على مدى اليومين الماضيين؛ شغل القرار الخاص
بتمديد ولاية مجموعة الخبراء الإقليميين والدوليين البارزين التابعين لمجلس
حقوق الإنسان، والمكلفين بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان في
اليمن، اهتمام الدول الـ39 للمجلس والمنعقدة حالياً في مقر
الأمم المتحدة بجنيف.
لقد منيت
السعودية، ومعها عدد من البلدان العربية الأكثر ممارسة للقمع والانتهاكات لحقوق الإنسان،
بهزيمة ثقيلة داخل مجلس حقوق الإنسان، بعد أن نجحت هولندا ومن خلفها بلجيكا وكندا ولوكسمبورج وإيرلندا، في تمرير قرار تحت البند الثاني من أجندة مجلس حقوق الإنسان؛ تقضي الفقرة الـ12 منه بتمديد ولاية
مجموعة الخبراء البارزين لعام آخر.
وفي المقابل، تم اعتماد القرار السنوي المعتاد تحت البند العاشر دون تصويت؛ نظراً لعدم وجود اعتراض عليه، ويقضي بمواصلة دعم الآليات الوطنية للتحقيق في اليمن، والممثلة في اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان، وهي لجنة، على الرغم من محاولاتها الجدية، تواجه صعوبة حقيقية في ممارسة مهامها، داخل الأراضي المستعادة من مليشيا الحوثي الانقلابية، ناهيك عن تلك التي لا تزال تحت سيطرة هذه المليشيا.
أكثر الأطراف تضرراً من استمرار مهمة مجموعة الخبراء البارزين هي تحالف السعودية والإمارات، فالسعودية تواجه دائماً تهماً بإيقاع المزيد من الضحايا المدنيين، بينهم أطفال ونساء، خلال عمليات القصف الجوي التي تستهدف مواقع وتجمعات مفترضة للمليشيا.
أما الإمارات، فإنها متورطة في سلسلة من الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان، خصوصاً في المحافظات الجنوبية، حيث تواصل تكريس نفوذ لا ينازعها فيه أحد بما في ذلك السلطة الشرعية نفسها؛ التي غادرت العاصمة السياسية المؤقتة مجبرة للإقامة في الرياض.
الانتهاكات الإماراتية وثقت في تقارير منظمات حقوقية عالمية معتبرة، وتتجلى في شبكة من السجون السرية والمداهمات والاعتقالات وعمليات الإخفاء القسري والتعذيب والقتل تحت التعذيب وانتهاك الكرامة الإنسانية عبر عمليات تعذيب جنسية متعمدة بهدف الحصول على اعترافات.
تتذرع هذه الدولة الشريرة بمهمة مكافحة الإرهاب، وتحصل على غطاء كاف من واشنطن خصوصاً في عهد ترامب، وهي بذلك تحقق أهدافاً عدة، فإلى جانب أنها تواصل تكريس نفوذها وإنشاء دولة قمعية تابعة وموازية لها في جنوب اليمن، فهي أيضاً تستأثر بحصة مهمة من الكعكة اليمنية، وهو أمر يثير غيظ الرياض، التي اضطرت إلى أن تدفع الحكومة الشرعية لإفشال محاولة الإمارات السيطرة العسكرية والاستحواذ على محافظة أرخبيل سقطرى.
بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، تغرق السعودية في معارك معقدة ميدانية وسياسية وحقوقية؛ من المتوقع أن تزداد معها مهمتها العسكرية في اليمن، تعقيداً وصعوبة في المدى المنظور.
وفي الحقيقة لم تكن السعودية لتحتاج إلى الغرق في مستنقع اليمن على نحو ما نرى اليوم، إذا أظهرت منذ البداية نوايا حقيقية لدعم السلطة الشرعية وتمكينها من دحر الانقلابيين واستعادة صلاحياتها الدستورية. ولكنها لم تفعل للأسف الشديد، بل على العكس، ها هي تذهب في اتجاه مختلف تماماً، انطلاقاً من أولوياتها أو وفقاً للأجندة المشتركة مع الشريك الأكثر سوءا في التحالف، وهو الإمارات.
الحكومة اليمنية هي الخاسر الأكبر من مغامرة
المواجهة مع الخبراء الدوليين البارزين، ومع إرادة المجتمع الدولي التي يبدو أنها جادة هذه المرة في فضح انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن جميع الأطراف.
صحيح أن تقرير الخبراء شابته أخطاء خطيرة وغير مقبولة، لكنه في المحصلة أُنجز وفق معايير لم تكن لتسمح، والوضع في اليمن على ما هو من التعقيد، في نقل الصورة الكاملة التي كانت تتطلع إليها الحكومة.
لكن الحكومة ارتكبت خطأ جسيماً في مناصبة المجتمع الدولي العداء، وهي التي تمثل الطرف الأضعف والانظف في معادلة الحرب الدائرة في اليمن، وتمتلك قضية عادلة. وكان يفترض أن تصدر هذه المواقف عن مليشيا الحوثي وليس الحكومة، إلى جانب أن هذه الحكومة ستفقد ورقة رابحة كانت تستخدمها في مواجهة التجاوزات الإماراتية.
لقد تم استخدام الحكومة بشكل غير نزيه من جانب تحالف الرياض- أبو ظبي، الذي لا يرى أن أي جهد حقوقي مستقل ينقل صورة الانتهاكات كما هي في اليمن، سيلحق الضرر بمصالح هذا التحالف.
فهذا التحالف يعبر في مجمله سلوكه العسكري والسياسي في اليمن عن انحراف خطير لمهمته. إذ ليس من أولوياته إعادة الاستقرار إلى اليمن، وليس من أولوياته مساعدة اليمنيين على استعادة دولتهم وتمكينهم من تحقيق الانتقال السياسي الذي يفضي إلى بناء دولة اتحادية ديمقراطية.
هذه الدول الشمولية والقمعية تشعر بحساسية شديدة تجاه الديمقراطية والعدالة، ويجب أن لا ننسى أن وجود السعودية والإمارات في اليمن يأتي ضمن أجندة الثورة المضادة؛ التي من بين أهم أهدافها تجريف المضمون الديمقراطي للدولة اليمنية التي أنتجتها ثورة 11 شباط/ فبراير 2011.
كم يبدو الجدل الذي تخوضه مجموعة دول قمعية مثل السعودية والإمارات ومصر والبحرين، مثيراً للاشمئزاز، خصوصاً وأنها تَصِمُ أمةً بكاملها بالقمع، بادعائها أنها تمثل المجموعة العربية.. لا يحق لهذه الدول أن تجادل في قضايا حقوق الإنسان، فالإنسان في هذه البلدان يفقد قيمته وجوهره الإنساني كلما حاول أن يستنشق نسيم الحرية أو يمارس حقاً طبيعياً من حقوقه.