لا أعتقد العصمة في تنظيم بشري، وبالتالي فإن جماعة "
الإخوان المسلمون" ليست عندي مقدسة، لا يجوز نقدها، فأنا أفعل هذا كثيراً، ومع ذلك فإنني للأسف لم أفهم مبرر الهجوم الأخير للباحث
الاقتصادي الدكتور عبد الخالق فاروق عليها بعد تجربة سجنه، وأخشى أن يكون ما فهمته صحيحاً!
لقد فشلت الجماعة مرتين، الأولى بعد الثورة، بعد أن ألهاها التكاثر، وظنت أنها لن تهزم بعد اليوم من قلة، فقد جمعت القوة من أطرافها؛ حيث شرعية الجماهير وانحياز الجيش (حامي الشرعية) لها. والفشل الثاني كان في إدارة المشهد بعد الانقلاب العسكري، وفي الأولى خذل الإخوان الجماهير التي فوضتهم بتمثيل الثورة، بمن فيهم من اضطروا لانتخاب الدكتور محمد مرسي مخافة نجاح آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، وهو الفريق أحمد شفيق. وفي الثانية خذلوا القوى السياسية التي وثقت فيهم، وظنت أنهم يملكون الرؤية لإسقاط الانقلاب، فكانت بين أيديهم كالميت بين يدي مغسله.. كالعلاقة التي تربط المريد بشيخه في النسق الصوفي، ثم بعد فوات الأوان لم تجد هذه القوى على النار هدى، بل وجدت من يقول: ها نحن قد فشلنا، فما الذي يمنعكم من التقدم والانتصار؟!
ولست طرفاً مخدوعاً في الحالتين، فليس سراً أنني لم أنتخب الدكتور محمد مرسي في الأولى، كما لم أكن من عاصري الليمون في جولة الإعادة، وليس سراً - كذلك - أنني لم أكن جزءاً من فعاليات الجماعة وحلفائها على الأرض، فلم أذهب إلى "رابعة"، كما أنني لم أكن عضواً في تحالف دعم الشرعية، أو أي كيان تشكل بعد ذلك، مثل المجلس الثوري وغيره! ومع، هذا فقد أدهشني أن يخرج الدكتور عبد الخالق فاروق بعد تجربة سجن قصيرة، فيصب جام غضبه على الإخوان، ذلك لأنه بدا لي أن الهجوم مفتعل، ولا نعرف الدروس المستفادة منه!
مع حمدين
لتنشيط الذاكرة، فقد كان الدكتور عبد الخالق فاروق منحازاً للمرشح الرئاسي حمدين صباحي، بعد الثورة وبعد الانقلاب، وعندما كان نجاح صباحي وارداً بعد الثورة، لم يكن يساورنا شك أنه سيكون وزيراً للاقتصاد في حكومته؛ لأنه لم يكن هناك أمل في الانتخابات التي خاضها حمدين في مواجهة عبد الفتاح السيسي، والتي ترشح فيها على قاعدة "المحلل"، وهو ما أنهى تجربته السياسية التي امتدت على مدى أكثر من أربعين عاماً، وجعل منه ورقة محروقة سياسياً.
ولتنشيط الذاكرة أيضا، فإن عبد الخالق فاروق كان ثاني اثنين أغلق عليهما إرسال قناة "الجزيرة" بعد اقتحام مكتب القناة في القاهرة، بعد بيان الانقلاب العسكري بإزاحة الحكم المنتخب. وكان الأول هو الدكتور حسن نافعة، وكانت من تدير الحوار هى المذيعة نوران سلام، والثلاثي منحاز للانقلاب، بل وكان البث المباشر من ميدان التحرير، فلم تكن "الجزيرة" حتى مهتمة في هذه اللحظة بشعارها الأثير "الرأي والرأي الآخر"!
عبد الخالق فاروق كان من الذين انحازوا للانقلاب العسكري، وظل على هذا الحال، لم يثنه سقوط حمدين صباحي في الانتخابات. فقد كان - كغيره - يرى عبد الفتاح السيسي "الأمل والمنى"، وربما كان من الذين ظنوا أنه عبد الناصر، وهي واحدة من الدعايات التي تم ترويجها في الشهور الأولى لهذا الانقلاب العسكري. وكان السيسي في نومه ويقظته لا يرى إلا السادات، فيصر القوم على أنه "أبو خالد"، وهو ما دفعني لكتابة مقالي "الاستدعاء القسري لعبد الناصر"، والذي قلت فيه للقوم إنه ليس عبد الناصر ولا يحزنون!
لقد استمروا على هذا الحال، لم يوقفهم احتفاء إسرائيل ودوائر "الرجعية العربية" و"الهيمنة الإمبريالية"، ومن الرياض إلى واشنطن، ولم تذهب السكرة وتحل الفكرة إلا بعد التفريط في التراب الوطني، والتنازل عن تيران وصنافير، عندئذ حصحص الحق، وتبين الرشد من الغي!
