هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدأت السنة السياسية ساخنة جدا في تونس هذا العام، ويتوقع أن تزداد سخونتها كلما برد طقس الشتاء أكثر، فمن عادة التونسيين أن يسخنوا في الشتاء.. حتى ثورتهم أنجزوها في قلب أيام الشتاء الباردة شديدة البرودة (14 كانون ثاني/ يناير من عام 2011).. ويبدو أنه في تونس كلما برد الطقس كلما كان المناخ السياسي مشتعلا ملتهبا أكثر.. وسخونة هذا العام تبدو مقصودة متعمدة، تنضج طبخة نتائج انتخابات السنة المقبلة قبل عام من وقوعها.
محامون ينشطون في إطار هيئة معروفة محليا باسم "هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي"، وهما زعيمان سياسيان يساريان اغتيلا في العام 2013، وتتهم هيئة الدفاع حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي بالمسؤولية السياسية عن اغتيالهما، باعتبارها كانت تقود الحكومة التونسية في تلك الفترة.. هذه الهيئة صارت تتحدث مؤخرا عن "تنظيم سري" لحركة النهضة تتهمه باختراق أجهزة الدولة والتجسس على السياسيين وحتى بالمسؤولية عن تنفيذ الاغتيالات السياسية.
ترافق الاتهام الجديد للنهضة مع إعلان رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي تخليه عن "التوافق" مع حركة النهضة، التي لم تتجاوب معه في إقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لأن تونس، كما يقول قياديون في النهضة، شهدت في 7 أعوام ما بعد الثورة 8 حكومات من دون أن يفلح تغيير الحكومات في تغيير الوضع الإقتصادي الصعب فما الداعي إذن لحكومة تاسعة، يقولون..
الرئيس بعد 4 أعوام من التوافق مع حركة النهضة والتشارك في الحكم معها، يغير فجأة معسكره.. ويتذكر وعوده الإنتخابية بعد مضي أربعة أعوام كاملة على إطلاقها ثم نسيانها، ويستأنف الرغبة مجددا في كشف حقيقة اغتيال القياديين اليساريين، ويعود للحلفاء الذين "قطعوا الطريق" الإنتخابي على منافسه الدكتور المنصف المرزوقي، وأوصلوه لكرسي الرئاسة، لكنه تحالف مع خصومهم الإسلاميين، لأنهم لم يحصلوا ما يكفي من مقاعد برلمانية تضمن له استقرار الحكومة التي يختارها.
جدية ومجلس أمن قومي!
في أسبوع أو أكثر قليلا شمر الرئيس عن "ساعد الجد" لمعرفة حقيقة مقتل الراحلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.. التقى هيئة الدفاع في قضية الراحلين وعقد جلسة خاصة لمجلس الأمن القومي للنظر في حقيقة ما كثر الحديث عنه من "تنظيم سري" لحركة النهضة تصر هيئة الدفاع على أنه يخترق المؤسسات الأمنية والعسكرية ويجمع المعلومات وله صلة بالاغتيالات السياسية.. ثم التقى الرئيس طليقة الراحل بلعيد ومحام بات لا يتحدث في وسائل الإعلام إلا عن ضرورة حل حركة النهضة أكبر حزب في تونس، بزعم ضلوعها في "التنظيم السري" المزعوم.. فما حقيقة هذا التنظيم؟ وما حقيقة ضلوع النهضة في العنف والإرهاب؟
إقرأ أيضا: السبسي يلعب بنار ربما تحرقه
"أسرار" تجهلها الإستخبارات الدولية ويعرفها محامون!!
محامو هيئة الدفاع في قضية بلعيد والبراهمي، الذين التقوا رئيس الجمهورية، قالوا بعد لقائهم به إنهم قدموا للرئيس ملفا مفصلا عما أسموه تنظيما سريا لحركة النهضة، قالوا إن هذا التنظيم السري كان يخطط بعد قتل بلعيد والبراهمي إلى قتل رئيس الجمهورية الحالي ومعه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند.
ويتساءل محللون وناشطون تونسيون كثر في الفضاء الافتراضي، بسخرية شديدة، كيف لمحامين أن يقدموا لرئيس الجمهورية القائد الأعلى للمؤسسة العسكرية والأمنية تقارير أمنية لم تكتشفها أجهزة الإستخبارات العسكرية ولا الأمنية ولا حتى الإستخبارات الفرنسية النافذة جدا في تونس ولا الإستخبارات الأمريكية، وهي أشهر استخبارات في العالم ولها حضور قوي في تونس وتربطها روابط تعاون مع نظيرتها التونسية، واكتشفها في المقابل محامون يفترض أن لا علاقة لهم بالأمن والاستخبارات؟
ناشط يساري معروف هو الدكتور جوهر بن مبارك رئيس "شبكة دستورنا"، وهي هيئة من هيئات المجتمع المدني، كشف في لقاء تلفزي أن المحامين الذين يمثلون هيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي ليسوا هم من طلبوا مقابلة الرئيس الباجي قايد السبسي لإخباره بمعطيات لا يملكها، وإنما الرئيس ذاته هو من ألح في طلب مقابلة الهيئة على امتداد أسابيع، وأن الهيئة اشترطت عليه حتى تقابله عرض موضوع "التنظيم السري" على مجلس الأمن القومي، فلما قبل الرئيس ذلك وافقت الهيئة على اللقاء به.
