هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يرى مراقبون أنه بالرغم من تعرض أكثر الحركات الإسلامية إلى عداء السلطات العربية المحلية، مصحوبا بتواطؤ المجتمع الدولي، إلا أن هذه الحركات لم تسعَ بجدية إلى تشكيل ائتلاف تعاوني (وليس وحدة تنظيمية وفكرية) ينسق حركتها العملية لتحقيق القواسم المشتركة فيما بينها، كمناصرة المظلوم، وتحقيق العدالة، ومحاربة الفساد.. وغيرها.
ويؤكد عضو هيئة التدريس في جامعة العلوم التطبيقية بالأردن، الدكتور جمال الباشا، أن اعتقاد بعض الجماعات الإسلامية ضلال الجماعات الأخرى وخروجها عن الطريق السوي؛ يجعل من العمل المشترك معها أمرا ممنوعا باسم الشرع.
وقال الباشا لـ"عربي21" إن من الحركات الإسلامية "من رهن جميع نشاطاته لإرادة جهات مسؤولة في الدولة، فهم يسيرون وفق توجيهاتها شبرا بشبر، ولا يتحركون في أي عمل إلا بإذن مسبق"، لافتا إلى أن "من مصلحة الساسة وجود هذه الانقسامات المنضبطة في الساحة، لأن ذلك يُضعفها".
وأضاف أن السلطات في البلدان العربية والإسلامية لا يسرها ظهور قوى إسلامية مجتمعة ومؤتلفة، تكون لها استقلالية تخرج بها عن سيطرة هذه السلطات، ولذلك فهي حين تستشعر وجود أي توجه توافقي بين الحركات الإسلامية فإنها تقوم بإجهاضه على الفور".
ولفت إلى أن بعض الجماعات الإسلامية لدى أفرادها حساسية مفرطة من مفهوم الحزبية، "ولذلك فهي ترى أن جميع أنواع التنسيق والائتلاف مع الجماعات الأخرى من التحزب المقيت المحرم شرعا، على حد اعتقادها".
وأكد الباشا أن من الأسباب المؤثرة لتشكيل ائتلاف تعاوني بين الحركات الإسلامية "غياب أدب الاختلاف والتعامل مع المخالف، والجهل بأصول السياسة الشرعية وقواعد المصالح، وعدم قناعة بعضهم بجدوى مثل هذه المناشط، وحكمه عليها مسبقا بالفشل، وغياب أو تغيب أصحاب الدعوة الوسطية الجامعة المعنية بلمّ شتات الأمة وجمع كلمتها".
المفاهيم والمنطلقات أولا
ويأمر الشرع الإسلامي بجمع الكلمة ورص الصفوف ونبذ الفرقة، بحسب رئيس لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير بالأردن، مروان عبيد، الذي أكد حرص حزبه على إقامة زيارات دورية للحركات والأحزاب الإسلامية؛ بهدف "إدامة الود والتناصح، والتحذير من مخاطر وألاعيب الأنظمة".
وأضاف عبيد لـ"عربي21" أن تشكيل ائتلاف تعاوني يحتاج إلى الاتفاق على المفاهيم التي يتم التعاون عليها، "فلو قلنا إننا نتعاون لتحقيق العدالة؛ فإنه يجب علينا أولا أن نتفق أن العدالة لا تكون إلا بتطبيق الشرع الحنيف، لا بالحكم بالدساتير الوضعية ولو بحجة التدرج".
وتابع: "لو نوينا التعاون على محاربة الفساد مثلا، فيجب أولا أن نتفق أن القضاء على الفساد يجب اقترانه بطرح البديل الوحيد وهو الإسلام، وإلا أصبح عملنا ترقيعا للواقع، وعونا للأنظمة في تضليل الناس"، مشيرا إلى أن "الفساد الأهم هو فساد المنظومة التشريعية المتمثل في الدساتير الوضعية، وتبعية هذه الأنظمة للغرب ومشروعه الاستعماري".
ولفت عبيد إلى أن تحديد المنطلقات لا يقل أهمية عن تحديد المفاهيم، ممثلا بنصرة المظلوم، "بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه.. فالمسلم يناصر المظلوم انطلاقا من الحكم الشرعي، وليس استنادا إلى الشرعة الدولية وميثاق حقوق الإنسان، ما نرفض المشاركة فيه أو أن نكون جزءا منه ولو ببيان مشترك، لأنه يستند إلى ما يخالف العقيدة الإسلامية التي هي الأساس والمنطلق".
تعاطف وليس تنسيقا
من جهته، قال مصدر مسؤول في حملة "وتعاونوا" الشبابية، أن "الحفاظ على البنية الحزبية هو العامل الداخلي الأهم لعدم وجود أعمال مشتركة بين الجماعات الإسلامية"، لافتا إلى وجود عوامل أخرى خارجية، "أهمها الخوف من الأنظمة وأجهزتها الأمنية التي لا تحبذ مثل هذه الأعمال".
