طالعنا مغتصب
مصر خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بقوله إنه كان هناك مخطط لهدم
الدولة المصرية، وأنه تصدى لهذا المخطط وأنقذ مصر من الهدم والضياع.
نستعرض في هذا المقال مفهوم الدولة وعوامل هدمها، مقارنين هذا التأصيل بسياسات حكم
السيسي.
يعرّف علماء السياسة الدولة بأنها منظمة سياسية إلزامية، مع حكومة مركزية تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة في إطار معين من الأراضي.
نلاحظ من تعريف الدولة هنا أنها تحافظ على الاستخدام الشرعي للقوة، فهل حافظ السيسي على الاستخدام الشرعي للقوة؟ أم بطش بكل معارضيه من مختلف التوجهات؟
وتأسيسا على أن السيسي كان أحد قيادات نظام مبارك وابنا شرعيا له، باعتباره أحد قادة القوات المسلحة بوصفه رئيسا للمخابرات الحربية، فإننا نذكره بالوقائع التالية ليرى إن كان استخداما غير مشروع للقوة مما يهدد ويهدم وظيفة الدولة الأساسية أم لا:
- هل قتل عشرات المصريين خلال الجولة الأولى من الثورة المصرية استخدام شرعي للقوة؟
- هل القيام بكشوف العذرية لبنات مصر في محيط ميدان التحرير استخدام شرعي للقوة؟
- هل قتل المئات من المصريين في حوادث متفرقة متتالية بدءا من محمد محمود بجولتيها، ومجلس الوزراء، ومسرح البالون، والعباسية بجولتيها، وإستاد بورسعيد.. استخدام شرعي للقوة؟
- هل قتل ما يربو على 3450 مصريا منذ 2013 وفض اعتصامي رابعه والنهضة، حتى 2019، استخدام شرعي للقوة؟
من كل تلك الأحداث يثبت لنا أن السيسي والمؤسسة العسكرية التي تأتمر بأمره؛ قد أخلا بشرط رئيس من شروط الدولة، وهو الاستخدام المشروع للقوة، وبالتالي ساهم في هدم الدولة بالمعنى الصحيح للمصطلح.
ثم نأتي إلى وظائف الدولة:
وظائف الدولة في ثلاث محاور رئيسية، وهي: الدفاع عن حدود الوطن ضد أي اعتداء خارجي، وحفظ الأمن الداخلي، وثالث الوظائف هي إقامة العدالة.
فإذا ناقشنا وظيفة الدولة الأولى، وهي الدفاع عن حدودها ضد أي عدوان خارجي، مباشرا كان أم غير مباشر، نجد أن هناك الكثير من الممارسات التي قام بها السيسي ونظامه تهدد أركان الدولة المصرية للخطر، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: التفريط في جزيرتي تيران وصنافير. ففي حين أن العدو الصهيوني كان قد فشل في السيطرة على الجزيرتين بالحرب في كافة الحروب التي خاضها الجيش المصري ضده، إذ بالسيسي يعرض طواعية التنازل عن هذه الجزء الاستراتيجي من أرض مصر إلى المملكة العربية السعودية ظاهرا وللعدو الصهيوني باطنا بمباركة قيادات القوات المسلحة التي روت دماء أبنائها هذه البقعة من الأرض، مما يحقق لحلم صهيوني فشل في تحقيقه عبر التاريخ، وإذ بالسيسي مغتصب مصر يحقق لهم هذا الحلم، مما يجعلهم يصرحوا قائلين إن السيسي يقدم خدمات للكيان الصهيوني لم يقدمها الصهاينة أنفسهم، وأنه يُعتبر كنزا استراتيجيا لهم.
