هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مهمة صعبة ومعقدة للغاية تنتظر اللجنة الأممية لوقف القتال في الحديدة غربي اليمن، في ظل تفسيرات متناقضة تقدمها قوات الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي حول الوضع في المدينة الساحلية، وفق ما يرى مراقبون ووسائل إعلام.
وتشهد الحديدة حراكا أمميا غير مسبوق، منذ بدء تنفيذ وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه الأطراف المتصارعة في السويد، الشهر الجاري.
ومثّلت الحديدة بؤرة للقتال بين مسلحي جماعة الحوثيين والقوات الحكومية المدعومة من الإمارات، بعد أن تقدمت الأخيرة إلى المدينة، وفرضت طوقا عسكريا من الجنوب والشرق، منتصف حزيران/ يونيو الماضي.
وقبل أن تقتحم القوات الحكومية المدينة لاستعادتها ومينائها الاستراتيجي، تدخلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف العمليات العسكرية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، لإفساح المجال للتوصل إلى تفاهمات سياسية.
وانتهت مشاورات السويد (من 6 إلى 13 ديسمبر/كانون أول الجاري) باتفاق قضى بوقف فوري لإطلاق النار في محافظة ومدينة الحديدة. مع إعادة انتشار مشترك لقوات الطرفين من الموانئ إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ.
وقضى بإنشاء لجنة تنسيق إعادة انتشار مشتركة ومتفق عليها، برئاسة الأمم المتحدة، لمراقبة وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار.
ويقدم رئيسها تقارير أسبوعية من خلال الأمين العام إلى مجلس الأمن الدولي، حول امتثال الأطراف لالتزاماتها.
والجمعة، اعتمد مجلس الأمن قرارا يأذن للأمم المتحدة بنشر فريق لمراقبة وتسهيل تنفيذ اتفاقات العاصمة السويدية ستوكهولم، وهو ما لقي ترحيبا من طرفي الصراع، إضافة إلى أطراف إقليمية ودولية.
وعلى الفور عيّنت الأمم المتحدة رسميا الميجور جنرال (المتقاعد) باتريك كاميرت، رئيسا للجنة تنسيق إعادة الانتشار في الحديدة، وضمت إليه 30 آخرين، وصل منهم 8 حتى اللحظة إلى الحديدة.
من هو كاميرت؟
ويتمتع الهولندي كاميرت بخبرة عسكرية طويلة بدأت في بلاده العام 1968 عندما انضم للبحرية الهولندية.
وتولى أول منصب له مع الأمم المتحدة عام 1992 بقيادة كتيبة البحرية الهولندية في إدارة الأمم المتحدة الانتقالية بكمبوديا.
ووفق موقع الأمم المتحدة، فإن كاميرت عمل بعد ذلك مع قوة الرد السريع في إطار قوة الأمم المتحدة للحماية في البوسنة والهرسك عام 1995.
وتولى مناصب منها قائد قوات بعثة الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا، ومستشار عسكري في إدارة الأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام، وقائدا للقسم الشرقي في القوات الأممية بالكونغو الديمقراطية.
ورأس كاميرت، عام 2016، تحقيقا مستقلا خاصا حول أعمال العنف في جوبا، بجنوب السودان، التي وقعت تموز/ يوليو من العام نفسه.
وقاد مجلس تحقيق حول ملابسات الاشتباكات، التي جرت في موقع حماية المدنيين بملكال، التابع لبعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان يومي 17 و18 فبراير/شباط 2016.
اقرأ أيضا: قيادي حوثي: تسليم ميناء الحديدة ليس مطروحا.. والحكومة ترد
ووصل كاميرت إلى مدينة عدن، العاصمة المؤقتة، جنوب البلاد في 22 ديسمبر/ كانون الأول، والتقى بمسؤولين في الحكومة.
وفي اليوم التالي انتقل إلى العاصمة صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وفي نفس اليوم انتقل برا إلى الحديدة.
أعضاء اللجنة
ويرافق كاميرت في مهامه 8 مراقبين من الفريق الطليعي التابع للأمم المتحدة، كانوا قد وصلوا من مقر الأمم المتحدة في نيويورك.
ومن المرتقب أن ينضم إلى المراقبين الثمانية وكاميرت بقية المراقبين مطلع يناير/كانون الأول القادم.
جميع المراقبين سيأتون من نيويورك، ويتمتعون بالخبرة اللازمة في المهمة، وسبق أن عملوا فيها في عدد من بلدان العالم (لم يحدد)، وفقا لما أفاد به مصدر أممي.
وقال المصدر، لوكالة "الأناضول"، إن هؤلاء المراقبين معظمهم من خلفيات عسكرية تبعا لمهمتهم في اليمن.
وبحسب اتفاق السويد، فإن اللجنة سينضم إليها 3 أعضاء من الجانب الحكومي اليمني، و3 آخرون من جانب الحوثيين، وكان الطرفان قد أعلنا أسماء ممثليهما، عقب الاتفاق مباشرة.
ويمثل الجانب الحكومي اللواء الركن صغير عزيز نائب رئيس أركان الجيش اليمني لشؤون التدريب، واللواء الركن محمد مصلح عيضة نائب رئيس جهاز الأمن القومي، والعميد أحمد علي الكوكباني قائد لواء تهامة.
أما الجانب الحوثي فيمثله اللواء علي الموشكي نائبُ رئيس هيئة الأركان في قوات الحوثيين، والعميد علي سعيد الرزامي رئيس أركان المنطقة السادسة، والعميد منصور أحمد السعادي رئيس أركان القوات البحرية والدفاع الساحلي.
