لا يزال
لبنان يبحث عن حكومة العهد الثانية في
ظل تعثرات تشكيلها وافتقاد الأطراف السياسية للخلطة السرية التي ترضي القوى
الأساسية وتلبي طموحاتها من الحصص وأوزانها.
ورغم أن أغلبية الساسة اللبنانيين ينفون
تأثيرات الخارج على مسار التأليف الحكومي، إلا أن معلومات نقلت عن مصادر متطابقة
لوسائل إعلام لبنانية لا تنفي وجود أيادٍ خارجية تعمل على أكثر من صعيد لعرقلة
التأليف أو أقله تأخيره إلى فترة الخريف حتى انجلاء الصورة تماما عن صفقة القرن
الشهيرة التي سيكون لبنان أحد عناصرها في حال المضي بها فلسطينيا وعربيا بإيعاز من
الإدارة الأميركية مع التوصل لاتفاق ينهي الأزمة السورية.
وتتصدر التخوفات من استمرار تراجع الاقتصاد
اللبناني الواجهة في الوقت الذي تتفاقم
فيه الأزمات الحياتية لا سيما أزمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والنفايات،
ويقول النائب عن كتلة التنمية والتحرير
علي خريس أن "الوضع الاقتصادي صعب للغاية مع دخول لبنان إلى غرفة العناية
الفائقة حيث يحتاج إلى علاجات سريعة لإنقاذه"، ورأى في تصريحات
لـ"
عربي21" أن المعلومات الواردة تشير إلى صعوبة الوضع الاقتصادي في
لبنان ما يستدعي العمل الجاد نحو تشكيل الحكومة لمواجهة التحديات الراهنة".
المقاعد والمكاسب
ودعا خريس الأطراف السياسية إلى "قراءة
المشهد بعناية والترفع عن البحث عن مقاعد ومكاسب لإنقاذ لبنان من أي تداعيات على
المستوى المعيشي"، متابعا: "مصلحة البلد يجب أن تكون فوق الاعتبارات
الطائفية والسياسية ولا يمكن أن نبقى تحت أهواء بعض الأطراف".
وبالنظر إلى ما يتم تداوله عن تأثيرات مسار صفقة
القرن على الوضع في لبنان، اعتبر خريس أن "هناك أطرافا سياسية في لبنان تحاول
استجلاب الخارج إلى الداخل، على الرغم من أن دول القرار لا تولي الوضع اللبناني
أهمية مباشرة، وبالتالي فإن أي توافق لبناني سينتج عنه حتما ولادة الحكومة لبنانيا
ومن دون أي عامل دولي".
وترسم علامات استفهام حول قدرة الحكومة
المرتقبة على مواجهة التحديات المعيشية في ظل التباينات داخلها وتباعد الرؤى حول
المسارات السياسية الداخلية والخارجية، واعتبر خريس "أن الحكومة قادرة في حال
تحملها المسؤولية على مواجهة كل التحديات التي تواجه لبنان، فملف الكهرباء على
سبيل المثال يجب أن يناط بالهيئة الناظمة إذا تقرر تشكيلها لتكون مسؤولة عنه ولا يعود وزير الطاقة ملاما
وملاحقا وينتج عن ذلك بداية الحل وإنهاء الأزمة التي أرهقت اللبنانيين".
تداعيات الأزمة
ويذهب اقتصاديون لبنانيون إلى ربط الأزمة
الحياتية في لبنان بالعامل السياسي ويحذرون من تداعيات الأزمات المتلاحقة التي
تحدق بالاقتصاد اللبناني من كل حدب وصوب، ونفى الخبير الاقتصادي لويس حبيقة
"دخول لبنان مرحلة الخطر"، بيد أنه أقر بوجود "تعثرات اقتصادية
بفعل الأزمات السياسية"، مشيرا في تصريحات لـ"
عربي21" إلى أن
"تشكيل حكومة لها ثقل شعبي يدفع نحو معالجة الأزمات خصوصا أن هناك مشاريع قد أقرت غير أنها مجمدة بانتظار تنفيذها".
وشدّد حبيقة على أن "لبنان غير مؤثر في
العناوين السياسية الدولية بما فيها صفقة القرن، فهو غير قادر على أن يكون لاعبا مؤثرا
في هذا السياق"، متابعا: "المجتمع الدولي معني بالاستقرار في لبنان
والأزمة داخلية، واللبنانيون وحدهم قادرون على معالجتها عبر النأي بالبلد عن
المخاطر التي تعصف به".
ويأمل حبيقة الخروج "من المستنقع الذي وقع
فيه الاقتصاد اللبناني في حال تشكيل حكومة تضم أسماء قادرة على تحمل مسؤولياتها
والدفع بالاقتصاد قدما من خلال دعم الاستثمارات الخاصة القادرة على تحريك عجلة
الاقتصاد".
الوجوه الجديدة
وحول رؤية الوجوه السياسية الجديدة في الأزمة
الحالية، قال النائب المنتخب عن دائرة بيروت محمد الخواجة إن "الأزمة
السياسية في لبنان تنعكس سلبا على الوضع الاقتصادي بينما نهدر الكثير من الفرص
التي بإمكانها تحصين الوضع الداخلي من النواحي كافة".
وتابع في تصريحات لـ"
عربي21":
"الاقتصاد اللبناني ليس في أفضل أحواله في ظل المديونية العالية وقلّة
الاستثمارات، ويبقى المخرج الوحيد هو الإسراع في تشكيل الحكومة"، داعيا إلى
"تغيير السياسات الاقتصادية المعمول بها حاليا".
وعن مدى قدرة الشخصيات السياسية الجديدة على
التغيير، قال: "التغيير الذي حصل في لبنان مؤخرا نتج بأغلبه عبر كتل سياسية
موجودة أصلا، لكننا سنعمل على التغيير في العقلية الاقتصادية المعمول بها منذ عام
1992 بعدم حصر الاستثمارات بالخدمات المرتبطة كالسياحة وغيرها"، مضيفا:
"علينا تشجيع الإنتاج اللبناني من الصناعة والزراعة في الوقت الذي تكون فيه
الخدمات أعمالا رديفة وليست أساسية".
وعن محاربة الفساد، قال: "كل ما نسمعه عن
محاربة الفساد في لبنان يدور في إطار الاستهلاك الكلامي"، مشددا على
"استحالة محاربة الفساد في ظل استمرار النظام الطائفي في لبنان، فالتعاطي مع
هذه الظاهرة السرطانية يتطلب اتخاذ إجراءات جذرية لا تستثني المفاصل والشخصيات
التي تحمي الفاسدين"، ودعا إلى "ضرورة سن قوانين رادعة لحماية الاقتصاد
اللبناني ومقدرات الدولة من الفساد".