"العرب إلى أين؟"، و"ما هو الدور العربي في ظل التطورات الدولية والإقليمية في هذه المرحلة؟"، و"هل هناك مشروع عربي موحد في موازاة المشاريع الأخرى.. الإيرانية والتركية والإسرائيلية؟"، و"ما هو مستقبل
العالم العربي في حال اندلعت حرب إقليمية أو دولية جديدة، وخصوصا بين الأمريكيين والإيرانيين؟"، و"أين يقف العرب بين إيران وتركيا"، و"ما هو مستقبل جامعة الدول العربية ومجالس التعاون الخليجية والعربية؟"، و"ما هو مستقبل الحركات الإسلامية وعلاقة الدين والدولة في العالم العربي بعد ثماني سنوات على
الربيع العربي، وموجات العنف التي عانت منها الدول العربية، وبروز التنظيمات المتطرفة؟".
هذه عينة من الأسئلة التي طرحت في الأسبوعين الماضيين خلال عقد سلسلة ورش عمل وندوات ومؤتمرات حوارية في بيروت، بدعوة من بعض مراكز الدراسات العربية والأجنبية والمؤسسات الحوارية والمنتديات الإقليمية.
وأولى هذه
المؤتمرات كان المؤتمر الإقليمي- الدولي الذي عقده مركز القدس للدراسات السياسية، بالتعاون مع مؤسسة كونراد الألمانية، وحضرته شخصيات خليجية وإيرانية وأردنية ومصرية وعراقية ولبنانية وعراقية وروسية وأمريكية وألمانية. وقد خصص لبحث مستقبل العالم العربي على ضوء الصراع الأمريكي - الإيراني، وفي ظل التطورات الإقليمية المتصاعدة بعد ازمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي، وإن كانت العلاقات العربية - الإيرانية قد حظيت باهتمام كبير في أعمال المؤتمر. وقد طرح المشاركون سؤالا مركزيا: أين هو المشروع العربي الموحد؟ وهل هناك رؤية عربية لمستقبل المنطقة؟
والندوة الثانية المهمة عقدها مركز دراسات الوحدة العربية، وهي من ضمن سلسلة ندوات وأنشطة يقوم بها المركز لمتابعة التطورات في العالم العربي والمنطقة، وكانت بعنوان: العرب إلى أين؟ وتحدثت فيها المديرة الجديدة للمركز، لونا أبو سويرح، والمفكر الدكتور جورج قرم، والدكتور ناصيف حتي، وقدّم لها وأدارها الأستاذ سركيس أبو زيد، وحضرها حشد كبير من الشخصيات اللبنانية والعربية، وجرى فيها استعراض التطورات في العالم العربي على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية. وتركزت الطروحات والأفكار والإشكالات التي طرحت؛ حول ما يواجهه العالم العربي من تحديات داخلية وخارجية، وكيفية الخروج من المأزق الراهن. ورغم أن بعض المشاركين حاول إضفاء بعض الإيجابيات على المشهد العربي، فإن معظم المداخلات ركزت على الجوانب السلبية وغياب المشروع العربي الوحدوي.
الأنشطة تؤكد أن العالم العربي والعرب يمرون اليوم بأزمة كبيرة. وإن السؤال عن مستقبل العرب والذي طرح قبل حوالي المئة عام بعد انتهاء الخلافة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الأولى؛ لا يزال هو محور الأسئلة القائمة
كما كانت للمفكر الإسلامي الدكتور رضوان السيد إطلالتان على الأوضاع العربية والإسلامية، الأولى خلال ورشة عمل أقامتها مؤسسة أديان، والثانية خلال لقاء حواري أقامه المركز العربي للحوار والذي يشرف عليه الشيخ عباس الجوهري. وقدم الدكتور السيد خلال اللقاءين قراءة معمقة للأزمة التي يعاني منها العالم العربي، سواء على صعيد علاقة الدين والدولة، أو انتشار موجات التطرف والعنف، أو ضعف وتراجع (أو انهيار) النظام الإقليمي العربي والدول العربية القُطرية وقيام إيران وتركيا بملء الفراغ الحاصل. واعتبر الدكتور السيد أن الحل الوحيد لأزمة العالم العربي اليوم قيام الدولة الوطنية التي تتمتع بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان وتؤمن للمواطن حاجاته الأساسية، مع الحاجة لإعادة النظر بكل الأطروحات الإسلامية التي سادت خلال المئة عام الأخيرة.
وفي موازة ذلك، يستكمل منتدى التكامل الإقليمي في بيروت جهوده للبحث عن خارطة طريق لمواجهة التحديات المختلفة، ولا سيما التطبيع مع العدو الصهيوني. فهو ينشط لإقامة نشاط مشترك مع عدد من مراكز الدراسات العربية، وهو يستمر بطرح الدعوة إلى حوار عربي - إيراني- تركي- كردي لمعالجة مشاكل المنطقة.
كما خصصت مؤسسة كارنيغي ورابطة كمال جنبلاط الثقافية وبيت المستقبل ومؤسسات عربية وأجنبية التطورات في العالم العربي من ضمن سلسلة الأنشطة والمؤتمرات التي تعقدها.
كل هذه الأنشطة تؤكد أن العالم العربي والعرب يمرون اليوم بأزمة كبيرة. وإن السؤال عن مستقبل العرب والذي طرح قبل حوالي المئة عام بعد انتهاء الخلافة العثمانية وانتهاء الحرب العالمية الأولى؛ لا يزال هو محور الأسئلة القائمة، ويبدو كما يقول النائب الدكتور علي فياض في لقاء خاص معه: "إننا نشهد اليوم فراغا فكريا وأيديولوجيا كبيرا بعد فشل معظم التجارب السياسية والحزبية والفكرية السابقة".
كل ذلك يستدعي البحث مجددا عن مشروع النهوض العربي اليوم، وعودة المفكرين والمثقفين ومراكز الدراسات والأحزاب لتقييم كل التجارب الماضية، ووضع رؤية مستقبلية جديدة تجيب عن هذا السؤال المركزي: العرب إلى أين؟ وأي مستقبل أو مشروع نهضوي للعالم العربي؟