درجت تسمية السلطات في بلاد معينة باسم نظام الحكم، وإذا كان من غير المعروف تاريخ هذه التسمية، فقد نشأت أجيال عربية على مصطلح أنظمة الحكم العربية، في الإعلام وفي الأدبيات السياسية، للدلالة على اختلاف طبيعة الحكم فيها ما بين ملكي ورئاسي وأميري.
لكن كلمة نظام في الغالب ما كانت تستخدم كنوع من التصغير والاحتقار، أو للدلالة على حالة غير سوية جوهرها سرقة السلطة واحتكارها ضمن فئة محدّدة، وصناعة منظومة سلطوية تابعة، من جيش وأجهزة أمنية وحزب حاكم. وتتم عملية صناعة القرار ضمن دوائر ضيقة، وتعتمد هذه الأنظمة على الدعاية والقمع كوسيلتين لضبط المجتمع المحكوم، أو بلغة أدق؛ ترويضه وتدجينه.
من هنا جاءت تسمية النظام السوري، لدرجة أن هذه التسمية باتت لصيقة باسم السلطة في
سوريا، وقد عبر بشار الجعفري، مندوب الأسد في الأمم المتحدة، عن غضبه واستهجانه من استعمال دبلوماسيين من طراز مندوبي الدول في مجلس الأمن؛ لمصطلح النظام، بدل استخدام مصطلح الحكومة السورية.
لكن، ولدى معاينة سلوك منظومة الأسد الحاكمة، نجد أن مصطلح نظام يبدو غير منطقي في تسميتها، ذلك أن هذا المصطلح، على محمولاته السلبية، فإنه يرمز لبنية سياسية ذات صفات معينة غير موجودة لدى منظومة الأسد، التي تبدو أقرب للعصابة منها للنظام، وذلك للأسباب التالية:
- التعاطي مع السياسة في حدودها الدنيا ومن خلال شكليات، حيث كل شيء يدخل في الإطار العسكري والأمني، وإدارة المجتمعات وإدارة صراعاتها، والشؤون الاقتصادية وغيرها.. كل ذلك يمر عبر نافذة الأمن، أما السياسة فليست سوى واجهات شكلية وهياكل فارغة.
- المجال السياسي لا يزال متخلفا، يقتصر على الحزب الحاكم، وهذا ليس سوى ديكور، وحينما يجري تفعيله فهو أداة للبطش وجهاز استخاراتي رديف للأجهزة الأخرى، ومثله النقابات والاتحادات. فالمجتمع المدني مسيطر عليه بشكل كامل من قبل هذه الجهات.
- الحامل الاجتماعي ليس طبقة ولا فئة اجتماعية واضحة، بل مجموعة متنفعين انتهازيين، في بداية
الثورة ونتيجة الفرز الذي حصل بين مؤيد للثورة ومؤيد للسلطة تكشّف بشكل كبير أن الفئات التي تعمل بقطاعات السمسرة والتهريب والفاسدين في القطاع العام والمرتشين والذين يديرون بيوت الدعارة هم الأكثر أصالة وشراسة في تأييد الأسد، وحتى رجال الدين المنحرفين الذين يتعاطون مع الدين بوصفه تجارة وربحا.
- عدم احترام القانون، من الدستور إلى القوانين الأخرى، في مرحلة السلم طالما جرى التعبير عن هذا الأمر من خلال تجاوز كل القوانيبن في اعتقال المواطنين وفي إخفائهم ومداهمة المنازل بدون مذكرات قضائية، فمثلا في عام 2004 جرى اعتقال أعداد كبيرة من الذين شاركوا في حرب العراق عن طريق اختطافهم من الشوارع أو مداهمة منازلهم عند الفجر، ولكي يعرف ذووهم أماكن وجودهم كان يتطلب الأمر دفع مبالغ ضخمة من الرشاوى لأجهزة المخابرات، ومن لا يملك المال فإن مصير ابنه الاختفاء إلى الأبد بعد تصفيته في السجون. هل ثمة نظام في الشرق والغرب لا يزال يستخدم أسلوب الإخفاء في القرن الحادي والعشرين؟
- قتل المعارضين السياسيين، والحادثة الأقرب، قتل حوالي ألفي معارض في سجن تدمر وإعدامهم ميدانيا، بل إن جرائم عصابة الأسد ظهرت بشكل واضح وفاضح في لبنان، حينما أقدم جهاز الأمن العسكري على قتل عشرات المعارضين للوجود السوري، وأغلبهم شخصيات سياسية وفكرية.
هذا وضع السلطة في سوريا قبل الثورة، قبل أن تكشف عن وجهها الأبشع، أو يمكن القول إظهار حقيقتها بدون مكياج، ذلك أنه في مرحلة قبل الثورة لم تكن مضطرة بقدر كبير لكشف نفسها، وكانت تسعى إلى تطوير وضعها إلى مستوى العصابة "الموديرن". فوضع العصابة التقليدي لم يعد يناسبها؛ نظرا لتوسع نشاطها الاقتصادي وتراكم الثروات التي تمتلكها نتيجة النهب والفساد والتهريب، وقامت بإلباس عناصرها السموكنغ وعلّمتهم اللغات الأجنبية، وصدّرت أسماء الأسد كسيدة مجتمع للاستحواذ على مشاريع جمعيات المجتمع المدني وأمواله الهائلة، وهي خبرة تعلمتها العصابة من تجربة سوزان مبارك في مصر وليلى الطرابلسي في تونس.
بعد الثورة، تكشّف وجه العصابة الحقيقي، أصبحت عمليات القتل والإخفاء بمئات الآلاف، وعمليات السرقة والنهب" التعفيش" تجري في وضح النهار، حتى إن الكثير من العناصر المقاتلة لم يكن لهم مرتبات، بل جرى الاتفاق مع المتعهدين الذين يجلبونهم على أن يكون البدل النقدي لهم مما ينهبونه من الأحياء التي جرى توزيعها كقطاعات بين المتعهدين.
يحاجج المدافعون عن عصابة الأسد بأنهم دولة ونظام حكم كونهم لديهم مؤسسات ويقدمون خدمات للمجتمع، والواقع أن العصابة لديها مؤسسات لتصريف أعمالها وإدارة مصالحها. وقد ثبت عبر دراسات محايدة أن المؤسسات في سوريا لها هدف حقيقي واحد، وهو تكريس سلطة العصابة وإدامتها. أما الخدمات، فحتى أزعر الحارة في نسخ السلطة القديمة كان يقدم خدمات معينة، وكذلك الفتوات والقبضايات، وذلك بهدف إسكات المجتمعات وضمان عدم انفجارها في وجه العصابة.
وفق هذه المقاييس، نجد أن أغلب ما يسمى أنظمة الحكم في عالمنا العربي، ليست سوى عصابات حاكمة، لديها إعلام وفضائيات وسفارات وممثلون في الأمم المتحدة.. هم زعران الحارات بمظهر موديرن، حتى إن دول العالم الخارجي تتعاطى معهم وفق هذه الصفة.