"القاتل القذر"، لم يكن مجرد وصف تقليدي لقاتل محترف يطلقه "ترامب" الذي يحتمي بوجوده طغاة العرب فيتمادون في تدمير مستقبل بلادهم، وسحق شعوبهم، وبيع أرضهم.. ليس صفة مجازية، وإنما واقع تجسد في شخصية قائد الانقلاب العسكري بمصر، يسانده الرئيس الأمريكي ليفرضوه كأمر واقع يسرق حلم الثوار والبسطاء والأبرياء والحالمين بمستقبل عادل يليق بدماء أبنائهم الذين قضوا شهداء ليشتروا وطنا من طغاة.
فهل صار الانقلاب حقا أمرا واقعا ومفروضا على
مصر كجيل حالي وربما تدفع الأجيال المقبلة ثمن بقائه؟
هل صارت الجُزر التي تم التنازل عنها، والأحياء التي بيعت ووضع ثمنها في حساب
السيسي وشركائه، وحقول الغاز التي صارت أثرا بعد عين وقد جاد بها لشراء اعتراف دولي من جيرانه، أمرا واقعا يجب على المصريين التعايش معه والقبول به؟
هل صارت القروض التي ورط فيها ليس حاضر البلاد، وإنما مستقبلها القريب والبعيد، دينا واجب السداد على أكثر من جيل قادم، وربما يتجاوز عشرات السنوات، أمرا حتميا؟
هل صار تهريب الآثار خارج البلاد على عين الأمن وتحت رعايته، من المطارات الرئيسية والموانئ المعروفة، قدرا مقدرا حتى تجريف آخر قطعة آثار لتزين متحف أبو ظبي وقصور الأثرياء حول العالم، وعلى الشعب أن يلزم الصمت؟
هل أصبح لزاما على الشعب أن يقدم المزيد من الامتثال والانبطاح، والرضى والسكوت عن الاتفاقات الدولية المشبوهة التي يبرمها قائد الانقلاب ويستنزف بها مقدرات البلاد، ويفرط في ثوابتها كمياه النيل وأرض سيناء التي اعترف بنفسه أن جهازه الأمني يتعاون مع العدو الصهيوني في تصفية أبنائها بحجة الإرهاب، وإلا فمصير الجميع الاعتقال أو الاختفاء القسري أو التهجير أو المطاردة أو التصفية الجسدية؟
تطل علينا الذكرى الثامنة لثورة الخامس والعشرين من يناير العظيمة وقد صار حكم الانقلاب مفروضا على البلاد، في ظل حماية الأنظمة الغربية والعالمية للنظام الخائن، والذي يظهر للمتابعين أنه على استعداد لتقديم ما هو أكثر والتضحية بما هو أكبر، في مقابل البقاء على كرسي الحكم.. وقد آلت الأمور لكل من عادى
الثورة واتهمها، وقد أصبحت الحياة اليومية أشبه بالمستحيل في ظل غلاء الأسعار وضآلة الدخل ومحدوديته، وتردي الحالة الاقتصادية للفئة الأكبر من الشعب.
تطل علينا ذكرى الثورة والشعب في ذهول مما آلت إلىه الأمور، فمبارك الذي تمت الثورة عليه عاد ليشهد عليها، والداخلية التي كان سقوطها المطلب الأول للجماهير الثائرة عادت أشد شراسة وأكثر جرما، والفقر الذي كان يمثل نسبة ثلاثين في المئة من المجتمع قد تضاعف واستفحل أمره حتى شمل الطبقة الوسطي من المجتمع، والمعتقلات قد أنت بمن فيها وقد حوت المدني إلى جوار الثوري إلى جوار العسكري لمجرد أن أبدى استياءه من الوضع المفروض
هل يفرض المصريون واقعا آخر؟
ورغم القبضة الأمنية الشديدة التي يفرضها السيسي على المصريين لتنفيذ أعماله المشبوهة، والتي تسير على قدم وساق لتمرير الجريمة الكبرى التي كان أول من أطلق عليها اسمها المعروفة به إعلاميا "صفقة القرن"، في حواره مع ترامب وهو يتعهد أمامه بالسير قدما تجاه تسليم سيناء كاملة للصهاينة تنفيذا للصفقة المشبوهة، وبرغم القتل والتشريد في أرض سيناء بحجة إرهاب هو صانعه، وبرغم التنازل غير المسبوق عن مقدرات البلاد حد تجريفها بالجملة، بدءا من المعادن ومرورا بالرمال البيضاء والسوداء ومناجم الذهب، وصولا للآثار التي تم تهريبها حتى لإسرائيل، وما خفي كان أعظم، رغم كل هذا، فموقع السيسي من المصريين خاصة أولئك الذين خدعوا به في بداية خطابه الانقلابي العاطفي لشعب لم يجد من يحنو عليه، على حد تعبيره، في هبوط وكراهية وغليان مستتر تحت خطوط الفقر التي تتزايد فئاتها كل يوم، ليفرض المصريون واقعا آخر غير ذلك الذي فرضه النظام.
