لماذا تنتج الإمارات مسسلا عن "الحلاج".. وما دور الرياض؟

أثار إعلان قناة "أبو ظبي" الإماراتية إنتاج مسلسل عن "الحلاج" أحد أشهر أقطاب الصوفية بالعالم الإسلامي، جدلا واسعا حول دور الإمارات في تبييض وجه تيار الصوفية كونها الإسلام المعتدل من وجهة نظرها وتقديمها للعرب والمسلمين وللعالم كبديل للسلفية والإخوان المسلمين والتيار الجهادي.

كاتب السيناريو، السوري خلدون قتلان كان قد كشف لـ"الأخبار اللبنانية"، عن ميول القناة لتصدير شخصية صوفية بعمل درامي قائلا: "إنها عملية تبييض ملفات. فكما يتم تبييض الأموال غير المشروعة، تُغسل أيضا الأفكار وتنظَّف وتقدم بإطار جديد".

وأشار إلى وجود "أهداف سياسية وراء تقديم الإمارات "الحلّاج"، الشاعر والمتصوف الفارسي، صاحب الشهرة الواسعة بالعهد العباسي"، موضحا أن القناة بصدد إنتاج أعمال عن شخصيات إسلامية أخرى وصفها بالمعتدلة.

ويأتي إنتاج الإمارات لمسلسل "الحلاج"، وسط اهتمام غربي بالطرق الصوفية عبرت عنه مؤسسة "راند" الأمريكية بمطالبتها دعم التيارات الفكرية العربية "الأقرب لمنظومة القيم الغربية"، والتي قسمتها إلى "أصوليين" و"تقليديين" و"حداثيين" و"علمانيين"، موجهة بدعم الحداثيين والعلمانيين ومكافحة الأصوليين والتقليديين، ودعم "المذهب الحنفي" بمقابل "الحنبلي"، و"الصوفية" على حساب "السلفية".

لكن المثير هو أن الإمارات تتخذ توجه دعم الصوفية مخالفة بذلك حليفتها السعودية التي تحارب التصوف وتتبنى فكر السلفية التي يكفر علماؤها الحلاج نفسه وأغلب الفرق الصوفية، وهو ما يفتح بابا للتساؤلات حول صمت السعودية إزاء التحرك الإماراتي وهل يعني ذلك تحولا دينيا لديها متقاربة بذلك مع أبو ظبي والتوجهات الغربية.

حرب شرسة وفاجرة

وفي رده على تلك التساؤلات يعتقد الكاتب والمفكر المصري عزت النمر، أن "كلا النظامين السعودي الإماراتي يجمعهما شهوة الحكم وشره السلطة وطبع الاستبداد، وإن سارا في ذلك بمسارين مختلفين".

وبدأ النمر، بالنظام السعودي، موضحا لـ"عربي21"، أنه "من قديم، ربما من تاريخ نشأته، لم يكن معنيا كثيرا بالدين والتدين وإن تلحف بالإسلام ظاهرا، بل كان ومازال يستخدم الإسلام كعباءة فضفاضة لحفظ نظامه والحفاظ على ملك آل سعود وستارا لاستبدادهم وطمعهم وتملكهم".

وأضاف المحلل سياسي، أن "آل سعود بنوا قاعدة لتثبيت ملكهم تقوم على استخدام المشاعر الدينية والاستفادة من المقدسات الإسلامية والحرمين الشريفين، وفي هذا السياق قام نظامهم بصناعة تدين سعودي بحت يتماهى بشدة مع مصالح المُلك والتمكن، لا يعنيهم مدى اقترابه أو ابتعاده عن النص الشرعي وأصول الإسلام وثوابته".

 وأردف النمر قائلا: "تمثلت هذه الصناعة السعودية لنموذجهم الإسلامي فيما أُطلِق عليه (المدخلية) حينا و(السلفية) حينا آخر، وكلاهما حَوَّل ملك آل سعود لصنم يُعبد وثابت يعلو على كل ثوابت الإسلام وحقائقه، وفي سبيل ذلك ومقابله أغدقوا رموز هذه التيارات بالأموال والألقاب والمناصب حتى باعوا دينهم ودين أتباعهم بدنيا آل سعود".