لقد كنت أتابع بعض ما يكتبه صاحبنا عبد الخالق، بعد هذه الفترة، فأجده يوجه نقداً للنظام القائم في مجال تخصصه وهو الاقتصاد، إلى أن وقعت أزمة كتابه الأخير، الذي جاء رداً على قول عبد الفتاح السيسي بأن
مصر بلد فقير. ومجمل ما جاء في الكتاب، هو أنها بلد غني بموارده، لكن سياسات أهل الحكم هي التي جعلتها بائسة على هذا النحو!
لقد اعتقل الناشر في بداية الأمر، وتمت مصادرة الكتاب، ثم
اعتقل المؤلف، وهي سابقة لم تحدث في مصر من قبل، وقضت النيابة بحبسهما احتياطياً، مع أن الرئيس محمد مرسي أصدر قانوناً بمنع الحبس الاحتياطي في عموم جرائم النشر. وكان واضحاً أن المستهدف هو الانتقام منه والتنكيل به!
موقف الرافضين للانقلاب
واندفع كثيرون من الجبهة الرافضة للانقلاب، تكتب دفاعاً عنه، وتروج لكتابه بنشر نسخته الكترونيا، وكانت هناك قلة تدعي النقاء الثوري، ترى أنه لا يجوز الدفاع عن من شارك في الانقلاب، ولم يدن الدماء التي سالت، والجثث التي أحرقت، وهي الجريمة التي تمت بتفويض منحته قوى الفشل السياسي، والتي خرجت الآن من المولد بلا حمص، بل وصار المنتمون لها قلة يخافون أن يتخطفهم الأمن، بعد أن أعجبتهم كثرتهم في يوم 30 يونيو، ومنهم من ظن، أن هذه هي قاعدتهم الجماهيرية العريضة، ولم يعلموا أنها الدولة العميقة. وكان حمدين صباحي يدرك تماماً أن الحزب الوطني سيكون حاضراً، ولهذا طلب من أنصاره في هذا اليوم ألا يسألوا من بجوارهم إن كانوا ينتمون لهذا الحزب، فالخلاف بينهم ثانوي، لكنه جوهري مع الإخوان، وهم بالمناسبة حلفاء حمدين صباحي على مدى ثلاث انتخابات برلمانية!
وبعد الثورة، وقد خذلنا الإخوان، كما خذلوا غيري، فالوحيد الذي كانوا أوفياء معه هو حمدين صباحي وحزبه "الكرامة"، الذي خاض مرشحوه الانتخابات على قوائم "الحرية والعدالة"، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين!
وعقب خروجه من السجن، وبدلاً من أن يشبتك صاحبنا مع سجانه، افتعل معركة مع الإخوان المسلمين، فنشر قائمة من 55 اسما، قال إنهم رجال أعمال الجماعة، لتذكرنا القائمة بقوائم النظام الخاصة بالأفراد الذين صودرت أموالهم، أو وضعوا على قوائم الإخوان. وقد حاولت أن أعرف الدروس المستفادة من هذا النشر ففشلت، فالمعلوم من الإخوان بالضرورة أن فيهم رجال أعمال، فهل هذه جريمة؟!
الرأسمالية الإخوانية
لقد عثرت بعد قراءة القائمة، على عبارات مثل الرأسمالية، ربما ليعطي الكاتب ما كتب لوناً أيديولوجيا، وقد يدخلهم في إطار الرأسمالية المستغلة، وانتهاكهم لقانون العمل مثلا في التعامل مع "الطبقة العاملة"، لكن "الرأسمالية" كانت كلمة هو قائلها بدون ضرورة موضوعية.
ومن بين الأسماء، عصام عبد العليم (صاحب شركة في مجال البناء)، ومحسن راضي (يمتلك شركة الرحاب للإنتاج السينمائي ومدارس الفتح)، وأحمد شوشة (شريك متضامن في شركة للإنشاءات)، وعمرو دراج (صاحب مكتب هندسي). لم يذكر أن محمد طوسون المحامي (صاحب مكتب محاماة)!
وأدهشني أنه لا يوجد من بين الإخوان من هو صاحب "فرن بلدي"، إذن لكان لهذا مبرر يساري، بالقول بأن المستهدف هو السيطرة على طعام المصريين!
ماذا في وجود رجال أعمال، يسار أو يمين؟ وماذا في وجود رجال أعمال ناصريين؟!
لم أر من بين من وردت أسماؤهم في القائمة من يحتكر السلع الغذائية، أو أناط به التنظيم السيطرة على أي مجال اقتصادي بما يضر بالأمن القومي للبلاد، فماذا في وجود رجال أعمال ينتمون للإخوان، يستلزم استدعاء مصطلحات الرأسمالية؟ إلى أن وصلت لبيت القصيد!
