هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الوقت الذي تواجه فيه مصر أزمة المياه مؤخرا بالترويج لاستخدام صنابير مياه موفرة؛ أعلن وزير المياه والطاقة الإثيوبي الخميس، لرويترز أن "سد النهضة" الذي تقيمه أديس أبابا على النيل الأزرق سيبدأ العمل وتوليد الكهرباء منه كانون الأول/ديسمبر 2020.
وكشف الوزير سيليشي بقلي، عن رغبة بلاده الاسراع ببناء السد؛ بالتعاقد مع شركتين فرنسية لتركيب 7 وحدات لتوليد الطاقة، وأخرى صينية لبناء قنوات لتنقية المياه والتحكم وتفريغ الفيضانات.
المثير أن التصريح يناقض تصريحات مسؤولين إثيوبيين سابقة عن وجود معوقات تطيل مدة بناء السد 4 أعوام أخرى، وهو الخبر الذي ترك ارتياحا كبيرا لدى المصريين وتلقفته الأذرع الإعلامية للنظام لتقليل مخاوفهم.
ومنتصف كانون الأول/ديسمبر 2018، قال مدير مشروع سد النهضة، كفلي هورو، إنه يحتاج 4 سنوات لإكمال البناء، فيما سبقه رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في آب/أغسطس، بالقول إن اكتمال البناء لن يتم في 2020، وسيتأخر عدة سنوات، متحدثا عن مشكلات فنية تسببت بها شركة (ميتيك)، التي يديرها الجيش الإثيوبي.
اقرأ أيضا: إثيوبيا تعلن الموعد المتوقع لبدء عمليات تشغيل سد النهضة
الخبير المصري بهندسة السدود الدكتور محمد حافظ، كشف لـ"عربي21"، الصورة الكاملة وحقيقة تصريحات الإثيوبيين، وإلى أين صارت أعمال السد وما يواجهه من أزمات فنية، وما قد يسببه ذلك من مخاطر على مصر، وما تبقى للقاهرة كي تراهن عليه، وكيف يمكنها الاستفادة من تناقض التصريحات الإثيوبية.
الأستاذ المشارك بكلية هندسة السدود وهندسة الجيوتكنيك بجامعة يونيتن بماليزيا، أشار إلى تناقضات ثانية بتصريحات الإثيوبيين، بأن "وزير الري الإثيوبي أعلن الشهر الماضي أنه سيبدأ التخزين نهاية 2019، وتوليد الكهرباء بداية 2020، مع إحتفالات إثيوبيا بالعيد الثامن لتأسيس سد النهضة".
وتابع: "لكنه أعلن الخميس، تصريحا مناقضا تم فيه ترحيل عملية التوليد حتى ديسمبر 2020، وهذا يعني أنه سيبدأ التخزين قبل هذا الموعد بفيضان أغسطس 2020، أو بعد الفيضان والأمر غير واضح"، متابعا: "وعليه فلقد تم ترحيل ميعاد التخزين من نهاية 2019 لنهاية 2020".
الخبير المصري كشف جانبا آخر من التناقضات الإثيوبية بأن "الوزير الإثيوبي قال أيضا إنهم اكتشفوا واديا عميقا عطل بناء السد 3 سنوات دون أن يحدد موقع هذا الوادي؛ وتحجج بأن المشاريع الضخمة يحتمل تأخرها وزيادة تكاليفها بشكل مضاعف".
وقال حافظ: "هذا الكلام يعني أن الإدارة السابقة لسد النهضة كانت تخبئ مصائب موجودة وتم فضحها بعد إغتيال مدير المشروع السابق المهندس سيمنجو بكليي، يونيو/حزيران 2018"، مؤكدا أن "الحكومة الإثيوبية على علم بمشكلة الوادي العميق منذ 3 سنوات ورغم ذلك كانت تطلق تصريحات تؤكد نيتها توليد الكهرباء في أيلول/سبتمبر 2016، ثم أيلول/سبتمبر 2018، وهي تعلم عدم استطاعتها تنفيذ هذا التهديد".
