المهتمين بالحق في الحياة للمصريين، والذين يملكون الرغبة في خلاص مصر وإنقاذها، للتداعي نحو صياغة مشروع وطني يحقق متطلبات الحياة الكريمة وإنقاذ مصر من براثن عصابة فرطت في الأرض والعرض، وأحالت حياة المصريين إلى جحيم، ونقلتهم عنوة من بيوتهم إلى معتقلات الموت البطيء أو سريعا إلى المقابر.
اللهم إني قد أبلغت.. اللهم فاشهد