مهمة اللجنة
وتتركز مهمة اللجنة في مراقبة وقف إطلاق النار وسحب قوات الطرفين من مدينة وميناء الحديدة، وميناءي صليف ورأس عيسى إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ خلال 21 يوما من سريان وقف إطلاق النار، الذي بدأ 18 ديسمبر/كانون الأول الجاري.
وتراقب اللجنة التزام الطرفين بعدم جلب أي تعزيزات عسكرية للمدينة، وللموانئ الثلاثة، والالتزام بإزالة أي مظاهر عسكرية من المدينة.
إلى جانب القيام بدور رئيسي في عمليات الإدارة والتفتيش في الموانئ وتعزيز وجود الأمم المتحدة في المدينة والموانئ.
ووفق المصدر الأممي فإن رئيس اللجنة سيقدم تقارير أسبوعية - من خلال الأمين العام -إلى مجلس الأمن الدولي، حول امتثال الأطراف لالتزاماتها، وترتكز مهمة المراقبين على مدينة وميناء الحديدة فقط.
وأشار إلى أن جميع المراقبين سيرتدون زيا مدنيا مميزا عليه شارة الأمم المتحدة وليس زيا عسكريا.
اقرأ أيضا: مسؤول يمني: رئيس المراقبين الأمميين للهدنة يصل الحديدة
وحتى اللحظة فإن كل طرف يقدم تفسيرا يتناقض مع ما يقدمه الطرف الآخر حول طبيعة مهام اللجنة، مما قد يجعل مهمة القائد الهولندي معقدة للغاية، وفق ما يرى مراقبون ووسائل إعلام.
ورغم ذلك فإن الجنرال كاميرت يشعر بالتفاؤل إزاء الحماس العام من قبل الطرفين للعمل على الفور، وفق بيان للمتحدث الأممي ستيفان دوغريك.
تمركز اللجنة
وحتى اللحظة تتخذ اللجنة وفريقها الأممي من مقر الأمم المتحدة، وسط الحديدة، مقرا لها.
وخلال اليومين الماضيين زار الفريق الدولي ميناء المدينة الذي يستقبل قرابة 80% من واردات اليمن والمساعدات الإغاثية.
وعقد كاميرت اجتماعا بسلطات الحوثيين المتحكمة في المدينة، داخل مقر المحافظة.
وعقب اللقاء خرج وكيل المحافظة، التابع للحوثيين عبد الجبار الجرموزي، بتصريحات أثارت لغطا واسعا، حيث قال إن "تسليم ميناء الحديدة ليس مطروحا أبدا".
والأربعاء، عقدت اللجنة أولى اجتماعاتها بعد أن انضم أعضاءها من الجانب الحكومي، وسُمح لهم بالدخول من شارع الخمسين على متن عربات أممية بعد أن أزال الحوثيون الألغام.
ووفق مصدر عسكري حكومي، للأناضول، فإن كاميرت طرح أمام الجانبين آلية انسحاب قوات الطرفين.
وأقر القرار البريطاني، الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع، مساء الجمعة الماضي، مدة عمل اللجنة في الفترة الأولية 30 يوما من اعتماد القرار، بما يمهد لجولة المشاورات المقبلة نهاية يناير/كانون الثاني المقبل.
هل ستنجح؟
ويعوّل سكان الحديدة، البالغ عددهم 600 ألف نسمة (بحسب تقديرات أممية)، على نجاح اللجنة لتجنيب المدينة قتالا داميا، وقد يتسبب بأكبر كارثة إنسانية في حال إغلاق ميناء الحديدة.
ويقول عبداللطيف الحميد، أحد سكان المدينة، إن انتشار اللجنة بعث بآمال كبيرة في نفوس السكان المحليين.
ويضيف: "نتمنى أن تنتهي كوابيس الحرب، يكفي ما عانيناه خلال الأشهر الماضية، وفي حال تجددت الحرب فإن المدنيين هم المتضرر الأكبر".
واستعد طرفا القتال لجولات عنيفة من الصراع، إذ زرع الحوثيون الآلاف من الألغام ونصبوا الحواجز العسكرية.
ويرى الصحفي والباحث السياسي كمال حيدرة أن مهمة اللجنة "لن تكلل بالنجاح" لسبب رئيسي، يتعلق بأن الاتفاق من أساسه "غير واضح"، وسيبقى خاضعا لتفسيرات الطرفين في كيفية تطبيقه.
ويقول حيدرة، للأناضول: "نحن أمام صراع إرادتين لا يمكن التوفيق بينهما بالطريقة التي تم إخراجها في اتفاق ستوكهولم".
ويضيف: "الحكومة لن تقبل أن تتراجع قواتها وقد أصبحت فعليا داخل المدينة - مالم يتم خروج مليشيا الحوثي وتسليم المدينة والميناء لسلطات ما قبل 2014 - كما تؤكد دائما.
ويعتقد الباحث اليمني أن هذا الأمر "مستبعد أن يقبل به الحوثيون مالم يتم إجبارهم عسكريا".
اقرأ أيضا: تبادل الاتهامات باليمن بخرق هدنة الحديدة واحتدام القتال بمأرب
أما رئيس مركز "ساس" للدراسات عدنان هاشم فيقول إن مهمة كاميرت هي تحويل مدينة الحديدة إلى منطقة محايدة تحت إشراف الأمم المتحدة وليس محسوبة على أي طرف.
ويقول: "نجاح مهمته مرتبط بعوامل داخلية متعلقة بوضع الأطراف والمواقف الدولية في اليمن وبدون حدوث متغيرات طارئة فالجميع بحاجة لإنجاح مهمته في الحديدة الحوثيون والحكومة والتحالف".