وقامت حملة "وتعاونوا"، التي تأسست في أغسطس/ آب 2012 بهدف تأسيس مجلس تنسيقي مشترك بين الجماعات والهيئات الإسلامية في الأردن، بالعديد من الأنشطة الهادفة إلى تحفيز مشاركة الفرقاء الإسلاميين في أعمال مشتركة، ورغم أنها نجحت في جمع هؤلاء الفرقاء من طبقة القواعد، إلا أنها لم تفلح في أن ترقى بها إلى مستوى القيادات، كما تقول.
وأضاف المصدر، الذي طلب من "عربي21" عدم ذكر اسمه، أن الحملة قدمت لأبرز الجماعات الإسلامية في الأردن تصورا مكتوبا حول تشكيل مجلس تنسيقي بينها، إلا أنها لم تجد ردودا إيجابية سوى من جماعة الإخوان المسلمين، وبعض قيادات التيار السلفي الجهادي "الذي تفرق فيما بعد بين مؤيد لتنظيم الدولة، وآخر لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة، وانشغل بمشاكله الداخلية".
وأوضح أن إمكانية العمل المشترك بين الجماعات الإسلامية تكاد تكون معدومة، "فلكل جماعة حساباتها الخاصة بها، وعقلها المنغلق على ذاته، والذي لم يتمكن من أن يرقى إلى مستوى التفاعل مع النكبات التي يتعرض لها المسلمون".
واستذكر بعض مظاهر التقارب بين الجماعات الإسلامية في الأردن إبان ثورات الربيع العربي، كزيارة وفد من حزب التحرير لمقرَّي حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان في أكتوبر/ تشرين الأول 2011، وحضور قيادات من التيار السلفي الجهادي لإفطارات جماعة الإخوان التي تقيمها في شهر رمضان، وتوقيع قيادات إخوانية على بيان لـ100 شخصية صدر في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2011، يطالب بالإفراج عن رموز التيار السلفي الجهادي المعتقلين على خلفية ما عُرف بـ"أحداث الزرقاء" التي وقعت في 15 أبريل/ نيسان 2011، وأصيب على إثرها العشرات من أفراد الأمن والجهاديين، وقامت الأجهزة الأمنية بحملة اعتقالات طالت المئات من أفراد التيار الجهادي.
وبحسب المصدر، فإن "هذه المظاهر لم تتجاوز كونها تفاعلا آنيا مع أجواء الربيع العربي الثورية، والتي فرضت هذا التعاطف الحذر الذي لم يصل إلى مرحلة التنسيق المشترك".
الجماعات كالمذاهب
بدوره، قال عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، الدكتور محمد سعيد بكر، إن المانع الرئيس لتشكيل ائتلاف تعاوني بين الجماعات الإسلامية هو أن "هذه الجماعات لا ترى أن التقاءها وتعاونها من الواجبات أو حتى من المندوبات".
وتساءل ساخرا: "أنّى لمن هداه الله لفكر الإخوان أو السلفية أو التحرير أو الصوفية أو غيرها، بعد طول عهد مع غوغاء عموم المسلمين، أن يرجع إلى غوغاء جماعات وبراثن تنظيمات يرى فيها الشذوذ أو التخلف أو العجز أو المداهنة؟".
وأضاف لـ"عربي21" أن "كل جماعة من هذه الجماعات لو صدقت مع نفسها لوجدت أنها قد تضع يدها أحيانا في أيدي من هم أشد سوءا من باقي الجماعات، لمصالح تقتضيها الضرورة، كما يقولون"، متابعا: "أوَليس لدى الحركات الإسلامية من الضرورة ما يكفي لجمعها وتآلفها والتنسيق بينها؟".
وأوضح أن "حال الجماعات الإسلامية في النواحي الفكرية واختلافها كحال المذاهب الفقهية الأربعة وتنوعها ولو نسبيا"، مشيرا إلى أنه "رغم ذلك، ظل الخلاف بين المذاهب سائغا محتملا مقبولا".
ودعا بكر الحركات الإسلامية إلى "التنسيق فيما بينها لغايات الاستقواء على الباطل أو لأجل حماية أنفسها منه؛ لأن ذلك يمثل مصلحة راجحة، حتى ولو كانت هذه الحركات تشك في فساد بعضها البعض"، مضيفا أنه "لا بأس من الصلح والتنسيق والالتقاء والتعاون مع من نشك في فسادهم؛ لمواجهة من نجزم أنهم رعاة الفساد، ودهاقنة الفجور والإلحاد".