هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انتقد حقوقيون وإعلاميون قرار الحكومة المصرية بحجب موقع "رصيف22" الذي يتم بثه من لبنان، لنشره تقريرا عن سيطرة الأجهزة السيادية على الإعلام المصري، ما أزعج السلطة بعد أن كشف الموقع كيف توغلت الأجهزة الأمنية في كل وسائل الإعلام المؤثرة.
وأكد المختصون أن قرار الحجب يأتي بعد أسبوع من تصديق رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي على قانون تنظيم الصحافة، الذي نظم عملية الحجب والحظر وجعلها بيد القضاء وبعد مذكرة من الجهات المعنية، مؤكدين أن حجب الموقع الذي يهتم بقضايا الدول العربية، ويمثل متنفسا مهما لكثير من الصحفيين المصريين، يعد خرقا واضحا للقانون الذي وصفه الصحفيون بأنه مكبل لحرية الصحافة.
ويؤكد الخبير القانوني محمود العاصي لـ "عربي21" أن قرار السلطات المصرية بحجب موقع "رصيف22" لنشره تقريرا تحت عنوان "مصطلح الأجهزة السيادية يحضر في كل سجال.. طبيعة العلاقة بين الإعلام والأمن في مصر"، بمنزلة رسالة لوسائل الإعلام سواء المصرية أو العربية بأنه لا أحد فوق الحجب.
ويضيف العاصي أن إجراءات الحجب مخالفة لدستور 2014 الذي نص بالمادة 57 على التزام الدولة
بحماية حق المواطنين في استخدام وسائل الاتصال العامة بأشكالها كافة، ولا يجوز تعطيلها أو وقفها أو حرمان المواطنين منها، بشكل تعسفي، والمادة 65 التي تنص على أن حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر.
ويشير العاصي إلى أن قرار الحجب مخالف لقانون تنظيم الصحافة الذي صدق عليه السيسي منذ أيام، ورغم انه مَثَّل انتقاصا لحرية الإعلام وتداول المعلومات، إلا أنه نظم عملية الحظر والحجب ولم يضعها في يد السلطة، وإنما جعلها بيد القضاء، مؤكدا أنه وإن كانت الإجراءات القضائية شكلية، إلا أن خطوة حجب "رصيف 22" جاءت لتؤكد أن السلطة لن تحترم حتى القانون المعيب الذي أقرته.
ويضيف الباحث والخبير الإعلامي يحيى عبد الهادي لـ "عربي21" أن السلطات المصرية قامت بحجب أكثر من 503 مواقع منذ بداية انقلاب تموز / يوليو 2013 وحتى كتابة هذه السطور، وهو الحجب الذي بدأ بالمواقع التي اعتبرها النظام المصري مناهضة له ووقفت ضد الانقلاب مثل "عربي21 والجزيرة نت وإخوان أون لاين وباقي مواقع الإخوان المختلفة"، وغيرهم من المواقع العربية والأجنبية سواء المتعلقة بالأخبار أو التي تحدثت عن كوارث حقوق الإنسان، مثل موقع منظمة هيومن رايتس وواتش.
ويشير عبد الهادي إلى أن الحكومة المصرية لم تكتف بحجب المواقع الإخبارية، بل حجبت كذلك مواقع البرامج الخاصة بكسر الحجب، ثم امتد الحجب لمواقع مصرية لم تكن على خلاف مع الانقلاب، ولكن كانت طرفا في صراعات النفوذ بين الأجهزة الأمنية، مثل موقع المصريون والمصري اليوم.
ويؤكد الخبير الإعلامي أن التوسع في عملية الحجب لا يمكن فصله عن إعادة تشكيل الخريطة الإعلامية التي تشهدها مصر منذ أشهر، والتي شهدت دمج قنوات وإلغاء برامج وإنهاء خدمات إعلاميين كانوا من أكثر الداعمين للانقلاب مثل لميس الحديدي وتامر عبد المنعم وتامر أمين وعمرو الليثي وعمرو أديب والمعتز بالله عبد الفتاح، وغيرهم، وهو ما يشير إلى أن خطوات برمجة الإعلام المصري على موجة واحدة لا تقبل التغيير وتسير بشكل سريع دون توقف.
ويضيف المتخصص في صناعة السياسات الإعلامية الدكتور حسن عبد الباقي لـ "عربي21" أن النظام المصري يسعى لإعادة المجتمع الإعلامي لصيغة الإعلام الناصري، ولكن التجربة هذه المرة مختلفة، لأن سياسات الحجب والحظر، وفرض الصوت الواحد، التي كانت في العهد الناصري، تختلف عن الوضع الحالي، في ظل تطور صناعة الإعلام وتكنولوجيا المعلومات.
ويشير عبد الباقي إلى أن خطوات النظام ضد الإعلام سيدفع المواطن المصري للبحث عن المعلومات والأخبار في منافذ صحفية وإعلامية أخري، وبالتالي فإن سياسة الصوت الواحد سوف تنقلب ضد السيسي، موضحا أن السيطرة على كل القنوات الفضائية وآخرها cbc يمثل النهاية لعصر حرية الإعلام، كما أنه يكشف عن أزمة في التمويل، مما يهدد صناعة الإعلام التي تبحث عن التنافس والسعي نحو السبق.
وفيما يتعلق بضوابط الحجب، يؤكد عبد الباقي أنه في ظل فرض السيطرة الأمنية على الإعلام، فلن يكون هناك ضابط، وأن غياب دور نقابة الصحفيين منذ البداية جعل مهنة الصحافة وكأنها دون صاحب يدافع عنها ويحميها، وتركت النقابة الساحة خالية للمجلس الأعلى للإعلام يقوم بدور سيئ في فرض الرقابة والضغوط على الإعلام المرئي والمقروء، وبدلا من أن يمارس المجلس دوره في دعم حرية الإعلام وحق المواطن في الحصول على المعلومات، فإنه نَصَّبَ نفسه خصما وحكما في وقت واحد، وأصبح ضرره أكثر من نفعه فيما يتعلق بالحريات الإعلامية والصحفية.