هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار الانهيار غير المسبوق لليرة التركية وتداعيات ذلك على الاقتصاد التركي تساؤلات عن مآلات الأزمة الأخطر التي تواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد انتخابه رئيسا للبلاد في ظل نظام رئاسي جديد.
وما بين أسباب داخلية لها علاقة ببنية الاقتصاد التركي، وخارجية سياسية لها علاقة بالعقبوات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية تتباين وجهات النظر للخبراء الاقتصاديين حيال هذه الأزمة وتقييم الخطوات التي أقدمت عليها الحكومة التركية لتجاوزها.
ولمزيد من إلقاء الضوء على هذا الموضوع، نظمت "عربي21" ندوة تحدث بها الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول أشرف دوابه، الذي قال إن الرئيس التركي استبق حدوث التدهور في الليرة التركية من خلال إجراء انتخابات المبكرة "ليقطع الطريق أمام تدهورها بشكل أكبر من الآن، وكانت التوقعات بعد الانتخابات أن تستقر العملة التركية، إلا أن الأحداث جاءت معاكسة لذلك".
وأضاف دوابه: "توجد في تركيا مشاكل اقتصادية، ولكنها لا تصل لتدهور الليرة بهذا الشكل"، مشيرا إلى أن "بنية الاقتصاد التركي قوي، ويتمتع بالتنوع، ولكنه يواجه ضعف في مسألتين مهمتين وهما: الديون الخارجية والعجز في الموازنة والميزان التجاري".
ضعف في الدين العام
وأوضح الخبير الاقتصادي أن إجمالي الدين العام التركي وصل إلى 453 مليار دولار (نصفهم ديون حكومية والنصف الآخر قطاع خاص)، وهناك ديون للقطاع الخاص تعد قصيرة الأجل وتستحق السداد، بلغت تقديراتها حوالي 180 مليار دولار.
وأشار في هذا الخصوص إلى أن الديون الخارجية للقطاع الخاص ضخم، ومع تقلب سعر الليرة سيلزم القطاع الخص تسديد القسط المطلوب منه بالسعر المتغير لليرة، بعيدا عن "التحوط في القروض والذي يثبت سعر قيمة القروض بعيدا عن المتغيرات المستقبلية".
أما العجز في الميزان التجاري، فلفت إلى أنه وصل لـ 30.7 مليار، مضيفا بأن الواردات في تركيا أكثر من الصادرات، وخاصة أنها تعتمد وارداتها من الطاقة.
الأدوات الأمريكية
وعن الدور الأمريكي في هذه الأزمة يشير دوابه إلى أن "الولايات المتحدة استغلت هذا الضعف الاقتصادي التركي، وبدأت بالتلاعب على الليرة التركية من خلاله".
وحول الأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة في حربها الاقتصادية، قال إنها "تعتمد على الإشاعات وخاصة من تلك التقارير غير الحقيقية التي تصدرها أمريكا، بالإضافة لأداة المضاربة بالعملات والتلاعب بالليرة من خلال توجيه البيع والشراء بغرض كسب فروق الأسعار، وكذلك تزوير العملة من خلال استخدام حزمة متكاملة ".
ولفت إلى أن "القرارات التركية في التعامل مع الأزمة جاء متأخرا، وكان الأصل من تركيا بما يميزها من قوة بحثية وسياسية، أن تجهز لسيناريوهات التعامل مع الأزمات المحتملة والتي كانت متوقعة".
الإجراءات التركية
أما الإجراءات التي اتخذتها تركيا مؤخرا لمواجهة الأزمة، يلفت دوابه إلى أنها "قامت بتخفيض نسبة الاحتياطي، ورفع بشكل غير مباشر لسعر الفائدة من خلال سياسة "الباب الخلفي" في سعر الفائدة ما بين البنوك، بالإضافة التحوط في الديون الخارجية بتثبيت سعرها، ورفع الرسوم الجمركية على بعض السلع المستوردة من الولايات المتحدة".