 وحول الإمارات، بين الباحث المهتم بقضايا الأمة الإسلامية أنه "كان لها سبيل آخر ظهر بوضوح بعدما تمت الإطاحة بالشيخ خليفة بن زايد، لحساب الحاكم الفعلي الحالي محمد بن زايد، إذ أصبحت الإمارات معنية بمحاربة الإسلام السياسي بعالمنا العربي ومؤسساته بالغرب وأقصى الشرق".

 وتابع، بيد أن كراهية محمد بن زايد للنموذج الإسلامي الذي يحارب الاستبداد ويسعى للحكم الرشيد وتداول السلطة، لم تقف عند مواجهة الربيع العربي والتحريض عليه والإنفاق ببذخ على الثورات المضادة، بل أظهر ابن زايد والحكام بالإمارات العداء والكراهية لكل ما هو إسلامي، وسعى بشراكة الكيان الصهيوني وكل الكيانات المناوئة للإسلام والمسلمين بالعالم ومحاربة الإسلام بكل موقع، وحشد القوى لمواجهته أينما كان؛ حتى لو لم يكن لهذا الوجود الإسلامي الناشئ أي خلاف وتعارض وتأثير على الإمارات ونظامها".

 وأشار إلى أن "أحد وسائل تلك الحرب التي شنتها الإمارات تمثلت برعاية نموذج تدين يقوم على الصوفية المتطرفة والموغلة بالخرافة والدجل والمسرفة في تغييب العقول والانعزال عن الواقع والزهادة بالدنيا والانشغال بسفاسف وطقوس أقرب للرقص منها إلى شيء من الدين وصحيحه". 

 وختم بالقول: "هذا النموذج لا ترعاه الإمارات عن قناعة بدينونته بل تشرعه حربا شرسة وفاجرة على عموم الإسلام والتدين".

الصوفية وعلمانية الإمارات

وفي تعليقه أشار القيادي السلفى، راضي شرارة، للجانب التاريخي، وأن "الغرب منذ حملة نابليون بونابرت على الشرق وهو يتبنى دعم الصوفية ثم ورثته بريطانيا وأمريكا، كما تشارك سفارتي البلدين بمولد (السيد البدوي) بطنطا لسنوات، ومع ذلك فشلوا بمنع وجود الإخوان وانتشار السلفية".

 وأضاف عضو الهيئة العليا لحزب الوطن المصري، لـ"عربي21"، أن "الحلاج شخصية إنسانية أكثر منها صوفية، وتعامل مع الناس بلا دين، وأفكاره لا تعد صوفية فهو تعدى الصوفية بمراحل زمنية".

ونفي شرارة، احتمال أن تتشارك السعودية والإمارات بدعم الصوفية، موضحا أن "المصلحة من جمعت الدولتين"، مشيرا إلى أن "قطر سلفية نجدية وهابية أكثر من السعودية ومع ذلك اختلفت المصالح التي لا علاقة بها بالعقيدة".

وبشأن أسباب قيام الإمارات خاصة بدعم الصوفية، قال القيادي السلفي: "الإمارات لم تتخذ لها منهجا معروفا لتدينها وبالتالي أنسب شيء يتماشى مع العلمانية هو الصوفية، فهي منهج بلا أسس عملية، والمعاصرة منها لا علاقة لها بالقديمة، فبها من البدع ما لا علاقة له بالإسلام".

وأكد أن "هذا الدعم الإماراتي يخدم الغرب والصهيونية العالمية، ومصالح الإمارات أيضا، ثم يصب بالبوتقة العالمية لإضعاف الإسلام السني"، مشيرا إلى أن "الغرب يشجع أي مذهب منحرف ولو كان سنيا كالصوفية، ويعادي المذهب السني الخالص، رغم أنه مذهب التسامح والعلم والمعرفة المقيدة بالوحي".