هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أكدت مصادر سياسية عربية ديبلوماسية مقيمة في الخرطوم، أنه لا يمكن الإجابة عن سؤال سبب زيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى الخرطوم، إلا بمعرفة تفصيلية بالواقع السوداني المحلي، مشددة على "أن من ينظر إلى الملف من نافذة العلاقات الدولية فحسب فسيخطئ القراءة كثيراً".
ظروف اقتصادية صعبة
وأوضحت المصادر، التي تحدثت لـ "عربي21"، وطلبت الاحتفاظ باسمها، أن "السودان يعاني منذ قرار رفع العقوبات الأمريكية عليه جزئياً مع بداية ولاية ترامب من عدم تغير الأمور كما كان متوقعاً، إذ لم يترجم القرار السياسي إلى قرارات تنفيذية نظراً للاشتباك مع قرارات أمريكية أخرى ولعدم رغبة الأمريكيين في تسريع التطور في العلاقة حتى إنجاز قائمة المطلوبات في ملف دارفور والمناطق الثلاث وملف جنوب السودان وملف الحريات وملف التوجهات العامة".
وذكرت المصادر أيضا أن "أزمة النقد الأجنبي وعدم توفر العملة الأجنبية وتهريبها المنظم للخارج عن طريق عصابات أدت إلى سلسلة من الأزمات، منها أزمة وقود طاحنة أدت إلى صفوف طويلة عطلت الحياة وعمليات النقل والشحن وأضعفت القدرة على الحركة منذ نحو سنة، وأزمة كبيرة في دقيق الخبز وارتفاع قيمته أضعاف ما كان عليه، وأزمة كبيرة لدى قطاع المستثمرين الذي لا يستطيع تحويل أرباحه للخارج ولا التعامل بها داخلياً ولاسيما في عدم قدرة البنوك على تزويدهم بالعملة الأجنبية نظير الجنيه السوداني".
وأضافت: "تطورت الأزمة في النقد الأجنبي إلى أزمة في السيولة النقدية للعملة المحلية والتي أدت إلى صفوف طويلة على أبواب البنوك والصرافات الآلية وأضعفت القدرة الشرائية بصورة كبيرة ولاسيما في مواسم الإنتاج الزراعي وعمليات التشغيل التعديني، وسادت العمليات الوهمية في التجارة والمضاربات المدورة".
ولفتت ذات المصادر إلى أن "هذا كله جاء بعد تغيير كبير في السياسة السودانية التي كانت تنتظر تحولاً في المواقف الأمريكية والعربية تجاهها تساعدها على تجاوز أزمتها الاقتصادية".
ضعف المحور السعودي ـ الأمريكي
وسجلت المصادر أن "السودان قام بعدة تغييرات استراتيجية في سبيل تحسين ملفه أمام الإدارة الأمريكية وحلفائها، فقد أنهى علاقته مع إيران وطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية وجميع المؤسسات الإيرانية بحجة نشاطها في نشر التشيع، كما شارك بقوة في التحالف السعودي الإماراتي ضد الحوثيين في اليمن، وقطع علاقته نهائياً مع كوريا الشمالية، والتزم بسقف القرارات العربية في المسألة الفلسطينية وأعاد ترتيب علاقاته مع القوى الفلسطينية بهذا الشأن، وطور علاقاته مع مصر بعد انقلاب السيسي وتجاوز معظم الأزمات معها، ودخل في خط الوساطة بقوة بين الفرقاء المتشاكسين في جنوب السودان، وفي خط الوساطة بين مصر وإثيوبيا".
وأكدت المصادر نفسها، أن "كل ذلك لم يؤد إلى تحسن اقتصادي أو اهتمام فقد استمرت العلاقات فاترة مع السعودية ولم يزرها مسؤول رفيع طيلة تلك الفترة؛ ولم تساعده في تجاوز أزمته؛ ولم ينفتح الإستثمار السعودي والأمريكي كما هو متوقع؛ بل ظلت التحويلات البنكية متوقفة بين البلدين، حتى قطاع الاتصالات والصحة والزراعة الذي رُفعته عنه العقوبات لم يجد أي مسار تنفيذي عملي لتغيير وضعه".
اقرأ أيضا: مسؤول سوداني يكشف سر ذهاب البشير لدمشق بطائرة روسية
ووفق نفس المصادر فقد "كان السودان بحاجة إلى مظلة سياسية تحميه وإلى شبكة أمان اقتصادية تعينه على حل مشكلاته، وهذا لم يتوفر في أمريكا وحلفائها في المنطقة ولا في الأوروبيين طيلة السنين الخمسة السابقة مع بداية التحولات، وكان لابد من التوجه إلى روسيا، وكان يجب أن يسبق ذلك تمهيد الطريق مع مصر التي تعترض على هذه العلاقة الإستراتيجية وتجعل روسيا مترددة فيها".
وأضافت: "تفاهم السودان مع السيسي تفاهمات استراتيجية مهمة أدت إلى رفع الاعتراض المصري على هذا السقف؛ ولم يغب عن السودان الدور التركي الذي أسهم أيضاً في دفع هذه العلاقة إيجابياً والمساعدة في إنجازها".