"قادرة على الاستغناء"
وفيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية على أنقرة وتأثريها على العلاقات بين الطرفين، قال دوابه إن "تركيا قادرة على الاستغناء كليا عن البضائع المستوردة من الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن "معدل التجارة بين البلدين بحدود 20 مليار دولار ( 11.9 واردات –وصادرات تركيا 8.6 ) والميزان التجاري لصالح أمريكا".
وأوضح أن "تركيا تستورد على سبيل المثال: طائرات حربية وهيلوكبتر وطائرات مدنية، وحديد، وقطن ومضخات غاز، ولها بدائل في السوق الأوروبية والبرازيل وتركمانستان وروسيا من الممكن أن توفرها تركيا من هناك".
أما الصادرات التركية للولايات المتحدة "فهي على سبيل المثال: قضبان الحديد الخام والسجاد اليدوي وقطع غيار الطائرات ومستحضرات التجميل، وبإمكان تركيا أن تفتح لنفسها أسواقا جديدة في الدول الإفريقية لذلك".
"بدائل وخيارات"
وفي ما يتعلق بإمكانية تشكيل تكتلات مع دول أخرى وخاصة الاتحاد الأوروبي، ذكر دوابه أنه "لدى تركيا إمكانية فعل ذلك، وخاصة أن تركيا لديها بديل للتعامل باليورو في أن غالبية تجارتها مع الاتحاد الأوروبي وأن معظم مستثمريها أوروبيون".
وبين أنه "في حال تم تطبيق نظام المدفوعات الثنائية، فإن تركيا ستكسب أسواقا جديدة، مثل التعامل مع الصين بنظام العملة الوطنية، ما يساعد في حل الأزمة"، مؤكدا أن "ذلك سيستغرق وقتا"، مشيرا إلى أن المناخ مناسب حاليا للجوء إلى ذلك في ظل الأزمة العالمية التي تحدثها أمريكا، مشيرا إلا أن العالم أصبح يبحث عن البديل عن النظام النقدي الحالي.
خطوات ضرورية
أما الإجراءات المطلوبة من تركيا اتخاذها لمواجهة الأزمة، أوضح دوابه، أن المطلوب "اعتماد خطوات عدة، منها خلق عوامل الثقة مع شعبها بالإضافة لنشر الوعي وتصدير الأزمة على أنها قضية أمن قومي، والحماية الاجتماعية على الصعيد الشعبي".
أما على الصعيد الاقتصادي، فالمطلوب "رفع نسبة الاحتياط القانوني، ووضع قيود على عمليات السحب والتحويل بالدولار، وخلق رقابة نقدية لتعزيز ذلك، بالإضافة لترشيد الواردات بما لا يؤثر على الصادرات وتفعيل التعامل باليورو، وربط الليرة بسلة عملات، وتفعيل نظام المدفوعات المتبادلة، بالإضافة لتعزيز الاستثمار في تركيا".
وحول ما يشاع بأن تخفيض العملة مفيد لصادرات تركيا، قال يوضح دوابه أن "ذلك صحيح في الأوقات العادية، وليس في ظل الأزمات الحالية، ويكون ذلك من خلال السيادة التركية في التحكم على تخفيض عملتها وليس من جهات خارجية".
وعن جدوى خطوات تخفيض النفقات الحكومية التي يطالب بها بعض الاقتصاديين، أجاب دوابه "بأن تركيا غير ملزمة بذلك في هذه الفترة، إلا إن أرادت ترشيد الإسراف في النفاق الحكومي".
وفي حديثه عن المبادرات الشعبية داخليا وخارجية ودورها في الأمة، يرى دوابه "أنه من ناحية اقتصادية إلى الجانب المعنوي، فإن ذلك يفيد من قيمة الليرة التركية لأنها أصبحت عملة ذات تعاملات دولية ويزيد الطلب على الليرة".