هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
حذر أطباء ومتخصصون من تفاقم ظاهرة هجرة الأطباء في مصر؛ بسبب تدني الرواتب، وضعف الإمكانيات، وعدم توافر بيئة آمنة، ما أدى إلى زيادة النقص في عدد الأطباء في العديد من التخصصات في جميع المؤسسات الصحية.
وشهدت الشهور الأخيرة استقالة مئات الأطباء، وتغيير صفتهم من طبيب عامل بوزارة الصحة إلى طبيب حر، للعمل إما في الخارج، أو في القطاع الخاص، بحثا عن دخل أفضل، وبيئة أمثل، وبلغ عدد من تقدموا باستقالتهم في الفترة من كانون الثاني/ يناير وحتى أيلول/ سبتمبر إلى نحو 1400 طبيب .
وفي منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، وخلال الاجتماع الطارئ للجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، لبحث تداعيات وفاة وإصابة 15 مريضا بالفشل الكلوي أثناء إحدى جلسات الغسيل بمستشفى بمحافظة الشرقية، أقرت وزيرة الصحة المصرية، هالة زايد، بوجود عجز كبير في عدد الأطباء في مستشفيات الوزارة لعملهم بالخارج حيث إن 60 في المئة من الأطباء في السعودية وحدها.
حجم النقص
وفي محاولة للبحث عن حل للأزمة، فقد طالب نواب بالبرلمان بوضع فترة زمنية محددة لكل الأطباء المصريين العاملين في الخارج، بحيث لا تزيد فترة عملهم على خمس سنوات ثم يعودوا مره أخرى إلى عملهم في مصر، وإلا يفصلون من عملهم بشكل نهائي، الأمر الذي يرفضه الأطباء، وتعتبره النقابة غير قانوني.
اقرأ أيضا: هل ينجح السيسي في خطته للتنصل من عبء المستشفيات الحكومية؟
وقدرت مؤسسة الحق في الصحة (حكومية) حجم العجز في عدد الأطباء بنحو 30 في المئة، والتمريض بنحو 55 في المئة، مشيرة إلى أن عدد الأسِرّة المتوفرة أقل من 50 في المئة من المتوسط العالمي الذي يبلغ 2.9 سرير لكل ألف مواطن، على الرغم من وجود 103 آلاف طبيب في مصر.
وفي تصريحات لـ"عربي21" طالب أطباء بتطبيق دستور 2014 وزيادة معدلات الإنفاق على قطاع الصحة بالموازنة العامة إلى 3 في المئة، والتدرج بها إلى 6 في المئة للوصول إلى المعدل العالمي بدلا من تقليصها إلى 1.7 في المئة في الموازنة الحالية.
استقالات بالجملة
وكشف الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء السابق، رشوان شعبان، أن "إجمالي عدد الأطباء الذين تقدموا باستقالتهم منذ يناير 2018 وحتى سبتمبر الماضي بلغ 1385 طبيبا، بعد أن كان نحو ثمانمئة طبيب قبل فترة قليلة" مضيفا أن "الرقم قابل للزيادة".
وأرجع سبب الاستقالات إلى أن "بيئة العمل في قطاع الصحة في مصر طاردة للأطباء، فمعظم الأطباء إما هاجروا هجرة كاملة إلى دول مثل أمريكا وأستراليا وأوروبا، أو هجرة مؤقتة كالعمل في دول الخليج لمدد محدودة ثم يعودون للعمل".
وأضاف لـ"عربي21" أن "العمل في المستشفيات الحكومية بشكل عام غير مجد بالنسبة للأطباء سواء من الناحية المادية أو الأدبية أو الوظيفية؛ لأنها لا توفر أدوات الإجادة والمهارة في العمل؛ لذلك يتركها الأطباء إما للسفر أو الهجرة أو التفرغ للقطاع الخاص".
اقرأ أيضا: السيسي يقر بفشل المشافي الحكومية ويعرضها للخصخصة (فيديو)
وبِشأن خيارات الحكومة لمواجهة هروب الأطباء، وتأثيره على القطاع الصحي، أكد "شعبان" أن الحل المثالي "يكمن في معرفة سبب الأزمة ومعالجته، وإصلاح منظومة العمل الطبية في مصر؛ وبالتالي تقل أسباب الهجرة بدلا من إصدار قرارات تضر الأطباء كمنع الإجازات، ومنع السفر، ما يضطرهم للاستقالة لأن العائد في عام واحد يساوي العائد في 10 سنوات في مصر، كما أن غياب الكفاءات يقلل من مستوى الخدمة في مستشفيات الحكومة".
اضطهاد الأطباء
وأرجع استشاري أمراض القلب بالخارج، عادل عارف، هجرة الأطباء من مصر إلى عدة عوامل، قائلا: "أولا، عدم استكمال تجهيزات عدد كبير من المستشفيات، وهو ما يجعل شريحة واسعة من الأطباء عاجزين عن أداء مهنتهم بكفاءة عالية، وثانيها، الضعف الشديد في رواتب الأطباء، حتى أصبح راتب الاستشاريين والإخصائيين لا يتجاوز رواتب صغار العاملين في الخارجية أو القضاء، فضلا عن الداخلية والجيش"، مضيفا أن "راتب طبيب في الخارج في يوم أو يومين يعادل راتب شهر كامل في مصر".
وأضاف لـ"عربي21" أن "الطب كمهنة إنسانية، والطبيب كصاحب رسالة كان يشبع هذا الجانب في أداء مهنة الطب في العمل الخيري، والمستشفيات الخيرية التي تقدم خدمات حقيقية لا شكلية، ولكن مع غياب وضعف هذه المنظمة في السنوات الخيرة افتقد الأطباء الجانب الإنساني الذي كانوا يؤدونه".
وحمل استشاري أمراض القلب الدولة مسؤولية هروب الكوادر الطبية بسبب سياساته البوليسية، قائلا: "لا ننسى انتشار التدين بين عدد كبير من الأطباء، واضطهاد الدولة لتيار ديني معين، وفصلهم من عملهم سواء في المستشفيات أو الجامعات، مع انتشار البلطجية في السنوات الأخيرة أصبح عدد كبير من الأطباء غير آمنين على أنفسهم سواء في عملهم أو في بيتهم؛ كل ذلك دفع الأطباء ويدفعهم للعمل بالخارج".