نشر موقع "جيزمودو" الأمريكي تقريرا، تحدث فيه عن أحدث الدراسات التي كشفت عن حقائق جديدة عن تاريخ البشرية في القارة الأمريكية.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إن النتائج التي توصلت إليها ثلاث دراسات جديدة في علم الوراثة، قدمت صورة رائعة ومعقدة لأول بشري في أمريكا الشمالية والجنوبية، وكيفية توزع البشر بين القارتين.
وأضاف الموقع أن أول أشخاص وصلوا إلى أمريكا الشمالية في العصر الجليدي الأخير قبل حوالي 15 ألف سنة، عن طريق رحلات على طول الساحل الغربي أو عبر طريق برية داخلية. ووجد هؤلاء السكان أنفسهم في مساحة ضخمة يغطيها الجليد. وافترض العلماء أن السكان انقسموا إلى مجموعات، مع تحركهم جنوبا، ولم يجتمعوا مرة أخرى أبدا. وقد أدت هذه الهجرة والتشتت في رحلتهم نحو الجنوب إلى توزع السكان في كلتا القارتين.
وأشار الموقع إلى أن بحثا جديدا أثبت أن الأمر أكثر تعقيدا من ذلك بكثير، حيث رصدت ورقتين بحثيتين في مجال علم الوراثة حركة البشر الأوائل في أثناء انتشارهم في القارتين الأمريكيتين، مشيرة إلى أنهم تفرقوا بين الشمال والجنوب. كما أظهرت ورقة بحثية ثالثة ما حدث لمجموعة من المهاجرين الذين اتخذوا من جبال الأنديز العالية مسكنا لهم.
وأوضح الموقع أن ورقة علمية لديفيد ميلتزر، من قسم
الأنثروبولوجيا في جامعة ساوثرن مثوديست في دالاس، وعالم الآثار إيسك ويليرسليف، رصدت انتشار البشر من ألاسكا إلى حدود أمريكا الجنوبية، في منطقة تعرف باسم باتاغونيا. ويقدم تحليلهم صورة معقدة لتوسع السكان وتوزعهم بين القارتين.
وفي هذا السياق، توصل الباحثان إلى أن أسلاف السكان الأمريكيين الأصليين هاجروا بعيدا عن أمريكا الوسطى، أي المنطقة الواقعة وسط الأمريكيتين، باتجاه كل من أمريكا الشمالية والجنوبية. وانتقلت هذه المجموعات بسرعة وتوزعوا بشكل غير متساو، كما أن تزاوج بعضهم مع السكان المحليين زاد من تعقيد المشهد الوراثي والتاريخي أكثر. وقال ديفيد ميلتزر، إن "النتائج تشير إلى أن الشعوب الأولى كانوا ماهرين جدا في التحرك بسرعة في هذه المناطق. لقد كانت لديهم قارة كاملة لأنفسهم، وقد كانوا يسافرون بسرعة مذهلة لمسافات طويلة".
علاوة على ذلك، وجد الباحثان آثارا لمجموعة سكانية غير معروفة تحمل علامة جينية أسترالية مميزة. وقد تم العثور على هذه العلامات في موقع لاغوا سانتا الأثري. وقد عاش هؤلاء السكان فيما يعرف الآن باسم بالبرازيل منذ حوالي 10400 سنة. ولم يتوصل الباحثون خلال دراستهم لعيينات أخرى إلى علامات جينية مشابهة.
وقد استبعد الباحثان أن يبحر هؤلاء السكان من أستراليا أو إندونيسيا إلى أمريكا الجنوبية، بل من المحتمل أن يكونوا قد انتقلوا من بلدهم الأم إلى الصين وسيبيريا قبل وصولهم إلى القارة الأمريكية. كما يحتمل أيضا أن هؤلاء السكان لم يقضوا الكثير من الوقت في أمريكا الشمالية، نظرا لأنهم لم يتركوا أي أثر وراثي خلال رحتلهم، وتوجهوا مباشرة إلى أمريكا الجنوبية. ويبقى هذا الاكتشاف لغزا مثيرا للاهتمام، نظرا لأن هذه المجموعة قد تكون أول من وصل إلى قارة أمريكا الجنوبية.