فقد قال: على "أية حال". فما هو "الحال" ليكون له "أية"؟! فعلى أية حال، وبرغم الدعم المالي الكبير الذي حظيت به حكومة الإخوان (مرسي- قنديل) خصوصاً من "إمارة قطر" من أجل التغيير، فإذا بالرجل وتنظيمه الذي يدعي المشاركة في الثورة يربط مصيره ومستقبل نظامه برموز وشبكات مصالح برجال النظام السابق!
ويبدو أن صاحبنا في اشتباك مع زميلنا "قطب العربي"، لم أتابعه، فذكر أن "سي قطب العربي" وغيره هم مجرد مشروعات رأسمالية جشعة. أيضاً ليعطي للموضوع رصانة أيديولوجية!
والمشروع الرأسمالي الجشع قطب العربي، هو من الذين دافعوا عن عبد الخالق فاروق معتقلاً، كما يدافع عن جميع المعتقلين من كل القوى السياسية؛ لأنه من دعاة التوافق بين قوى الثورة.. لكن لا بأس، فالآن له أن يكتشف ذاته، وأنه ليس أكثر من مشروع رأسمالي جشع، قابل للتطور ليكون مشروعا رأسماليا طفيليا، ثم مشروعا رأسماليا مستغلا، عندئذ نكون على موعد مع الثورة البلشفية، ونواجهه بشعار: "يا عمال العالم اتحدوا"!
وددت لو ذكّر الخبير الاقتصادي، بما لديه من رؤية اقتصادية ثاقبة تقف على خط النار أمام قطب العربي "المشروع الرأسمالي الجشع"، الأدلة على أن مرسي ربط مصيره ومستقبل نظامه برموز وشبكات مصالح رجال النظام السابق (رحم الله أياما كنا نطلق عليه النظام البائد قبل 30 يونيو المباركة)!
لم يذكر عبد الخالق فاروق شيئاً من هذا، وكنت لم أفهم مدلول ذكر الدعم القطري، فهل كانت قطر بهذا الدعم تستهدف التغيير؟.. ورغم ذلك ذهب النظام الإخواني إلى نظام مبارك؟.. إذن، فما هو المبرر للتقليل من قيمتها بالحرص على ذكر أنها مجرد "إمارة"؟! هل وصلنا بهذه إلى بيت القصيد؟!
المشروع الإخواني الجشع
هل ووجه عبد الخالق فاروق بسؤال أمام جهات التحقيق أو غيرها: "لماذا يدافع عنك الإخوان ويروجون لكتابك؟"، فأراد أن يرد عمليا بأن لا يزال ضد الجماعة وحلفائها، وإن ذكر رصا معلوماتيا بدون ضرورة منهجية، وإن أعطاه بعداً يسارياً عن الرأسمالية والجشع الرأسمالي وعن "إمارة" قطر أيضاً؟!
إن صدق حدسي، فإنني أكون أسفاً لأن البعض لم يعرف حتى الآن أساس تربص الانقلاب العسكري بهم، رغم أنهم مثلوا له غطاء مدنيا، وخدموه خدمة العبد للسيد!
ليست الأزمة بين هذا النظام والإخوان وحدهم، وهو يعرف حدود قدرتهم، وحدود جهدهم، ولا يخشاهم كثيراً، فهو يثاب دوليا وإقليميا بمعركته معهم، والعقاب النازل على كثيرين في مصر من خصوم الإخوان، وممن يقاطعون الجزيرة و"إمارة قطر" أكبر دليل على هذا. فأزمة العسكر هي مع ثورة يناير، بكل مكوناتها وكل من شاركوا فيها، وقد شارك فيها الإخوان بدون ادعاء، ومنذ اليوم الأول، فقد شاركوا كأفراد ونواب في البرلمان في يوم 25 يناير، وجاؤوا في 28 كانون الثاني/ يناير بقرار من مكتب الإرشاد، في حين لا يوجد حزب يساري واحد شارك بقرار منه، وسامح عاشور بصفته رئيس الحزب الناصري، قال إن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية الداعين لها. وبينما كانت الثورة مشتعلة على مرمى حجر من مقر الحزب، كان سامح عاشور يخطب في حزبه ويعلن: إن مبارك خط أحمر!
يؤسفني أن من بين القوى المدنية من لا يزال الى الآن يتصور أن الأزمة في التقارب مع الإخوان، وأنه إذا استمر في إعلان العداء لهم، فإن هذا يضمن له وضعاً أمناً في مصر، وقد دخل عبد الحليم قنديل السجن، وهو يلعن الإخوان على السبحة، وهو يريد أن يكون "سمير رجب" المرحلة، "كاتب مبارك الأوحد".
مرة أخرى.. لأن العداء هو مع من شاركوا في يناير، ووقفوا ضد مبارك، وهناك أجهزة أمنية تحكم؛ ترى في كل من شارك في يناير أعداء، وإن تقربوا لعبد الفتاح السيسي بالنوافل، ولعنوا الإخوان دبر كل صلاة!
الهجوم على المشروع الرأسمالي الجشع "قطب العربي" لن يحل المشكلة!