جرى العرف السياسي في كافة دول العالم أن أي مسؤول كبير في الدولة يجب أن يؤدي اليمين الدستوري - تبعاً لمعتقده - قبل أن يتسلم المنصب الذي كُلّف به، وهذا العرف الدبلوماسي طُبق على كافة حكومات الدولة
العراقية وبرلماناتها منذ تأسيسها وحتى بعد العام 2003، ولهذا ذكرت المادة (50) من الدستور العراقي للعام 2005:
يؤدي عضو مجلس النواب اليمين الدستورية أمام المجلس، قبل أن يباشر عمله، بالصيغة الآتية:
"اُقسم بالله العلي العظيم، أن أؤدي مهماتي ومسؤولياتي القانونية، بتفانٍ وإخلاص، وأن أحافظ على استقلال العراق وسيادته، وأرعى مصالح شعبه، وأسهر على سلامة أرضه وثرواته ونظامه الديمقراطي، وأن أعمل على صيانة الحريات العامة والخاصة، واستقلال القضاء، والتزم بتطبيق التشريعات بأمانةٍ وحياد، والله على ما أقول شهيد".
حينما نقرأ جزئيات القسم، سترهقنا جملة من التساؤلات: هل فعلاً جعل ساسة العراق الله سبحانه وتعالى شهيداً على أفعالهم؟ وهل التزموا بتطبيق التشريعات بأمانة وحيادية؟ وهل أنهم لم يجاملوا على حساب الحق، ولم يتملقوا للفاسدين والقتلة والمجرمين؟
وسنحاول تفكيك أجزاء اليمين الدستوري لنرى الالتزام بالتنفيذ - أو الحنث بهذا القسم العظيم - وذلك وفقاً للتقسيم الآتي:
- تأدية المهام بتفان وإخلاص:
الأداء المخجل للحكومات والبرلمانات المتعاقبة، والخراب الواضح، وأرقام الأموال المسروقة - بطرق قانونية وغير قانونية - من موازنات العراق الظاهرة والباطنة، تجعلنا أمام كارثة وطنية، ولهذا نتساءل: منْ الذي ضيع مفهوم شرف الواجب الوظيفي؟ ومنْ سرق أكثر من ألف مليار دولار؟ ومن الذي دعم المليشيات وسفك الدماء وانتهك الأعراض وسعى لتخريب مفهوم الدولة؟ أليسوا هم غالبية رجال الأحزاب، الذين أدوا القسم الدستوري؟
- الحفاظ على استقلال العراق وسيادته:
مع انطلاق الدورة البرلمانية الرابعة الحالية نجد أن العراق صار ملعباً لعشرات الدول، وأبرزها إيران وأمريكا، وهما منْ يتحكمان بالمشهد السياسي والعسكري، وجميعهم يبحثون عن مصالحهم، بينما مصلحة العراق مفقودة ومُغَيَّبة!
- رعاية مصالح الشعب:
رعاية مصالح الشعب من كبريات الشعارات المتناقضة مع واقع الحال الماحي لأبسط القيم الإنسانية؛ لأن غالبية هؤلاء الساسة لم يحافظوا على أرواح الأبرياء من بطش المليشيات، ولم يقفوا وقفة صادقة أمام قوى الشر والباطل والإرهاب الرسمي، ولم يؤنب ضمائرهم غياب الحياة الإنسانية الكريمة، واستمرار جرائم الترهيب والتخويف والإفقار المنظمة!
- السهر على سلامة الثروات والديمقراطية:
نحن هنا أمام حنث ظاهر في القسم، فالساسة لم يحافظوا على سلامة الثروات والقِيَم الوطنية، والمواطن ما عاد يفكر في سلامة الأرض والمياه والثروات المنهوبة من غالبية الذين أقسموا على هذا القسم، وإنما بات يتمنى أرضاً يعيش عليها تكون خالية من اليورانيوم المنضب، ويحلم بماء صالح للشرب، وتوفير أبسط الخدمات. أما النظام الديمقراطي، فهو مُفَصَّل على مقاسات أحزاب السلطة، وكل منْ عداهم هو من الإرهابيين!
- العمل على صيانة الحريات العامة والخاصة:
انتهاك الحريات الشخصية والقانونية لعموم المواطنين صار من الْمُسَلَّمَاتِ، ولهذا وجدنا أنفسنا أمام قوات رسمية وغير رسمية انتهكت حرمات البيوت، وخَرَمَت كرامة الرجال، وضَيَّعَت مفهوم الحرية، وسَحَقَت الحريات الصحفية، بل وأرهبت حتى السياسيين الذين يمتلكون وعياً إنسانياً ووطنياَ، ولذلك وجدوا أنفسهم بين معتقل، أو محكوم عليه بالإعدام، أو مطارد خارج الوطن.
- استقلال القضاء:
استقلالية القضاء باتت من الماضي، وهذا تطور يُنذر بتهشيم القيم الإنسانية والسياسية والمجتمعية، وصارت الأحكام القضائية تُناقش في الغرف المظلمة ببعض "عواصم السمسرة القانونية والتجارية" القريبة والبعيدة من العراق.
القضاء المسيس تَدَخَّلَ في كافة مفاصل العملية السياسية، وأصدر "الأحكام القضائية المُسيسة" ضد بعض الأطراف غير المؤيدة لهذا الطرف الفاعل، أو ذاك، وهذه كلها عوامل ضاربة لاستقرار الدولة العراقية ومستقبلها!
المسؤولية الحقيقية ينبغي أن تُبنى على احترام المسؤول لإنسانية المواطن الذي يمثّله، والعمل على مراعاة مصالحه، تماماً كما يُراعي مصالح عائلته. أما خلاف ذلك، فأظن أننا سنكون أمام دورة جديدة من الاستغلال الوظيفي، سواء أَقْسَمَ هؤلاء الساسة أم لم يُقْسموا؛ لأن غالبيتهم لا ينظرون للقسَم على أنه رادع لهم عن السرقات، واستغلال المناصب، والتغافل عن أداء مهامهم الدستورية والقانونية، وهتك الحريات العامة والخاصة، والتدخل في مسار العملية القضائية، بل ينظرون للقَسم نظرة الثعلب الماكر المخادع للغنيمة!
المسؤول الذي لا يخاف الله، ولا يردعه قانون، ولا يتوقع أن تثور عليه الجماهير المظلومة فهذا المسؤول سيطغى طغيان فرعون؛ وبالتالي سنجد أنفسنا أمام مئات "الفراعنة الديمقراطيين"، الذين استباحوا خيرات البلاد وأهلها!