هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا للصحافية هولي يونغ، تقول فيه إن باص لندن الأحمر ذا الطابقين وقف أمام بوابات سجن ستاي سابقا في منطقة هوهنشنهاوزن في برلين الشرقية، وكان يحمل عشرات الصور لآباء وأطفالهم وطفلة صغيرة بجدائلها الطويلة، وعلى جانبه لوحة كبيرة كتب عليها باللغة العربية والألمانية "أطلقوا سراحهم".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "عائلات من أجل الحرية" هي المنظمة التي تقودها نساء سوريات، وهي التي نظمت هذه التظاهرة، والصور التي يحملها الباص تعود لعائلاتهم، وهم مجرد عشرات من آلاف السوريين المسجونين أو المفقودين منذ عام 2011.
وتلفت يونغ إلى أن هذه العائلات تطالب بإطلاق سراح الأسرى، مشيرة إلى أن الباص أصبح يشكل رمزا لقضيتهم، حيث سافر عبر لندن وباريس، والآن هو في برلين، في خطوة لنشر الوعي والحصول على الدعم لهذه القضية.
وتنقل الصحيفة عن فدوى محمود، البالغة من العمر 64 عاما، التي تعد إحدى مؤسسات المنظمة، قولها: "هذه المدن تقدر الحرية والديمقراطية.. وهذا ما كان يسعى إليه هؤلاء الشباب والشابات الذين سجنوا أو غيبوا بشكل غير قانوني".
ويجد التقرير أن هذا السجن مكان مناسب لوقوف الباص، حيث سجن الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية حوالي 20 ألف شخص، وبعد ذلك وفي الجمهورية الألمانية الديمقراطية (ألمانيا الشرقية) كان يسجن فيه 11 ألف شخص.
وتقول الكاتبة إن "ما كان يوما أداة قمع في يد الدولة أصبح اليوم نصبا تذكاريا يمكن زيارة زنزاناته وغرف التحقيق، التي تبرز العنف الجسدي والنفسي التي عانى السجناء فيها، إنه مكان يذكر ببرلين الغربية، المكان الذي كان يخلو من الديمقراطية وحرية التعبير".
وتذكر الصحيفة أن فدوى محمود وأسماء الفراج، كلاهما لها أقارب اختفوا في سوريا، وجاءتا إلى برلين الشرقية، وإلى السجن تحديدا، لتشاركا تجربة ضحايا قمع حكومة ألمانيا الشرقية، وبينهم مونيكا شنايدر، التي سجنت عام 1983 للاشتباه بمحاولتها الفرار إلى الغرب.
وينقل التقرير عن محمود، قولها: "عندما دخلت السجن كان الشعور سيئا جدا.. وكلنا بكى.. فهناك تشابه مع ما عانيناه، ولا يزال آلاف السوريين يعانونه اليوم في سوريا".
وتبين يونغ أن محمود لم تسمع من عائلتها منذ أيلول/ سبتمبر 2012، عندما ذهب ابنها لجلب زوجها، رئيس حزب العمل الشيوعي المحظور، من المطار، ولم يعد أي منهما، ولم تسمع منهما منذ ذلك الحين، وتقول: "كأنهما اختفيا تماما من هذا العالم".
وتورد الصحيفة نقلا عن شنايدر، التي اعتقلت في الماضي في الوقت الذي كانت تزور فيه صديقة في براغ، قولها إنها ترى وجوه الشبه بين التجربتين، مثل ألم عدم معرفة ماذا حصل للأحبة، "فكان هناك أناس في الجمهورية الألمانية الديمقراطية اختفوا، أو ماتوا في السجن ولم تحصل عائلاتهم على أي معلومات .. وكان هناك أطفال تم تبنيهم عنوة، وأعرف نساء يبحثن إلى الآن عن أبنائهن".