فرض المصريون واقعا آخر بالمقاومة السلبية لنظام بدأ حكمه بالقتل بدم بارد في رابعة والنهضة، ودفعه للآلاف للهرب خارج البلاد خوفا من الاعتقال والملاحقة والتصفية الجسدية القائمة على قدم وساق، فنجده يقاطع كافة الفعاليات الانتخابية التي دعا لها السيسي ليتم الاستفتاء على الدستور، ثم عملية انتخابه الأولى والثانية بغير ناخبين يذكرون، مقارنة بما قبل الانقلاب.
يفرض المصريون واقعا آخر بفرار الأطباء إلى الخارج، حتى تعاني الوحدات الصحية الريفية من عدم وجود أطباء، مما يدفع الدولة لاتخاذ قرار بعدم قبول سفر الطبيب حتى يقدم استقالته، في الوقت الذي يعاني فيه من تردي حالته الاجتماعية ككل الفئات الأخرى في المجتمع.
يفرض المصريون واقعا آخر بالسخرية والاستخفاف من كل ما يمثله النظام، بدءا من الرئيس وحتى أصغر مسؤول في الدولة.
يفرضون واقعا آخر بمقاطعة الإعلام الذي فشل في تقديم الجديد تغطية على كذب النظام المستمر وأدائه الفاشل على كل المستويات، مما اضطر النظام لإلغاء بعض البرامج لعدم جدواها، وإقالة بعض الإعلاميين وقد صاروا أوراقا محروقة، والاستعانة بآخرين كإعادة تدوير لمخلفات ما قبل يناير، ومصادرة بعض القنوات بعدما صارت عليهم عبئا.
لقد فرض المصريون واقعا جديدا، بوعي جديد، وعي قد أدرك أن هناك دولا وأنظمة، منها عربية ومنها غربية، وقفت وما زالت تقف خلف هذا النظام الغاشم لتبقيه، أملا في استنزاف ما تستطيع من حقوق الشعب ومقدراته عن طريق اتفاقات مشبوهة هي حتما إلى زوال. لقد بات الشعب المصري يئن تحت نير الغلاء الفاحش والضغط عليه للقبول بما ليس في طاقته.
إن ما يحرك العالم اليوم هو المصالح وليس العلاقات بين الأنظمة، فحين يقرر الشعب أن ينتفض، وأراه قريبا طالما استمر ذلك الضغط بنفس الوتيرة، فسوف يتغير موقف تلك الأنظمة وتتبدل تبعا لمصالحها الجديدة. إن العالم اليوم لم يعد جُزرا منفصلة، وليس هناك دولة أو هيئة أو أشخاص يقررون بأموالهم ونفوذهم مصير شعوب أخرى، والنظام الذي يعتمد في بقائه على حماية نظام آخر سرعان ما يسقط.
والتحالفات الدولية كل يوم في تغير حسب ميزان القوة، والقوة إلى جانب الشعوب وليست في يد العساكر والجيوش.
والعالم الذي تحركه مصالحه اليوم للتحالف مع حاكم خائن، أو مع عميل قاتل، سوف تحركه نفس المصالح للتخلي عنه، وتجاوزه، وربما التخلص منه بطرق هم أعلم الناس بها، حتى يتخطوا غضبة الشعوب التي نقرأ إرهاصاتها كل يوم في شوارع مصر وأحيائها.
إن الشعب المصري اليوم يقف على أعتاب ثورة مخيفة لن تجدي معها آلة أمنية، ولا أموال خليجية، ولا مساندة غربية. سيتخلى الجميع عن الحاكم قريبا، ليسلموه لمصير مجهول يقرره الشعب الغاضب بنفسه وحده.