هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد عقود من تحقيق مصر فائضا كبيرا في إنتاج الأرز، يترقب المصريون أزمة "نقص الأرز"، بعد رفض النقابة العامة للفلاحين أسعار توريد الأرز التي حددتها وزارتا التموين والزراعة، الذي يبدأ في 15 أيلول/ سبتمبر الجاري، ويستمر لمدة شهرين.
وحددت الحكومة أسعار شراء الأرز الشعير من الفلاحين، بـ4400 و4500 جنيه للأرز رفيع الحبة، وبين 4600 و4700 جنيه للأرز عريض الحبة، على حسب درجة النقاوة، وبدرجة نظافة لا تقل عن 94%، وبنسبة رطوبة لا تزيد عن 14%.
وانتاب الفلاحين ونقاباتهم الشعبية حالة من الغضب والسخط؛ بسبب تدني أسعار التوريد مقارنة بارتفاع تكلفة الزراعة، وانخفاض هامش الربح، واعتبروها أسعارا مجحفة بحقوقهم، ولا تناسبهم، وسط عزوف عن البيع للحكومة.
خيارات الفلاح
وقال المزارع إسماعيل عبدالقادر، لـ"عربي21": "لن نبيع للدولة بهذا السعر المتدني، والخيارات أمامنا كثيرة؛ فإما أن نبيع للتجار، وهو ما يحدث الآن، بسعر أعلى يصل إلى 500 جنيه في الطن الواحد، وإما نبيع جزءا، ونقوم بتخزين الجزء الثاني لبيعه في وقت لاحق".
وتوقع أن يرفض الكثير من الفلاحين البيع بالأسعار المعلنة، "خاصة أن هناك تجارا يرغبون في الشراء بسعر أعلى، وإعادة بيعه مرة أخرى، وتحقيق ربح جيد"، مشيرا إلى أن الأرز المصري "من أفضل أنواع الأرز في العالم، ومفيد للغاية، وليس كالمستورد عديم الطعم".
واتفقت الحكومة المصرية مع فيتنام على استيراد مليون طن من الأرز الأبيض خلال ثلاثة إلى أربعة أشهر، وذلك بعد تقليص زراعته في وقت سابق من العام الحالي، في محاولة لترشيد استخدام المياه، وفرضت عقوبات كدفع غرامات والحبس للمزارعين الذين يزرعونه بشكل مخالف للقانون.
وبلغ إنتاج مصر من الأرز 5.1 مليون طن في عام 2016، في حين تستهلك مصر نحو 3.3 مليون طن من الأرز سنويا، ويتراوح العجز هذا العام بين مليون طن ومليون ونصف طن، بعد تقليص المساحات المنزرعة من الأرز بنحو 30%.
الأزمة والحل
وحمّل مستشار وزير التموين الأسبق، عبدالتواب بركات، الحكومة المصرية أزمة ارتفاع أسعار الأرز التي قد تشهدها الأسواق، قائلا: "امتناع الحكومة عن شراء مخزون استراتيجي من الأرز المحلي بسعر منصف للمزارعين يغطي التكلفة، ويحقق هامش ربح مناسب، وإلغاء الأرز من منظومة البطاقات التموينية سيرفع من سعر الأرز بشكل حاد".
وأوضح لـ"عربي21" أن "سعر كيلو الأرز في السوق الحر كان يتراوح بين 3 إلى 4 جنيهات ونصف قبل عامين فقط"، مشيرا إلى أن "المنظومة كانت توفر للمصريين 60% من استهلاك الأرز، الذي يصل إلى 40 كيلو للفرد في السنة، ورفع سعر الكيلو بين 8 و10 جنيهات، وعجز تراوح بين 80% في الوجه البحري، و100% في الوجه القبلي".
وأكد أن "محاربة السيسي لزراعة الأرز، وتوجيهه باستيراده، أدى إلى حرمان الفلاح المصري من زراعة محصول نقدي مربح، وصل سعره في السوق العالمي إلى ألف دولار للطن، مقابل 400 دولار للأصناف الهندية، كما أدى إلى اختفاء الأرز البلدي، وارتفاع سعره، وظهور الأرز الهندي الرديء".
ورأى أن الحل "يكمن بكل بساطة في تطبيق الدورة الزراعية؛ ما سيؤدي إلى توفير ما بين 10 إلى 15 مليار متر مكعب من المياه تكفي لزراعة الأرز المصري، وتحمي من مخاطر تحول مصر من التصدير إلى استيراد الأرز الملوث بالعناصر المعدنية السامة الموجودة في دول جنوب شرق آسيا".
محاربة الفلاح
الصحفي المعني بشؤون الزراعة وأوضاع الفلاحين، جلال جادو، فند بدوره توجه الحكومة لاستيراد الأرز، قائلا: "زرعة الأرز كانت الأمل الأخير للفلاح المصري؛ فبعد تدمير القطن، وضياع هيبة القمح، والزيادة الرهيبة في تكاليف الزراعات الأخرى، كان الأرز هو الملاذ الأخير للفلاح بعائد جيد".
وأضاف لـ"عربي21" أنه "رغم تهديدات النظام، وفرض عقوبات على الفلاحين، وتقليص مساحة الأرز إلى724 ألف فدان، وحرمان 18 محافظة، خاصة في الصعيد، من زراعته، إلا أن الفلاح زرع الأرز وبنسب جيدة، تنتج ما يزيد على 5 مليون طن أرز شعير، وحوالي 3.5 مليون طن أرز أبيض، وهو ما يكفي استهلاك المصريين وزيادة".
وتابع: "لكن يبدو أن النظام العسكري الحاكم في مصر فضل الاستيراد على شراء الأرز من الفلاحين، رغم رخص سعره عن المستورد، وفأجأ النظام الفلاحين بإعلانه عن استيراد مليون طن أرز أبيض خلال 3 أشهر فقط من فيتنام، مع بداية موسم حصاد الأرز في مصر".
وكشف جادو عن "وجود وجه آخر للكارثة؛ وهو إصرار النظام على استيراد أرز أبيض وليس شعيرا، ما يعني حرمان آلاف المضارب من العمل؛ لأنه قد يختلط بالبذرة المصرية المتميزة؛ ما ينتج عنه إصابات بالغة الخطورة تهدد نوعية الأرز المصري".