ويستدرك التقرير بأن محمود أشارت إلى الفروق أيضا، فقالت عن السجن في برلين الشرقية إنه على سوئه يعد "فندق خمس نجوم بالنسبة للسجون في سوريا"، ففي الوقت الذي كانت تسجن فيه امرأتان في الزنزانة الواحدة، فإنه يسجن في الزنزانة في سوريا 20، وأضافت: "نعلم أن ما يحدث في بعض تلك السجون رهيب"، في إشارة إلى سجن صيدنايا، حيث يعتقد أنه منذ 2011 أعدم آلاف السجناء دون محاكمة.
وتنوه الكاتبة إلى أن محمود تعيش في برلين، وهي واحدة من آلاف اللاجئين السوريين، فيما استوعبت العاصمة الألمانية 5% من اللاجئين الذين وصلوا منذ عام 2015.
وتفيد الصحيفة بأن منظمة عائلات من أجل الحرية قامت على مدى الشهر الماضي بعدة نشاطات في أنحاء برلين، وكان مستوى المشاركة من المجتمع السوري ومؤيديه أكثر من مدن أخرى، فتجمع المئات لمظاهرة تحت بوابة براندبيرغ، حيث حمل المتظاهرون صور أقاربهم المسجونين أو المختفين، ثم جابوا الشوارع وصولا إلى السفارة الروسية.
وينقل التقرير عن محمود، قولها: "ألمانيا بلد له نفوذ في العالم اليوم .. ونأمل أن تساعدنا للحصول على أجوبة، نريد أن نعرف أين أحباؤنا.. وإن كانوا على قيد الحياة أم لا".
وتشير يونغ إلى أن متطوعين سوريين في برلين ساعدوا الشهر الماضي في تنظيم بيت عزاء للعائلات التي علمت من خلال شهادات الوفاة التي أصدرتها الحكومة مؤخرا أن أبناءها ماتوا في السجن.
وتورد الصحيفة نقلا عن آنا فليتشر من منظمة نساء لأجل التطور الآن، التي تدعم عائلات من أجل الحرية، قولها: "ليس هناك ما يكفي من الحديث عن اختفاء عشرات آلاف السوريين.. وليس هناك ما يكفي من الفهم لتفسير ماذا يعني بالنسبة لهذه النساء وعائلاتهن أن يعيشوا من غير معلومات، وأن يعيشوا وهناك كراسي فارغة على الطاولة كل يوم".
وينقل التقرير عن مايكل غينزبيرغ من منطقة هوهنشنهاوزن في برلين، حيث يقع السجن، قوله إن أحد أسباب دعوة منظمة عائلات من أجل الحرية للمكان التذكاري كان بهدف زيادة الوعي في برلين للنظام في سوريا، والسبب الآخر هو إبراز أن القمع والجرائم ليس في كتب التاريخ فقط.
ويضيف غينزبيرغ: "قضية الاختفاء وماذا يحصل لاحقا في سوريا قضية آنية.. فأردنا أيضا أن يكون تبادل القصص بين السجناء السياسيين السوريين والألمان إيجابيا على نحو ما؛ لأن هوهنشنهاوزن يشكل الماضي بالنسبة للألمان، وقد يصبح المستقبل بالنسبة للسوريين، فقد تصبح سجونهم متاحف في يوم ما".
وتقول محمود: "زيارة هوهنشنهاوزن أعادت لي ذكريات كثيرة، لكنها أعطتني قوة كبيرة، أعطتني الأمل بأننا في يوم من الأيام نستطيع أن ننظر إلى الخلف ونقول (كان ذلك في الماضي)، وهذا هو حلمي".
وتختم "العارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن المدينة التالية على جدول الباص هي بروكسل، مقر الاتحاد الأوروبي، فيما كتب على اللافتة على مقدمة الباص "دمشق"، التي تقول محمود أنها ستكون آخر المدن في رحلتهم، وتضيف: "نأمل أن يصل الباص يوما ما ليقف خارح المحكمة في دمشق للمطالبة بإطلاق سراح السجناء السوريين كلهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا