قاد
كوسوفو إلى الاستقلال عن
صربيا بـ"الكفاح
المسلح"، ما جعله يحتل واجهة العمل السياسي في بلاده منذ عقدين تقريبا.
تصفه المعارضة بـ"الخائن" احتجاجا
على دوره في إبرام اتفاق مع صربيا في عام 2015 يمنح مزيدا من الاستقلالية للأقلية
الصربية في كوسوفو (86% ألبان، 5% صرب).
هاشم تاجي (ثاتشي) أو "الثعبان"، كما
عرف باسمه الحركي أثناء الحرب، قاد "جيش التحرير الوطني" الذي قاتل قوات
النظام الصربي برئاسة سلوبودان ميلوسيفيتش، إبان حرب كوسوفو بين عامي 1998 و1999،
والذي توفي في فترة محاكمته من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة
بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
بدأ تاجي، المولود في عام 1968 في قرية بروتشنا
وسط كوسوفو مهد الألبان، حياته السياسية كناشط في المقاومة السلمية لسلطات بلغراد
في مطلع التسعينيات.
لكنه توصل إلى قناعة بأن هذه السياسة التي
انتهجها الزعيم الكوسوفي إبراهيم روغوفا لن تثمر عن أي نتيجة، وأسس مع مجموعة أخرى "جيش التحرير الوطني" الذي عزز قواه العسكرية في عام 1997.
حكمت عليه إحدى المحاكم الصربية غيابيا بالسجن
22 عاما بتهمة "الإرهاب" ولجأ إلى سويسرا، والتحق بـ"جامعة
زيوريخ"، ودرس بقسم تاريخ جنوب شرق أوروبا والعلاقات الدولية، وقبل هجرته إلى
سويسرا درس الفلسفة في "جامعة بريشتينا".
وأثناء النزاع في يوغسلافيا السابقة شغل منصب
رئيس الوزراء للحكومة المؤقتة في كوسوفو.
برز على الساحة السياسية الدولية في عام 1999
أثناء مؤتمر السلام الذي عقد في فرنسا، وثبت حضوره واسمه مدعوما من الولايات
المتحدة كرئيس للمفاوضين الألبان الكوسوفيين.
وإثر فشل المحادثات، وقيام حلف شمال الأطلسي بقصف
الصرب، وانسحاب القوات الصربية من كوسوفو، وانتشار بعثة الأمم المتحدة في البلاد،
انتخب عضوا في المجلس الإداري المؤقت للإقليم.
وفي عام 2003 أوقف تاجي لفترة وجيزة في مطار
بودابست بموجب مذكرة توقيف دولية أصدرتها بلغراد ثم أفرج عنه بعد تدخل بعثة الأمم
المتحدة في كوسوفو.
وبعد إنشاء "الحزب الديمقراطي
الكوسوفي" واصل النضال من أجل استقلال كوسوفو لكنه أطلق دعوات عدة للحوار مع
بلغراد ودعا إلى التسامح الإثني.
وفي عام 2004 وبعد أعمال عنف تعرض لها الصرب في
كوسوفو وأسفرت عن سقوط العديد من القتلى ومئات الجرحى وصف تاجي "المشاغبين
الألبان بالمجرمين". وقال إن "كوسوفو لا يملكه الألبان وحدهم".
وفي عام 2008 أصبح تاجي رئيسا للوزراء بعد فوز
حزبه في الانتخابات التشريعية، كما أنه تسلم حقيبة "الخارجية" في عام 2014 .
لكن تقريرا لـ"مجلس أوروبا" في عام
2011 اعتبره زعيما لمجموعة ارتكبت "جرائم حرب" ضد الصرب خلال حرب
كوسوفو، ونفى تاجي هذه المزاعم ليتوج مسيرته فيما بعد بانتخابه رئيسا لكوسوفو في
عام 2016 لمدة خمس سنوات بعد يوم متوتر شابته احتجاجات داخل مجلس النواب وفي
الشوارع.
ولإفشال انتخابه و"تخريب" التصويت
وفرض انتخابات مبكرة، أقدم نواب المعارضة على إطلاق الغاز المسيل للدموع في مجلس
النواب، رغم الحراسة المشددة عند دخولهم.
وعجز تاجي عن الحصول على دعم ثلثي النواب
المطلوب في دورتي الانتخاب الأوليين، في حين تطلبت الدورة الثالثة أكثرية بسيطة.
وقال تاجي إثر انتخابه: "سأكون في خدمة
المواطنين كافة بصرف النظر عن انتماءاتهم الإثنية؛ بهدف بناء كوسوفو جديد.. كوسوفو
أوروبي... وسأعمق أكثر علاقاتنا القوية والأبدية مع الولايات
المتحدة".
