هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "جيوبوليس" الفرنسية
تقريرا، تحدثت فيه عن مدى تعقيد المحاكمات التي من المفترض أن يتم في إطارها
محاسبة المسؤولين التونسيين الفاسدين في ظل حكم الرئيس المخلوع، بن علي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إن العديد من القضايا قد وقع فتحها خلال الأشهر الأخيرة، في
تونس، لمحاكمة المسؤولين عن القمع في ظل ديكتاتورية زين العابدين بن علي. وتُعد
هذه القضايا الحلقة الأولى من سلسلة محاسبات طويلة تُشرف عليها هيئة الحقيقة
والكرامة، التي لا توافق الحكومة على النهج الذي تتبعه في معالجة هذه المسألة.
وذكرت الصحيفة أن أول محاكمة استأنفت يوم 29
أيار/مايو 2018، في قابس، وتطرقت لقضية كمال مطماطي، الناشط الإسلامي الذي توفي
تحت وطأة التعذيب، سنة 1991. وقد جرت المحاكمة في قاعة مكتظة، في ظل غياب المتهمين
على غرار، زين العابدين بن علي، المنفي في المملكة العربية السعودية، ووزير
الداخلية عبد الله قلال، والمدير العام السابق للأمن محمد علي القنزوعي.
وأضافت الصحيفة أن محاكمات أخرى قد بدأت بالفعل
في نابل، خلال شهر حزيران/ يونيو، وفي الكاف وسيدي بوزيد خلال شهر تموز/يوليو. وقد
وقع تدريب خمسة قضاة في كل غرفة جنائية من قبل الأمم المتحدة من أجل السهر على
عملية العدالة الانتقالية، التي أطلقت بعد ثورة 2011، وذلك وفقا لما ورد في
التقارير الصادرة عن صحيفة ليبراسيون.
وأشارت الصحيفة إلى أن هؤلاء القضاة استمعوا،
في قابس، بانتباه إلى مختلف الشهادات، فضلا عن شهادة أسرة كامل مطماطي. وفي هذا
السياق، أفاد الطبيب والعضو في حزب حركة النهضة الإسلامي، علي عامر، الذي اعتقل مع
الضحية وكان شاهدا على عملية التعذيب التي دامت من ثلاث إلى أربع ساعات، أن
"ثلاثة من رجال الشرطة، يطلق عليهم أسماء رياض، ومصطفى، وأنور ضربوا الضحية بوحشية بعصا كبيرة".
وتابع المصدر ذاته أنه "عندما أخبرتهم أن
يعاني من كسرين على مستوى ذراعه، قال رئيس الفرقة، سمير زعتور إنه يتظاهر وانهال
عليه بنفسه ضربا حتى فقد كمال المطماطي الوعي". وقد اعتذر الطبيب عن الإجابة
على بقية الأسئلة لأن ما حدث يعود إلى زمن بعيد جدا؛ مشير إلى أنه تعرض للتعذيب
بدوره في تلك الفترة.
ونقلت الصحيفة ما جاء على لسان مديرة مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش في
تونس، آمنة قلالي، حيث أوردت أن "غياب المتهم يعد نقطة سلبية بارزة في خضم
هذه الجلسة الأولى، التي تكشف الكثير عن ثقافة الإفلات من العقاب السائدة في تونس
والنفوذ الذي تتمتع به أجهزة الأمن". وأضافت قلالي، أن "هذه هي المرة
الأولى التي نتحدث فيها بشكل معمق ومطول عن التعذيب في محكمة تونسية".
وتابعت الصحيفة أنه في الوقت نفسه، انعقدت
محاكمة لمحاسبة المسؤولين عن قمع الانتفاضة الشعبية التي أدت إلى ثورة 14 كانون
الثاني/ يناير 2011، وقتل فيها 338 تونسيًا وجرح 2174 آخرين. وكان من المنتظر أن
يبتّ القضاء في جريمة اقترفها 11 شخصًا، بمن فيهم زين العابدين بن علي، وزير
الداخلية السابق وأعضاء الحرس الوطني، وذلك لوفاة مهندس الكومبيوتر شوقي حيدري،
البالغ من العمر 43 سنة، والطالب محمد عماري.
وتجدر الإشارة إلى أنه، كالعادة، لم يمثل أي
متهم أمام القضاة، مما تسبب في إصابة أقارب الضحايا بخيبة أمل كبيرة. وفي هذا الإطار،
رجحت بعض المصادر أنه "على الرغم من غياب المتهمين إلا أن هذه المحاكمات تعد
انتصارا، وإن كان محدودا، لهذه العائلات".
وأفادت الصحيفة أنه في السابق، كان يتم التطرق
إلى الجرائم التي حصلت في عهد الدكتاتورية في بعض وسائل الإعلام أو جلسات الاستماع
العامة التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة سنة 2016. وقد وقع بعث هذه الهيئة قبل
سنتين للإشراف على عملية العدالة الانتقالية وتسوية بعض الحسابات العالقة فيما
يتعلق بالجرائم التي ارتكبت في عهد بن علي.
وأوردت الصحيفة، وفقا لآمنة القلالي، أنه
"من النادر خلال المحاكمات، أن تكون الشهادات صادرة من داخل جهاز
الأمن". وتابعت القلالي، أن "الإنكار، وغياب الشعور بالندم، والاستخفاف
بالعنف يجسد صورة جوفاء للنظام القمعي. وقد اطلعت نسبة كبيرة من المواطنين على
تقارير دقيقة عما حدث في الماضي". في الأثناء، يبدي عامة الجمهور القليل من
الاهتمام لهذه المحاكمات، وفي معظم الوقت لا يكون على علم بشأنها.
وفي الختام، بينت الصحيفة أن عمل هيئة الحقيقة
والكرامة لم يرض جميع الأطراف في السلطة، خاصة داخل حزب نداء تونس، الذي يضم أعضاء
مؤيدين للنظام القديم، الذين لا يتوانون عن وضع العديد من العقبات في وجه هذه
المحاكمات لتعطيل مسارها. في الأثناء، عمدت رئيسة هذه الهيئة المثيرة للجدل، سهام
بن سدرين، إلى جعل الأمور أكثر سوءا.