هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على وقع الاحتجاجات
الشعبية العارمة التي تشهدها المدن السودانية حاليا، يبدي بعض الإسلاميين تخوفهم
من مآلات تلك الانتفاضة الشعبية على سلطة الرئيس عمر البشير، تحسبا من أن تفضي إلى
مآلات مؤسفة كتلك التي حدثت في مصر وليبيا واليمن وسوريا.
اضطراب مواقف
ووفقا للكاتب والباحث
المصري، جمال سلطان فإن "انفجار موجات الغضب الشعبي في السودان ضد نظام حكم
الرئيس عمر البشير سبب اضطرابا كبيرا في مواقف الإسلاميين، في مصر والمنطقة
العربية بكاملها، ما بين مؤيد لثورة الشعب السوداني ضد "الديكتاتور" الذي
جثم على صدورهم ثلاثين عاما دون أن ينجز شيئا وانتهى الأمر إلى أن المواطن يبحث عن
رغيف الخبز ولا يجده..".
وتابع في مقال نشره
الأحد الماضي قوله: "وبين آخرين يرون أن البشير رئيس شرعي مظلوم، وأنه لم يُعط
الفرصة الكافية، وأنه تعرض لمؤامرات داخلية وخارجية وحصار وتهديد من المحكمة الدولية
لجرائم الحرب".
ولفت سلطان إلى أن
"الإسلاميين أمام تحد حقيقي في الموقف من الديمقراطية، واختبار تاريخي بالغ
الخطورة عن مدى إيمانهم بالديمقراطية، وأيضا موقفهم من الاستبداد، بما هو استبداد،
بغض النظر عن "أيديولوجية" المستبد أو حزبه أو جماعته" متسائلا: "فهل
نحن ضد الاستبداد بشكل عام ومبدئي، أم أننا ضد الاستبداد إذا كان على رأسه من
يخالفنا الرأي والأيديولوجية"؟
من جهته قال الباحث
السوداني، عباس محمد صالح عباس: "في الوقت الراهن، يمكن تصنيف التيار الرئيسي
للإسلاميين في السودان إلى تيارين ضمن طيف متنوع من التيار الإسلامي الأوسع: تيار
إسلاميي الدولة والآخر تيار إسلاميي المشروع".
وأضاف عباس في حديثه
لـ"عربي21": "فإسلاميو الدولة يقدسون السلطة والدولة كغاية في حد
ذاتها، وهؤلاء يدعمون النظام القائم في السودان ظالما أو مظلوما، ويناهضون فكرة
الربيع العربي وما ترمز إليه، وخطابهم ومواقفهم السياسية لا تختلف عن مواقف أنظمة
الثورة المضادة".
وأضاف: "على الرغم من أن الدولة الإقليمية راعية مشروع تجفيف منابع الربيع العربي لا تزال تكيد لهم، وتراهم إسلاميين انتهازيين يجب وضع نهاية لوجودهم القوي في القوة الصلبة، أي أجهزة الدولة الحيوية كالأجهزة الأمنية".
اقرأ أيضا: ارتفاع حصيلة قتلى احتجاجات أم درمان بالسودان إلى 3 أشخاص
أما "إسلاميو
المشروع" فهم بحسب عباس "لا يرون فرقا بين النظام القائم والنظم العربية
الأخرى التي أطاحت بها ثورات الشعوب منذ 2011 وما بعدها، ويرون في "الربيع
العربي" ما يتطابق مع المثاليات والشعارات التي آمنوا بها في الحرية والكرامة
وإرادة الشعوب والعيش الكريم".
وتابع: "وهم يرون
أن استعادة ألق تلك الشعارات والمشروع الذي آمنوا به يمر عبر الشارع، أي الاحتجاج
في مواجهة الدولة وصولا للإصلاح الجذري".
الإصلاح الجذري
ضرورة
بدوره قال القيادي في
جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، جميل أبو بكر: "ربما تكون تلك التخوفات
بخصوص مآلات الانتفاضة الشعبية في السودان مطروحة ومثارة في أوساط بعض
الإسلاميين"، لافتا إلى أن "السودان محاط بتحديات كبيرة، فكما وقع انفصال
الجنوب سابقا، فثمة تخوفات من أن يقع انفصال شرقه عن غربه".
واستدرك أبو بكر في
حديثه لـ"عربي21" مشددا على "ضرورة وجود حكم رشيد في السودان، يلبي
للشعب السوداني طموحاته المشروعة، ويقوم بعملية إصلاح حقيقية، لأن السلطة في
السودان وخلال حكم ثلاثين سنة لم تخرج عن دائرة الوعود التي أطلقتها".
وأضاف: "من حق
الشعب السوداني أن يطالب بحقوقه في الحريات والعيش الكريم، والكرامة الإنسانية،
فالشعب السوداني كغيره من الشعوب العربية عانى من الاستبداد والفقر والبطالة وتدني
مستويات المعيشة، ولم يعد يحتمل أكثر من ذلك".
ولفت أبو بكر إلى أن
"القوى الخارجية التي تتربص بالسودان، ستحرض على إثارة القلاقل والفتن
الداخلية، وهذا ما يوجب على السلطة السياسية القيام بمعالجات جذرية وجدية للحالة
المأزومة التي وصلت إليها البلاد، والاستجابة الفورية لمطالب الجماهير المحتجة
لتجنيب السودان تلك المآلات المؤسفة والمزعجة".
لا تعاطف مع الاستبداد
من جانبه استغرب
الكاتب والأكاديمي التونسي، الدكتور نور الدين الغيلوفي "وجود إسلاميين
يتعاطفون مع الرئيس البشير، إذ لا فرق بينه وبين بشار والسيسي، وهو انقلابي،
والعسكر لا يمكن أن ينتجوا ديمقراطية" على حد قوله.
وردا على سؤال
"عربي21" بخصوص استغرابه من ذلك أوضح الغيلوفي أن "الإسلامية برأيه
ترفض الانقلابات، وبالتالي فإن الإسلاميين الذين يتعاطفون مع البشير يتشبهون بما
فعله القوميون مع الثورة السورية"، مؤكدا أنه "لا فرق بين الشعوب
العربية، كما أنه لا فرق بين الأنظمة السلطوية العربية".
ولفت الغيلوفي إلى أن "بنية الأنظمة العربية واحدة، وإن
اختلفت مرجعياتها الأيديولوجية، وأن مآلات الثورات مهما كانت فهي أفضل من
الاستبداد" ذاكرا أن "الأمة تفتح صفحة جديدة من تاريخها، تعود بمقتضاها
إلى متن التاريخ بعد أن ظلت على هامشه، وما يجري لبعض الثورات إن هو إلا تعطيل
لحركة التاريخ، تاريخ الشعوب".
وعن توقعاته لمستقبل
الاحتجاجات العربية في السودان وغيره قال الغيلوفي: "قوة الثورة المضادّة تعكس
قوة الثورات، والجميع يتداعون لوأد الجذوة لكنهم لن يفلحوا، لأن أفق الثورات مفتوح
لاعتصامها بالإنسان وحقوقه، وفي الوقت نفسه فإن الدولة الوطنية لم تنجز ما تفاخر
به".
واستبعد الأكاديمي
المغربي الغيلوفي في ختام حديثه "وجود إسلامي عاقل يدين ثورة الشعب السوداني
على البشير"، واصفا إياه بـ"انقلابي فاسد كغيره من حكام العرب" بحسب
عبارته.