الأمة بين عام مضى وعام جديد

عيد بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ    بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ   فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ

انقضى عام هجري وهل علينا عام هجري جديد، فكل عام وأنتم أمة العرب والمسلمين بألف خير وأمن وسلامة ورخاء وتقدم وازدهار ورقي.

كل عام وأنتم أمة حرة غير مستعبدة، أمة اختفى فيها الفقر والجوع والعوز والحاجة والعبودية والظلم والقهر والاستبداد.

كل عام وحكامكم موظفون عند شعوبهم، يحافظون على البلاد والعباد، لا فرق في الحقوق والواجبات بينهم وبين أي مواطن من مواطني الأمة.

كل عام ومقدرات الأمة يملكها شعوبها وليست حكرا على حكامها وأمرائها وسارقيها، يبذرونها بسفاهة بالغة على شهواتهم ونزواتهم ومتعهم، في حين يحرم الشعب من ثمن رغيف الخبز وحبة الدواء.

كل عام والأمة في رقي علمي وتضامن اجتماعي ونهضة فكرية وثقافية، ومؤسسات تنهض بالعقل وتبني أسس الحضارة والنهضة.

كل عام وأخلاق الناس حسنة وجميلة، والاحترام بينهم قائم وسائد، وسلوك الناس حضاري وراق، الكبير يعطف على الصغير والصغير يحترم الكبير، الكبير في كل شيء المال والجاه والمنصب والمكانة.

كل عام والأمة متحررة من قهر الأعداء وظلم ذوي القربى والأهل، وبطش ذوي الجاه والسلطان، فلا استبداد داخلي أو خارجي.

كل عام والأمة موحدة الكلمة والبنيان، فلا صراعات تمزقها ولا خلافات وحروب تأكل الأخضر واليابس، ولا حدود وسدود تفصل بين أبنائها، فلا يحتاج المواطن للتنقل في أرجاء الوطن لتأشيرات دخول أو فيزا زيارة أو سياحة.

كل عام والأمة تملك قرارها وكلمتها، وأن تكون ذات هيبة وسيادة، فلا تستباح ديارها ومقدراتها من كل من هب ودب، ولا يتلاعب بها شذاذ الآفاق فتذل وتذل.

كل عام والأمة خالية من سيطرة الخرافة والجهل والامعية، تلغي عقلها وقيمها وتجري وراء أوهام وخزعبلات، فتكون أضحوكة العالم القاصي منه والداني.

كل عام والأمة تعتز بدينها وعقيدتها اعتزاز الواثق والمقتدر، فلا تستبدله بفكر منحرف وقاصر، ولا تبيع آخرتها بدنياها ودنيا غيرها.

كل عام وقيمة الإنسان عندنا هي المقدمة على كل شيء، مقدمة على المال والبنيان، مقدمة على التنظيمات والحكومات والأحزاب والجماعات، فهدم الكعبة أربعين مرة أهون عند الله من سفك دم إنسان.

كل عام وأهل غزة بخير وقد تحطم من حولهم الحصار، ورفع عنهم سيف القهر والظلم والاستبداد، وعاش أهله الأمن والحرية ورخاء الأحوال.

كل عام والأمة حكامها وحكوماتها وشعوبها تحترم علماءها، فلا تقهرهم بسجن أو تشريد أو إعدام أو تشويه ودعايات ملفقة، فالعلماء خيرة الأمة بهم تنهض وبهم تعلو مكانتها وتبلغ المنى.

كل عام وشبابنا آمن على مستقبله، لا بطالة تقهره ولا حاجة تقتله ولا خوف يتملكه ولا مخدرات تفتك به، ولا أوهام تتجاذبه، يجد نفسه في بلده معززا مكرما، فلا يفكر في هجرة إلى المجهول ولا يرتمي بين أحضان العمالة أو العالم الأزرق الذي أنهكه ودمره.

كل عام والسياسي عندنا همه على اصلاح حال بلده، لا تعزيز مكانته وتخمة كرشه وارتفاع أرقام رصيده في بنوك الغرب على حساب شعبه وقضيته.

كل عام ومساجدنا منابر لله وحده، وخطباؤنا دعوتهم لله وحده، فلا تنظيمات تمزقها ولا جماعات تسيطر عليها، فلا تكون إلا "وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا".

كل عام ومستشفياتنا ومدارسنا تقدم الخدمة والرعاية للمواطن بشكلها الأفضل والأحسن والأكمل، كرامة الطبيب والمعلم محفوظة، وكرامة المكان والأثاث محفوظة، فلا يعتدي عليها بلطجي ومتفلت، فهي ملك للناس جميعا.

كل عام والمثقف وأهل العلم والكتاب والمفكرون لهم قيمة في بلادنا، يعيشون حياة كريمة تحفظ كرامتهم وإنسانيتهم، فلا يجار عليهم لحسابات تنظيمية أو حزبية أو فئوية.

كل عام والمرأة غير مقهورة ومستباحة الكرامة والإنسانية، نعاملها كأنها متاع رخيص لا قيمة له ولا اعتبار، بل ننظر إليها على أنها "أم" الجنة تحت قدميها، أو"أخت" بوصلها بركة الحياة والرزق وطول العمر، أو "زوجة" شريكة الحياة من أكرمها فهو كريم ومن أهانها فهو لئيم، أو "بنت" سعادة الدنيا من سعادتها.

كل عام والحياة لها طعم جميل، والأخوة أخوة وليسوا أعداء، والأقارب أحباب وليسوا عقارب، والجيران سند وأنيس وليسوا حساد وخصوم.

كل عام والمعلم معلم، والطبيب طبيب، والشرطي رجل الأمن، والشيخ داعية الوحدة والجميع، والقاضي عادل، والتاجر أمين والسائق قصير اللسان.

حينما توجد ما ذكرت يكون العام الجديد عام خير علينا وعلى الأمة جميعا، يفرح بقدومه الناس وتبتهج به القلوب وتأنس به الأرواح.

وكل عام وأنتم بألف خير.