اقرأ أيضا: أزمة مياه تهدد مصر مع اقتراب اكتمال سد النهضة الإثيوبي
وأردف: "ولذلك فلابد من إدراك أن تصريحات الحكومة الإثيوبية لا تأتي بناء على واقع المشاكل الفنية التي تعيق إستكمال السد والهدف منها سياسي بالدرجة الأولى لتهديد مصر وإبتزازها من خلال الصندوق السيادي الذي كونه عبدالفتاح السيسي (رئيس سلطة الانقلاب) للصرف على مشاريع البنية التحتية بإثيوبيا".
ويعتقد الأكاديمي المصري، أن "ترحيل ميعاد التخزين من نهاية 2019، لنهاية 2020، لن يكون الترحيل النهائي، وربما الأمر كله ليس أكثر من عملية تخدير للشعب الإثيوبي قبل التعرف على مشاكل فنية حقيقية تهدد سلامة سد النهضة".
وأوضح أنه "ولهذا قامت الحكومة الإثيوبية بتعيين شركة فرنسية للإسراع من الأمور الميكانيكية المتعلقة بعملية التوليد، وشركة صينية لحل المشاكل الفنية والمتعلقة بعملية الإطماء الشديدة التي احتلت معظم حيز التخزين الميت حتى قبل بدء التخزين الفعلي للسد".
وعن خطورة الموقف وما تبقى لمصر كي تراهن عليه، يرى حافظ، أنه "على مصر مطالبة إثيوبيا والمجتمع الدولي بعمل دراسة جدوي فنية محايدة لسد النهضة للإطمئنان على سلامته"، مشيرا إلى أن "سقوط السد أمر محتمل جدا وسيسبب هذا مشاكل عالمية منها إختفاء دولة السودان، أو تغيير مجرى النيل للأبد متجها لدولة جنوب السودان ويقتل شعبها الغارق أصلا بالمستنقعات".
وأضاف: "لذلك فلابد للدولة المصرية الإستفادة من تصريحات وزير الري الإثيوبي والمطالبة عالميا بتعيين لجنة فنية دولية تعيد دراسة جدوي سد النهضة ومعاملات السلامة به"، موضحا أنه "دون ذلك فنحن اليوم نحفر قبور أولادنا وأحفادنا بأيدينا".
وشدد على أهمية التحرك على المستوى العالمي ووضع ضغوط دولية لمعرفة تأثير الوادي العميق الذي تحدث عنه الوزير الإثيوبي، وكيف يؤثر على سلامة أساسات السد وعلى حجم تسريب مياه البحيرة للفوالق الجيولوجية.
من جانبه حذر الخبير الاقتصادي المقيم بأمريكا الدكتور محمود وهبة، من أن مصر وبناء على تصريحات إثيوبيا "ستشعر بخفض المياه للأبد"، واصفا السيسي عبر صفحته بـ"فيسبوك"، بأنه "ضعيف وبلا حلول سوى الخداع والتخدير بأن بناء السد توقف، ومنع الكلام بالتخويف"، داعيا إياه للانسحاب من اتفاقية الخرطوم، مؤكدا أنه "لا عقوبة للانسحاب ولو انسحب تطبق الاتفاقيات التاريخية ويبدأ الحل بتحكيم دولي فوري، وإذا فشل ولجأ لحل عسكري سيتفهم العالم ذلك".
وبمتابعة ردود أفعال الأذرع الإعلامية للنظام تجد أنها لا تتحدث الآن عن سد النهضة بينما تتبنى بشدة مشروع حنفيات موفرة تنتجها مصانع الجيش، وفي المقابل، نشر نشطاء مقطع فيديو مجمع لتصريحات سياسيين وإعلاميين مصريين انتقدوا الرئيس محمد مرسي واتهموه بقبول بناء سد النهضة بمقابل مليار دولار، فيما أغلقت تلك الشخصيات هذا الملف بعهد السيسي الذي وقع في مارس/آذار 2015، على اتفاقية مع السودان إثيوبيا، سمحت للأخيرة باستكمال بناء السد.