سخونة هذا العام في تونس تبدو مقصودة متعمدة، تنضج طبخة نتائج انتخابات السنة المقبلة قبل عام من وقوعها.
إقرأ أيضا: ما حقيقة رفع دعوى قضائية لحل حركة النهضة؟
هنا تتغير المعطيات جذريا، فلسنا في وارد حقائق جديدة في ملف قديم، وإنما في وارد معركة سياسية يجري إخراجها باعتبارها سعي للحقيقة وهي بعيدة عن ذلك.. فهي معركة كسر عظام سياسية، بالحق والباطل، وربما بالباطل أكثر من الحق، كما يقول ناشطون في العالم الإفتراضي التونسي ومحامون من الضفة الأخرى المعارضة لهيئة الدفاع، إذ يتهمونها بأنها باتت هيئة هجوم وتشويه لحزب سياسي وليست هيئة للبحث عن الحقيقة.
"انقلاب" الشاهد و"التنظيم السري"
المحلل في قناة "الحوار التونسي" شكيب درويش، وهو واحد من أشهر المحللين في تونس، قال في إحدى مداخلاته المخصصة للحديث عن "التنظيم السري": إن الاتهامات للنهضة كانت مركزة ومتكررة إلى درجة حشرت النهضة في زاوية الدفاع عن النفس، لكن ظهور قضية تخطيط رئيس الحكومة والمقربين منه لـ"انقلاب" على رئيس الجمهورية أراح النهضة بعض الشيء، وشتت جهود المهاجمين، وكشف نقص الجدية في الإتهامات بالإرهاب والتنظيمات السرية أو بالإعداد للانقلاب، على حد قوله.
سليم الرياحي المنتدب حديثا للأمانة العامة لحزب نداء تونس، حليف النهضة السابق، تقدم بدعوى إلى القضاء للنظر في "محاولة انقلاب" كان "يخطط" لها رئيس الحكومة يوسف الشاهد والمقربين منه ضد رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي. الشاهد استغل عرض ميزانية حكومته للعام 2019 على البرلمان لمناقشتها ليسخر من الحديث عن "محاولة الانقلاب". وقال الشاهد: إن الدستور يعطيه بوصفه رئيسا للحكومة معظم السلطة التنفيذية، فما الذي يجعله يفكر في الإنقلاب على رئيس ليس له بحكم الدستور سوى صلاحيات محدودة في إدارة الحكم في البلاد؟
الوزير الأسبق الأزهر العكرمي، وهو أحد المتهمين الرئيسيين في "التخطيط" المزعوم للإنقلاب سفه فكرة "الإنقلاب" واعتبرها مسرحية سمجة لا تقنع أحدا. وقال العكرمي، وهو من المقربين لرئيس الحكومة، إن سليم الرياحي الذي تقدم بالقضية ضد رئيس الحكومة مطلوب في ملفات فساد، ولذلك فإنه تقدم بالقضية حتى يشوش على متابعته قضائيا على فساده.
العكرمي كان صريحا في اتهامه لرئيس الجمهورية ولهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي قائلا: "إن تصويت حركة النهضة لصالح التعديل الحكومي ورفض مساعي رئيس الجمهورية لتغيير الحكومة هو ما جعل الرئيس يوظف هيئة الدفاع في الهجوم على النهضة".. وقال بطريقة ساخرة: "لو أن النهضة وقفت مع الباجي ضد الشاهد لكان التنظيم السري المزعوم قد أكلته "الهبة"، أي "الكلبة" كما ينطقها الأطفال الصغار.
معركة سياسية تستبعد القضاء
ويعتقد مراقبون أن تونس تعيش الآن حربا انتخابية ساخنة بدأت قبل عام كامل من الموعد الإنتخابي.. وليس هذا بجديد في السياسة التونسية فاتهامات الإرهاب تحضر بقوة ضد النهضة في كل حملة انتخابية.. الغريب أن هذه الإتهامات التي تأتي ضمن هستيريا إعلامية ضد الحركة لم تؤثر على شعبيتها بل حسنت فيها.. فآخر استطلاعات الرأي، الذي أعدته مؤسسة "سيغما كونساي" المتخصصة تعطي النهضة المرتبة الأولى بنسبة 36.1%، لتدعم رصيدها الإنتخابي قياسا بانتخابات العام 2014 بنحو 50 ألف ناخب جديد.
تونس تعيش الآن حربا انتخابية ساخنة بدأت قبل عام كامل من الموعد الإنتخابي