أثار استدراج الكاتب السعودي جمال
خاشقجي إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، لاغتياله فيها بشكل وحشي، تساؤلات حول ما يمكن أن يتعرض له الحجاج والمعتمرون في الأماكن المقدسة، نظرا لبشاعة الجريمة التي تشغل وسائل الإعلام العالمية منذ أكثر من شهر، بالإضافة إلى ارتكابها في مقر دبلوماسي لا يُتخيل أن يكون مسرحا لمثل هذه الجرائم.
النقاش حول تنظيم
الحج قديم، كما أن تولي الدول الإسلامية إدارة مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ قضية تمت إثارتها بعد ثورة الخميني في إيران، في سياق الصراع السعودي الإيراني، إلا أن موضوع اليوم يختلف إلى حد كبير عن الدعاية الإيرانية، في ظل ازدياد الملاحظات على الإدارة
السعودية للحج والعمرة. وجاءت جريمة اغتيال خاشقجي فصبَّت الزيت على النار.
السعودية كانت ترفض دائما محاولات إيران لتسييس الحج، مؤكدة أنه عبادة لله تعالى، ولا مكان فيها للسياسة. ولكنها اليوم هي نفسها تقوم بتسييس الحج والعمرة، ولأسباب سياسية بحتة تمنع عباد الله من زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء مناسك الحج أو
العمرة، كما فعلت للقطريين بعد أن قطعت كافة علاقاتها مع الدوحة.
القطريون ليسوا وحدهم في الحرمان من أداء مناسك الحج والعمرة، بل معهم الفلسطينيون الذين يشيرون إلى أن السعودية وضعت شروطا تعجيزية على الحجاج والمعتمرين من فلسطينيي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل، وأعلنت أنها لن تستقبل الحجاج والمعتمرين من حملة الجواز الأردني المؤقت، بحجة عدم وجود رقم وطني أردني، وهذا يعني حرمان الآلاف من الفلسطينيين الذين لا يحملون أية وثائق سفر أخرى، من زيارة الأماكن المقدسة. ويعبر هؤلاء عن خشيتهم من أن تحمل هذه القضية في طياتها أبعادا سياسية، ويدعون إلى إبعاد الحج والعمرة عن المناكفات والمساومات السياسية بين دول المنطقة.
الحرمان من أداء الحج والعمرة أهون من اعتقال الآمنين الذين يدخلون البلاد بطرق شرعية لأداء الحج أو العمرة، وتسليمهم إلى جلادهم، كما حدث لليبيين الثلاثة الذين اعتقلتهم السعودية في حزيران/ يونيو 2017 في مطار جدة، أثناء عودتهم إلى ليبيا بعد أداء مناسك العمرة. وكان هؤلاء دخلوا الأراضي السعودية بعد حصولهم على تأشيرة العمرة، ولم يرتكبوا أي مخالفة خلال تواجدهم في مكة والمدينة وجدة. ولم تكشف السلطات السعودية عن مصيرهم حتى اليوم، في ظل وجود تقارير تتحدث عن تسليمهم إلى الأجهزة الأمنية الموالية للواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر.
نعمان كورتولموش، نائب رئيس حزب العدالة والتنمية التركي،
أعرب السبت الماضي في برنامج تلفزيوني، عن قلقه من عدم شعور المسلمين بالطمأنينة خلال أداء مناسك الحج والعمرة، نتيجة ما حدث للكاتب السعودي جمال خاشقجي، محذرا من تداعيات عدم كشف ملابسات جريمة اغتيال خاشقجي. وقال إن "المسلمين سيشعرون بالقلق من التعرض لنفس مصير خاشقجي خلال الحج والعمرة"، مضيفا أن المسلمين إذا شكّوا في أمن الحج فلن تبقى صفة "خادم الحرمين الشريفين"، ولن يتم أداء الشعائر بطمأنينة.
كان رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، قد عبر في أيلول/ سبتمبر 2015 عن رفضه تحميل السعودية مسؤولية حادث التدافع بمشعر منى، مشيدا بالجهود التي تبذلها السعودية في تنظيم موسم الحج. وكانت إشادة أردوغان بفعل السعودية ما بوسعها لضمان حسن سير مناسك الحج؛ جاءت بعد ما صدر من مسؤولين أتراك ما يوحي بالدعوة لتدويل الحج. وبعد حوالي ثلاث سنوات، هل تغير الموقف التركي الرسمي من الإدارة السعودية للحج، أم لا؟
أعتقد أن تصريحات كورتولموش لا تدل على الدعوة إلى تدويل الحج والعمرة، ولا محاولة استغلال القضية لأغراض سياسية، بل هي تلفت الانتباه إلى مشكلة تهدد أمن الحرمين. وإن كانت مكة والمدينة تقعان في الأراضي السعودية فإن أمنهما يهم جميع المسلمين. ولا أحد يرغب في الحج والعمرة وهو لا يدري هل سيتم الغدر به أم لا؟
تركيا لا ترغب في تدويل قضية اغتيال خاشقجي، إلا أنها قد تضطر لذلك، في ظل امتناع السعودية عن التعاون في كشف ملابسات الجريمة ومعاقبة المجرمين. كما أن قضية تدويل الحج ليست بحاجة إلى من يثيرها؛ لأن السعودية هي نفسها تقوم بهذه المهمة من خلال خطوات خاطئة أفقدت بلاد الحرمين مكانتها، من قبيل اغتيال خاشقجي، واعتقال العلماء والدعاة، واستغلال منبري الحرمين في التطبيل، والتآمر على الشعوب لصالح الطغاة الدكتاتوريين، وقتل الأطفال في اليمن، وحصار قطر، والتنسيق مع كوشنر في صفقة القرن، والتقارب مع الكيان الصهيوني.