والمثال الثاني مباشر الدلالة؛ هو التنسيق الأمني والسياسي غير المسبوق بين السيسي والكيان الصهيوني، حيث سمح لطائرات الكيان بأن تعربد في سماء سيناء في الوقت الذي يطبق فيه الحصار على الشعب الفلسطيني في غزه لصالح القيادة الصهيونية وإخلاء الشريط الحدودي بين مصر وفلسطين المحتلة. ومما سبق نستطيع التأكيد على أن التفريط في الأرض طواعية ومصادقة العدو لا يعتبر فقط خيانة، وإنما يمتد ليكون هدما للدولة المصرية.
وحينما نأتي على ذكر الوظيفة الثانية للدولة في العلوم السياسية، وهي توفير الأمن الداخلي للمواطنين، فقد ذكر تقرير مؤشر الجريمة العالمي (ناميبو) لعام 2018؛ أن مصر قد حصلت على المركز رقم 36 عالميا والمركز الثالث في الشرق الأوسط متفوقة على العراق التي يحذرنا من مصيرها السيسي، حيث زادت معدلات الجريمة في مصر بشكل غير مسبوق. واستنادا إلى التقارير الدولية الموثقة، فإن وظيفة الدولة الثانية، وهي تحقيق الأمن الداخلي للمواطنين، لم تتحقق، نتيجة ازدياد معدل الجريمة، ناهيك عن عشرات الآلاف من المعتقلين، وكل ذلك بسبب توجه أجهزة الأمن المصرية إلى أمن السيسي والحفاظ على أمن النظام، بدلا من الأمن الاجتماعي أو الأمن الجنائي.
ولنأت إلى وظيفة الدولة الثالثة، وهي إقامة العدل.
والعدالة بمفهومها تشمل عدة محاور، منها العدالة المساواتية، وهي المساواة وعدم التمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون أو المعتقد الإيماني أو الانتماء السياسي. ومن خلال ممارسات نظام السيسي، يرى المصريون أن الظلم وعدم المساواة والتمييز هي من أهم أركان ومعايير حكم السيسي لمصر، إذ يقبع عشرات الآلاف من المصريين خلف القضبان، فقط لاختلاف فكرهم السياسي عن الحاكم ومعارضتهم له، كما تكتظ السجون بالصحفيين والسياسيين.. فعن أي عدالة نتحدث؟
والمحور الثاني من محاور العدالة هو العدالة السياسية، كحق الترشح وممارسة العمل السياسي. وليس أدل على انتفاء العدالة السياسية في ظل حكم السيسي من اعتقال وحبس كل من سولت له نفسه الترشح لمنافسة السيسي في الانتخابات الرئاسية، وعلى رأسهم عسكريان اثنان منهما قائد الأركان الأسبق سامي عنان.
أما المحور الثالث من محاور العدالة، فهو العدالة الاجتماعية. ففي حين قرر السيسي منذ توليه حكم البلاد زيادة رواتب أفراد الجيش والشرطة والقضاء تسع مرات، لم ينل المدنيون أي زيادة على دخولهم، بل والأدهى من ذلك أن يقتطع السيسي من رواتبهم للتبرع لصالح شهداء الجيش والشرطة، وهذا سقناه على سبيل المثال لا الحصر.
وفى حين انتقلنا إلى المحور الرابع من منظومة العدالة وهي العدالة القضائية، فإننا نقول إن قبوع عشرات الآلاف من المعتقلين خلف قضبان الظلم، بتشريع وتكييف قضائي، وفي ظل إجراءات قضائية جائرة، وقضاء مستقل عن كل شيء سوى إملاءات المستبد.
يتضح لكل ذي عقل من كل ما سبق أن ادعاء السيسي بأن هناك مخططا لهدم مصر ما هو إلا كذب وتضليل عن الحقيقة الدامغة، وهي أن سياسات السيسي وممارساته هدمت تعريف الدولة، كما أنها وجهت ضربات قاضية قاتلة لكافة وظائف الدولة لهدمها. وبعد كل ذلك حري بالمصريين جميعا التساؤل عمن يريد فعلا ويخطط لهدم مصر.