وأكدت المصادر الديبلوماسية العربية، أن "هذه الخطوة لم تأت إلا بعد استفراغ الجهد في تطوير العلاقة مع المحور الأمريكي ـ السعودي حتى سادت القناعة بعدم جدوى هذا المسار، واجتمع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني "الحزب الحاكم" قبل أيام من زيارة دمشق ليعلن داخلياً عن بداية السير في المحور الآخر، وأن هناك إجراءات يجب اتخاذها بهذا الصدد، وكان الترحيب الكبير الذي لقيه في بيلاروسيا حليفة روسيا والإتفاقات الكبيرة معها دافعاً كبيراً للبشير لحسم خياراته".
وأضافت: "سرّع في بناء هذه العلاقة أزمة خاشقجي والتي أدت إلى ضعف المحور السعودي وتراجع دوره في التأثير على السياسة الأمريكية، وهو الأمر الذي كان يعول عليه السودان في تحسين العلاقة مع واشنطن؛ مما جعل الطريق واضحة أمام السودان أنه لا أمل في مسار العلاقات السعودية ـ الأمريكية التي لم تستطع أن تقدم شيئا ملموسا للسودان وأنه قد حان الوقت لمسار جديد".
وبخصوص زيارة دمشق تقول مصادر "عربي21": "كانت روسيا حريصة على علاقة قوية مع السودان لكن الاعتراض المصري كان يقف حائلاً دون ذلك، وقد جرى رفعه وكان هناك تخوف من استدارات السودان مع حلفائها السابقين تبعا للظروف الإقتصادية والضغوط الأمريكية والسعودية والمصرية، وكان مطلوباً من السودان أن يمارس دوراً مختلفا عن السياسة العربية الجامدة وأن يشارك في المسار السياسي لحسم الأزمة السورية وإنهائها، وهو ما تدعو إليه روسيا".
بات الأقوى في المعادلة السورية
وتابعت: "كانت القناعة أن البداية لابد أن تكون بالتفاهم مع الرئيس السوري بشار الأسد، الطرف الذي بات أقوى الآن في المعادلة السورية؛ وهو ما وافق السلوك السياسي السوداني الذي تعامل بحياد سلبي في الأزمة السورية، حيث شارك في معظم القرارات العربية ضد النظام في سوريا لكنه لم يقطع العلاقات الدبلوماسية، بل فتح أبوابه لكل السوريين بكل توجهاتهم، ولم يسمح للمعارضة السورية أو النظام أن يتخذ من السودان محطة تحريض أو عداء بين السوريين بل نقطة تواصل واجتماع، وهي الدولة الوحيدة التي تمنح السوريين حق الدخول بدون تأشيرة مسبقة، كما منحت الجنسية السودانية لآلاف السوريين المقيمين فيها".
وحسب مصادر "عربي21" فإنه "ليس من المتوقع قريباً أن يؤثر هذا التغير على مشاركة السودان في حرب اليمن أو تغير الموقف من إيران لعدم إثارة غضب السعودية، لكن هذا المسار متوقع إذا لم تبادر السعودية بتقديم إغراءات حقيقية وملموسة للسودان في الملف الأمريكي وفي الملف الإقتصادي"، وفق تعبير المصادر.
واقعية سياسية
هذا واعتبر عضو البرلمان السوداني ومسؤول لجنة الإعلام فيه، الطيب مصطفى، في حديث مع "عربي21"، "أن زيارة الرئيس عمر البشير إلى دمشق بمثابة ضربة معلم"، وقال بأنها "جاءت في وقتها، بل إنها قد تكون تأخرت".
ورأى مصطفى أن "المتغيرات التي حدثت في المشهد السياسي في العالم العربي، بما في ذلك التغييرات التي حصلت في سورية بعد تدخل روسيا لمصلحتها، وكسب الأسد للمعركة على الأرض، هذا أحدث متغيرات كثيرة، كان يجب الاستجابة لها، وهذا ما حصل سودانيا".
وأضاف: "كان لا بد أن تعود سورية إلى المشهد العربي وإلى جامعة الدول العربية، وأن يتم التطبيع معها وتعود إلى دورها التاريخي، لذلك وجدت الخطوة السودانية ردة فعل عربية ودولية كبيرة، لأنها تأتي في سياق كسر الحصار العربي على سورية".
ووفق مصطفى فإن زيارة البشير إلى دمشق جاءت في إطار جهد سيقوم به السودان لوقف الفرقة والفوضى الحاصلة في المشهد العربي.
وقال: "الرئيس البشير سيتبع هذه الخطوة بخطوات أخرى، سيما أن هناك استجابة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، وأعتقد أن الساحة مهيأة لهذه الخطوة، وأعتقد أن هذا سيؤثر على علاقات العرب بالولايات المتحدة الأمريكية، وسيؤثر سلبا على صفقة القرن".
ونفى مصطفى أن تكون الخطوة السودانية الرسمية تجاه نظام بشار الأسد طعنة في ظهر الثورة السورية، وقال: "الواقعية السياسية تقتضي عدم الثبات على موقف واحد رغم التغيرات على الأرض، عندما حصلت التغيرات المشار إليها واقعيا، كان لا بد من تحرك يوازيها".
وأضاف: "أما الموقف من العلاقة بأمريكا، فهذه دولة عظمى تسعى كل الدول لاسترضائها، والسودان يسعى للتخفيف من أثر العقوبات عليه، وهذا في السياسة ممكن"، على حد تعبيره.
وأجرى الرئيس السوداني عمر البشير أول أمس الأحد زيارة له إلى العاصمة السورية دمشق، هي الأولى لرئيس عربي منذ اندلاع الثورة السورية قبل ثمانية أعوام.
اقرأ أيضا: هكذا قرأ ناشطون وصحفيون سودانيون لقاء البشير مع الأسد