وذكر الموقع أن دراسة أخرى لديفيد رايش، عالم أحياء في كلية هارفارد الطبية ومعهد هوارد هيوز الطبي، وكوزيمو بوسث، عالم الآثار في معهد ماكس بلانك لعلم الإنسان التطوري، عمدت إلى تحليل بعض عينات الحمض النووي للوصول إلى تحديد مجموعتين سكانيتين هاجرتا من أمريكا الشمالية إلى أمريكا الجنوبية.
وفي هذا الصدد، قال بوسث لموقع جيزمودو، إنه "بعد تحليل الحمض النووي لبقايا 49 بشريا قديما في أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، عاشوا في الفترة الزمنية ما بين 11 ألف سنة وثلاثة آلاف سنة، توصلنا إلى أن وجود العديد من الجينات القديمة للسكان في أمريكا الوسطى والجنوبية يعود إلى التحركات السكانية العديدة. كما أكدت لنا الأبحاث أن التمركز السكاني للمهاجرين في أمريكا الوسطى والجنوبية لم يكن سريعا فحسب، بل إنه كان مصحوبا بموجات هجرة سكانية متعددة، إلا أن آثار بعض المهاجرين اختفت وترك بعضهم الآخر أثرا جينيا قويا لم يتلاش حتى اليوم".
في الأثناء، أثبتت الأبحاث حول المجموعة الأولى أن شعب كلوفيس، الذي عاش في أمريكا الشمالية منذ حوالي 11 ألف سنة، كان له نفوذ كبير، أكثر مما كان مقدرا في السابق، في مناطق في الجنوب. ومع ذلك، تم استبدال شعب كلوفيس بالكامل من قبل مجموعة أسلاف أخرى منذ حوالي 9000 سنة، وقد تركت هذه المجموعة آثارا في العديد من مناطق أمريكا الجنوبية إلى الآن. ووصلت المجموعة الثانية من المهاجرين إلى جنوب بيرو وشمال شيلي قبل 4200 سنة على الأقل، وربما حدث ذلك قبل ذلك التاريخ بكثير.
ونوه الموقع إلى أن دراسة ثالثة لجون ليندو، عالم الأنثروبولوجيا من جامعة إيموري، حللت جينات أشخاص عاشوا في جبال الأنديز، قبل حوالي 7000 سنة. ودرس فريق ليندو سبعة بقايا بشرية، وقع العثور عليها في منطقة بحيرة تيتيكاكا في جبال الأنديز في بيرو، التي يعود تاريخها إلى ما بين 6800 سنة و1400 سنة مضت.
في سياق متصل، توصل الباحث إلى أن هذه المجموعة من المهاجرين بدأت في التمركز في جبال الأنديز قبل حوالي 12 ألف سنة، كما تكيفت هذه بسرعة مع تضاريس هذا الموقع الجبلي، حيث اكتسبت مناعة ضد درجات الحرارة المنخفضة، وانخفاض الأكسجين، فضلا عن الأشعة فوق البنفسجية.
وفي الختام، لاحظ الباحثون انخفاضا في عدد السكان بعد وصول الأوروبيين والأمراض المصاحبة لهم إلى القارة الأمريكية. وشهدت الشعوب الأصلية، في مناطق عديدة من أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، انخفاضا في عدد سكانها يصل إلى 90 بالمائة. في المقابل، لم يتجاوز معدل الوفيات لسكان جبال الأنديز 30 بالمائة. وفسر العلماء هذا الأمر باكتساب السكان لجينة مناعية، بسبب وجودهم بين المرتفعات، أعطت تأثيرا وقائيا ضد هذه الأمراض. بالإضافة إلى ذلك، أوضح العلماء أن البيئة الجبلية القاسية ربما قد عزلت هذه المجموعة من الأوروبيين والأمراض المصاحبة لها عن سكان جبال الأنديز.