هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
توالت أزمات ليبيا الاقتصادية منذ دخول مجلس رئاسة حكومة الوفاق الوطني في نهاية آذار/ مارس من عام 2015، متمثلة في نقص السيولة المالية وارتفاع أسعار السلع، وتراجع قيمة الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية.
ويتفق أغلب المحللين الاقتصاديين على أن الانقسامات السياسية والحروب المحلية في مناطق الهلال النفطي، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة، ساهم في تدني عوائد الضرائب والجمارك، وعدم وجود بدائل أخرى للدخل، والاعتماد فقط على النفط والغاز كمصدرين رئيسيين.
وحاول المجلس الرئاسي تدارك تدهور الاقتصاد، من خلال حزمة إصلاحات تتضمن خفض سعر صرف النقد الأجنبي في السوق الموازي، ورفع الدعم تدريجيا عن المحروقات، وزيادة مخصصات الأسر السنوية من الصرف الأجنبي، وإعادة تفعيل قرار دفع علاوة الأسرة والأبناء.
وأوضح تقرير ديوان المحاسبة الليبي لسنة 2017، أنه بسبب إغلاق الموانئ النفطية بلغ إجمالي العجز المالي 88.8 مليار دينار خلال أربع سنوات، إذ وصل العجز في العام 2013 إلى 10.16 مليارات دينار، زاد في العام 2014 إلى 22.27 مليار دينار، ثم إلى 24.7 مليار دنيار في العام 2015، لينخفض قليلا إلى 20.97 مليار دينار في العام 2016، ثم هبوط بنسبة 50 في المئة، إلى 10.7 مليار دينار في عام 2017.
انخفاض الدولار فقط
هذا ولاحظ الخبير المالي صقر الجيباني أنه بعد اعتماد برنامج الإصلاح الاقتصادي "لم ينخفض إلا الدولار باعتباره سلعة تباع وتُشترى في السوق لها عرض وعليها طلب" إلا أن ذلك "لم يؤثر في المستوى العام لأسعار جميع السلع في السوق الليبي، حيث مازالت كثير من السلع أسعارها مرتفعة والمستهلك في ليبيا لم يشعر بتحسن قدرته الشرائية".
اقرأ أيضا: 2018.. عام المؤتمرات والاشتباكات والانتخابات في ليبيا
وأرجع الجيباني في تصريح لـ "عربي21" سبب ذلك "إما إلى أن مصرف ليبيا المركزي يتباطأ ويتلكأ في تنفيذ الاعتمادات المستندية، أو إلى جشع الموردين وكبار التجار واستغلالهم للأزمة نتيجة ضعف الدولة وغياب أجهزتها الرقابية و دورها في حماية المستهلك".
وقال الخبير المالي إن "أغلب الدولارات التي باعها البنك المركزي تراكم جزءا كبيرا منها عند تجار السوق السوداء، مما عزّز من أرصدتهم بالعملة الأجنبية وبالتالي فإن أي تراجع من المركزي عن بيع الدولار بسبب صدمة خارجية يتعرض لها الاقتصاد الليبي كانهيار أسعار النفط بالأسواق الدولية، أو صدمة داخلية مثل الإغلاقات المتكررة لحقول النفط، سينجم عن ذلك عودة السوق السوداء وبقوة بعد أن تجمّعت وتراكمت لديهم أرصدة كبيرة من الدولار".
وأشار الجيباني إلى أن "سياسة النفس الطويل في هذه المعركة ليست في صالح المركزي وبالتالي الاقتصاد الوطني، لأن احتياطي الدولار في ليبيا عليه التزامات أخرى غير البيع للجمهور أهمها تسديد تكلفة الواردات من الغذاء والدواء".
غياب الثقة
ويختلف رجل الأعمال الليبي سالم عبد العظيم، مع التحليل المالي السابق، مرجعا "أزمة ليبيا الاقتصادية بالأساس إلى غياب الثقة بين الحكومات المتعاقبة ورجال الأعمال الذين ييسيطرون على السوق الليبي دون منافس خارجي"
وقال عبد العظيم لـ "عربي21" إن "مجلس النواب لم يسن تشريعات حمائية في صالح التجار، مما أجبرهم على سحب كل أرصدتهم من البنوك، بسبب خوفهم من عدم قدرة المصارف على تسليمهم لهم عند الطلب" إضافة إلى أن " رأس المال جبان، مما دعا التجار إلى تحويل نقودهم إلى عملات أجنبية أو سبائك ذهب أو شراء عقارات والابتعاد عن مغامرات الاستيراد والتصدير".
اقرأ أيضا: تعطل الإنتاج الليبي يعزز مكاسب النفط رغم ضعف الأسواق
وحمّل رجل الأعمال الليبي مصرف ليبيا المركزي "مسؤولية انهيار الاقتصاد الليبي، كونه لم يتدخل في حماية الدينار الليبي، بسبب وقوعه تحت ضغط قادة المليشيات الذين أثروا مليارات الدينارات من وراء انهيار العملة الوطنية".
وأقر عبد العظيم بضرورة "توحيد مؤسسات الدولة الاقتصادية والسياسية والأمنية، مع وضع ضوابط وإجراءات قاسية لحماية الاقتصاد، شرط استمرار تدفق النفط والغاز الليبي بمعدلات طبيعية".
تحسن طفيف
هذا ويرى المحلل السياسي السنوسي إسماعيل أن " حالة من التفاؤل بدأت تسود من خلال ارتفاع إنتاج النفط والغاز، خاصة بعد انفراج أزمة إغلاق حقل الشرارة التي أعادت إلى الأذهان أزمة إغلاق موانئ الهلال النفطي وصمامات الرياينة".
واستدرك إسماعيل في تصريح لـ "عربي21" "أنه من المبكر الحديث عن خروج من حالة ركود الاقتصاد اللييي الذي عانى من ضغوطات كبيرة نتيجة موجة إغلاق موانئ وحقول النفط لثلاث سنوات مصحوبة بفساد كبير في القطاع العام، وفي الاعتمادات التجارية" مؤكدا أن " أهم المعوقات تبقى هي تأخير الحكومة ومؤسسات الدولة في تنفيذ معالجة التشوهات الناتجة عن استمرار سياسة دعم الوقود والمحروقات وعدم تحويلها إلى أشكال متعددة حسب حزمة الإصلاحات الاقتصادية".
وتوقع المحلل السياسي أنه "في حالة استقرار إنتاج النفط واستمرار التدفق النقدي ومتابعة تنفيذ الإصلاحات خلال العام القادم، فمن الممكن حصول تحسن أكبر في أداء الاقتصاد وانخفاض معدل التضخم وتحقيق مكاسب للدينار الليبي مما يعزز قيمته، ويرفع القوة الشرائية له مع توفر السيولة النقدية في المصارف وتمكن الحكومة من تنشيط القطاع الخاص".