وقال للبرلمان بعد أداء اليمين: "دولة كوسوفو
ملتزمة بتطبيع العلاقات مع صربيا. لا يمكن أن نغير الماضي لكن علينا أن نعمل على
ألا يتكرر".
ويشهد كوسوفو منذ عام 2015 أزمة سياسية على
خلفية غضب عام بسبب سوء الوضع الاقتصادي، والبطالة التي تطال نحو 40% من السكان في
بلد تعداد سكانه 1.8 مليون نسمة.
من جهة أخرى، تتهم المعارضة السلطة بالفساد،
وتطلب منها التخلي عن اتفاق "تطبيع" العلاقات مع صربيا المبرم في عام 2013
برعاية الاتحاد الأوروبي.
ونص الاتفاق على إقامة "جمعية"
للبلديات الصربية، الأمر الذي تعتبره صربيا بالغ الأهمية للأقلية الصربية في
كوسوفو، لكن المعارضة الكوسوفية ترى فيه مساسا بالسيادة، في حين تعهد تاجي بمواصلة
الحوار مع صربيا.
وهو نفسه قال أخيرا: "يمكنني القول
إنني أفضل أن أجلس إلى طاولة مع الشيطان للتحدث وليس مع ألكسندر فوتشيتش (الرئيس
الصربي)".
تصريحاته جاءت في لقاء صحافي عقده في بروكسل لإعادة
تحريك الحوار لتطبيع العلاقات بين كوسوفو والصرب، وهو الحوار الذي أطلق في عام
2011 وبقي معلقا حتى اليوم.
ويعتبر الخلاف بين صربيا وكوسوفو عقبة على طريق
الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وترفض صربيا الاعتراف باستقلال كوسوفو الذي
أعلن في عام 2008. فيما تؤكد بريشتينا أن نحو 120 دولة اعترفت باستقلالها بينها
الولايات المتحدة وأغلبية أعضاء الاتحاد الأوروبي.
وتفجر الخلاف من جديد بين الطرفين بعد أن أعلن
تاجي قبل أيام أن قرار بلاده إنشاء جيش "لا عودة عنه" .
وأضاف: "حق مؤسسات كوسوفو في تشكيل جيش حق
تاريخي، ينسجم مع إرادة شعب كوسوفو".
وستجرى زيادة عدد القوة الأمنية في كوسوفو
لتصبح 5 آلاف، إضافة إلى 3 آلاف عنصر احتياط، وتسعى كوسوفو عبر ذلك إلى تأكيد
سيادتها بالكامل على التراب الكوسوفي.
وأقر برلمان كوسوفو هذا الشهر تحويل قوة
الطوارئ التي تحمل أسلحة خفيفة إلى جيش نظامي، في تصويت بدعم من الولايات المتحدة
التي وصفت الخطوة بـ"التاريخية"، إلا إن القرار أغضب بلغراد وحليفتها
الرئيسية روسيا.
وكان تاجي، قد عين العام الماضي القائد العسكري
السابق ورئيس حزب "اتفاق من أجل مستقبل كوسوفو"، راموش هاراديناي رئيسا
للوزراء ما وضع حدا لأزمة سياسية بسبب عدم تأمين أي غالبية في الانتخابات
التشريعية الأخيرة.
وبالتالي عاد هاراديناي إلى منصب تقلده لفترة
وجيزة بين عامي 2004 و2005.
وكان هاراديناي استقال من منصبه بعد أن اتهمته
محكمة الجزاء ليوغوسلافيا السابقة بارتكاب "جرائم حرب" خلال استقلال
كوسوفو. ورغم تبرئته مرتين من قبل المحاكم الأوروبية، إلا أن القضاء الصربي لا
يزال يتهمه بـ"ارتكاب فظائع".
ويذكر أن هاراديناي كان قيد الاحتجاز لأربعة
أشهر في فرنسا، وهي الفترة التي استغرقها القضاء الفرنسي للنظر في طلب تسليمه إلى
صربيا قبل أن يرفض ذلك.
وقبض عليه في مطار بازل – مولوز بموجب مذكرة
توقيف دولية تعود إلى عام 2004، ولعبت هذه المرحلة دورا في الحياة السياسية لمن
يلقبه المواطنون بـ"رامبو" والذي تم تهميشه من قبل "رفيقه في السلاح"
هاشم تاجي.
قد يضطر رئيس كوسوفو، في وقت من الأوقات، أن
يجلس مع "شيطان بلغراد" حتى لا تدق طبول الحرب من جديد بين البلدين، لتعيد إلى الذاكرة "الطرية والغضة" القتال الذي أوقع نحو 130 ألف قتيل
بعد ارتكاب الصرب فظاعات وجرائم حرب وتطهير عرقي ضد الألبان في كوسوفو.