طالب اقتصاديون وسياسيون الحكومة
المصرية بتوضيح
الغموض الذي يحيط بصفقات
الغاز الطبيعي التي وقعتها شركات مصرية برعاية حكومية مع
الحكومة
الإسرائيلية قبل ستة أشهر بقيمة 15 مليار دولار، بعد إعلان وزير البترول
المصري السبت 29 أيلول/ سبتمبر الجاري أن مصر حققت الاكتفاء الذاتي من الغاز.
وأكد الخبراء الذين تحدثت إليهم "
عربي21"
أن إعلان الحكومة واكب إجراءات أخرى مثيرة للقلق أبرزها ما كشفته شركة
"دولفينوس" المصرية قبل أيام بأنها سوف تستورد أول كمية من صفقة الغاز
التي وقعتها مع الحكومة الإسرائيلية بداية 2019، وأنها اتخذت الإجراءات التي تدعم
ذلك.
ويشير الخبراء إلى أن هذه الإجراءات تمثلت بالفعل
في استحواذ شركات ديليك للحفر الإسرائيلية ونوبل إنرجي الأمريكية وغاز الشرق
المصرية، على 39% من أسهم شركة شرق المتوسط، التي تمتلك خط أنابيب الغاز بين مصر
وإسرائيل تمهيدا لعمليات تصدير الغاز لمصر، وهو الإعلان الذي جاء قبل 24 ساعة من
قرار الاكتفاء الذاتي.
وكان وزير البترول المصري طارق الملا أعلن
السبت عبر وكالة "رويترز" أن بلاده وصلت للاكتفاء الذاتي من الغاز
الطبيعي، وقررت وقف الاستيراد بعد آخر شحنة تلقتها الأسبوع الماضي من الغاز
المسال، وهو ما يوفر أكثر من 2.5 مليار دولار لخزانة الدولة.
وحول التأثير الإيجابي لهذه الخطوة على المواطن
المصري أكد الملا في مداخلة تليفونية مع الإعلامي عمرو أديب بقناة mbc مصر مساء السبت، أن زيادة إنتاج الغاز وإسالته سيؤدي للتوسع في توصيل
الغاز الطبيعي للمنازل، وهو ما ينهي مشكلة "أنبوبة" البوتوغاز ما يقلل
فاتورة دعم المواد البترولية.
وفي تصريحات خاصة لـ "
عربي21" أكدت
مصادر إعلامية بوزارة البترول أن قرار الاكتفاء الذاتي من الغاز متعلق بالغاز
المسال، بينما الغاز الطبيعي الخام، خارج القرار.
وعن مصير صفقة استيراد الغاز الطبيعي من
إسرائيل، أكدت المصادر أن قرار وقف الاستيراد لا يشملها لأنها موقعة قبل إصداره،
كما أن الصفقة من خلال شركة خاصة، بالإضافة لأن الغاز المستورد من إسرائيل خام
وليس مسالا.
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي فكري عبد
العزيز لـ"
عربي21" أن الحكومة المصرية كانت تعتزم إعلان هذا القرار
نهاية العام الجاري انتظارا لبدء الإنتاج الفعلي لحقل ظهر قبل نهاية كانون الثاني/ ديسمبر المقبل، وهو ما يؤكد أن الإعلان المفاجئ بالاكتفاء الذاتي ربما تكون له
أسباب أخرى.
ويضيف عبد العزيز أن الاكتشافات الأخيرة لحقول
الغاز تشير لتمتع مصر بوفرة كبيرة من الغاز الطبيعي، وكان طبيعيا أن تصل لهذه
المرحلة وهي جيدة بلا شك، ولكن لن يشعر بها المواطن لأنها في النهاية مجرد أرقام
يتم تداولها.
وبرر الخبير الاقتصادي ذلك بأن مصر سوف تعتمد
على زيادة حصتها من الغاز المستخرج، وشراء حصة الشريك الأجنبي، وبزيادة كمية الغاز
المستخرج من الآبار المتعددة، تزيد الكميات التي تحصل عليها مصر، وهو ما يوفر جزءا كبيرا من فاتورة استيراد الغاز الطبيعي المسال التي وصلت إلى 205 مليارات دولار في
2016/ 2017 و1.8 مليار دولار في 2017/ 2018.
ويوضح عبد العزيز الفرق بين الغاز المسال
والغاز الطبيعي الخام، بأن الأخير لا يتم استخدامه وتعبئته إلا بعد إسالته، وهي
المشكلة التي كانت تواجهها مصر مع ضعف إنتاجها من الغاز الخام، حيث كانت تسد
الفجوة في الاستهلاك باستيراد الغاز المسال، ولكن مع زيادة الإنتاج المحلي من
الغاز الخام فإن مصر سوف تقوم بتوفير احتياجاتها بإسالته بمصنعي إسالة الغاز
الطبيعي بإدفو ودمياط.
ويضيف عضو لجنة
الطاقة والصناعة بمجلس الشوري
سابقا طارق مرسي لـ"
عربي21" أن الطريقة التي أعلن بها وزير البترول
الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي تثير تساؤلات كثيرة، وهل هي مرتبطة بامتصاص رد الفعل
المتوقع بعد بدء إجراء استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، والتي كانت أول خطواته
استحواذ ثلاثة شركات إسرائيلية وأمريكية ومصرية على 39% من أسهم شركة شرق المتوسط
المعنية بنقل الغاز الخام من إسرائيل لمصر.
ويؤكد مرسي أن رئيس النظام المصري، عبد الفتاح
السيسي، يريد رسم صورة ذهنية بأنه يملك عصا سحرية وأنه الوحيد الذي حقق إنجازات في
زمن قياسي، ومن هنا فإن إعلان الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وقبلها أن مصر
سوف تكون أكبر مركز إقليمي للطاقة بالمنطقة، هي أمور أقرب للدعاية الخاصة التي
تمهد خطوة لتعديل الدستور.
ويشير مرسي إلى أن الدورة الأخيرة للبرلمان سوف
تنعقد بعد أيام، وهي الدورة التي يعول عليها السيسي في تمرير تعديل مواد الدستور
الخاصة بمدد وفترات الرئاسة، ولذلك فإن المرحلة المقبلة سوف تشهد زيادة غير طبيعية
في الكشف عن الإنجازات والمعجزات التي تحققت على يد السيسي، بينما المواطن في عالم
آخر لا يجد فيه المأكل أو المشرب، وليس أدل على ذلك من الصور المأساوية التي
صاحبت الأيام الأولى للفصل الدراسي الجديد.