هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تثير معضلة تعثّر تشكيل الحكومة اللبنانية المخاوف من "تراجع" الدول المانحة للبنان في مؤتمر سيدر الدولي عن التزاماتها في تقديم قروض بقيمة تقارب 12 مليار دولار.
ويشترط المانحون في المؤتمر الذي أقيم في نيسان/ أبريل الماضي في باريس على ضرورة إحداث إصلاحات كبيرة في مفاصل الاقتصاد اللبناني ومحاربة الهدر والفساد، وأبدت الحكومة المنتهية ولايتها حينها استعدادها وإصرارها على تلبية الشروط.
وسلطت الأضواء على مضمون لقاء رئيس الجمهورية اللبنانية، العماد ميشال عون مع نظيره الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي عقد، الجمعة، على هامش أعمال القمة الفرنكوفونية السابعة عشرة المنعقدة في العاصمة الارمينية يريفان.
تحذيرات ولكن؟
وعلى الرغم من أنّ التحذيرات الأوروبية- الفرنسية سبقت قمة الرئيسين، فإنّ عون حرص في تصريحاته مع الصحفيين عقب اللقاء على الحديث بأنّ "الاجتماع مع ماكرون ليس بهدف تشكيل الحكومة، لأن هذا شأن لبناني بحت"، مستدركا بأنه "يرغب بتشكيلها وخصوصا بعد إجراء الانتخابات النيابية"، وبما يتعلق بطبيعة التحذيرات والتخوفات الفرنسية على مؤتمر سيدر، قال عون: "عندما يصرح الرئيس ماكرون بذلك سوف تعلمون بالأمر".
وفي بيروت، حضرت اللقاءات اللبنانية- الفرنسية من خلال محادثات الموفد الفرنسي المعني بمتابعة تنفيذ مؤتمر سيدر بيار دوان مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف للحكومة سعد الحريري، وقد ألمح دوكان في تصريحاته المتطابقة على الثغرة المتمثلة في "مرور أشهر بعد مؤتمر سيدر دون الشروع فيه، بفعل تعثر تشكيل الحكومة".
اقرأ أيضا: الحريري يأمل بتشكيل حكومة قريبا بعد "تنازلات من الجميع"
مضمون مركب
واعتبر الوزير السابق ديميانوس قطار أنّ "مؤتمر سيدر يحمل مضمونا مركبا لجهة التحسينات المفروض على لبنان إحداثها في بنيته التحتية، وأيضا على صعيد الإصلاحات في المجالات المختلفة بما يُحدث توازنا وثقة لدى المجتمع الدولي المانح"، مضيفا: "الشروط المطلوبة من أجل الاستدانة تتضمن تفاصيل إضافية غير معلن عنها، وربما تتعلق بأعباء إضافية تضغط على خزينة الدولة".
وعن أٍسباب هذه التحذيرات، رأى قطّار في تصريحات خاصة لـ"عربي21" أن "التجربة السابقة في المؤتمرات المانحة للبنان لم تكن مشجعة"، مستشهدا بنتائج مؤتمر باريس ثلاثة عام 2009 عندما "طلب المانحون سلّة إصلاحات جذرية وجريئة لم تستطع الحكومة ولأسباب مختلفة تحقيقها".
وأضاف: "ما يحصل الآن مرتبط بعامل الثقة بلبنان، وما يطلبه المانحون في سيدر واضح لجهة الإصلاحات التي تمنح الثقة بقدرة لبنان على معالجة معضلته الاقتصادية والاستثمار الهادف للقروض التي يحصل عليها في إطار من الشفافية".
وتطرق الى المخاوف الأوروبية، قائلا: "تربط الاتحاد الأوروبي مع لبنان اتفاقية حسن الجوار، وهو يراقب أداء الحكومة في تلبية التحسينات المطلوبة، مع الأخذ بالاعتبار حرص الأوروبيين على تحصين لبنان من التأثيرات الإقليمية، ومنع أي انزلاقات تهدد استقراره".
وأعرب قطّار عن تفاؤله من قدرة الحكومة المقبلة على تخطي الصعاب وما وصفه بـ"التحديات"، وقال: "استطاع اللبنانيون مرارا تخطي العراقيل والمطبّات التي واجهتهم في فترات سابقة"، مردفا: "نعوّل على الطبقة السياسية الحالية أن تعمل بجدية وتوفي بالتزاماتها تجاه اللبنانيين وتمنح المجتمع الدولي الثقة في الوصول إلى نهاية الماراثون بنجاح وتفوق".
التداعيات
ورأى الكاتب والباحث الدكتور نسيب حطيط أنّ "التحذير من تداعيات الوضع الاقتصادي الحالي ليس تنجيما، لأنه بلغ فعليا حافة الخطر ويعيش على المسكنات وجرعات الاستدانة المستمرة منذ عقدين من الزمن"، موضحا: "التعثر كان يغطى من خلال وجود حكومة وفي ظل حضور المؤسسات الدستورية بما يعوّض ويحدّ من حجم الأزمات الاقتصادية من خلال المعطى السياسي".
إقرأ أيضا: خبراء اقتصاديون: لبنان يتجه إلى كارثة والأجندات الدولية حاضرة
ووصف الوضع الراهن بالدقيق لغياب "الغطاء السياسي الداخلي وافتقاد الوضع المعيشي للثقة ولتغطيته الإقليمية والدولية"، مشيرا إلى أن "انعكاسات المشهد اللبناني واضحة على المؤسسات الدولية التي دأبت على إقراض لبنان أو التي تتعامل معه على مستوى التأمينات والمشاريع المتعلقة في فترات سابقة".
وحذّر حطيط من استمرار الفراغ الحكومي في لبنان، معتبرا أن "غياب الحكومة يبدّد أي أمل في إدارة الأزمة ونسج خطط حقيقية باتجاه الخروج من الأزمة وتذليل العراقيل"، لافتا إلى أن الضرر الذي يلحق بلبنان نتيجة الفراغ كبير للغاية"، موضحا: "أظهرنا قدرتنا على إنجاز الانتخابات بشكل ديمقراطي لكن من دون القدرة على عكس ما تحقق من خلال تأليف حكومة لاستكمال المشهد الدستوري المتعارف عليه".
وتناول حطيط المخاطر التي واجهها لبنان في الآونة الأخيرة، فقال: "واجهنا خطرا إسرائيليا واقتصاديا وتكفيريا (يقصد تهديدات الجماعات المسلحة)"، مضيفا: "الخطر الأخير انحسر لكن ثمة مخاطر أخرى يستوجب مواجهتها في إطار مؤسساتنا الدستورية"، مشددا على أن "ثمة مسائل أخرى لا بد من التعامل معها في إطار الحكومة ولعل أبرزها العقوبات الأميركية التي تستهدف حزب الله وتتجاوز تأثيراتها الحزب وبيئته لتطال مختلف اللبنانيين".
وإزاء التحذيرات الفرنسية المتواصلة للرئيس عون حول ضرورة تشكيل الحكومة سريعا، أكد حطيط أن "الغرب يحاول من خلال النافذة الفرنسية تحميل الرئيس عون مسؤولية تعثر التأليف الوزاري، وتحاول هذه المواقف حثّه على إيجاد الحلول لو كانت من حصته الوزارية".