احتفلت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الأيام القليلة الماضية بالذكرى الأربعين لقيامها، في حين أن حركة الإخوان المسلمين كانت احتفلت في العام الماضي بالذكرى التسعين لانطلاقتها، فكيف أصبحت العلاقة بين إيران والإخوان المسلمين اليوم بعد كل هذه العقود من الحركة والنشاط؟ وهل آن الأوان لمراجعة التجربتين وطبيعة العلاقة بينهما؟
لقد ارتبطت الحركة الإسلامية في إيران بالإخوان المسلمين بعلاقات وثيقة منذ عشرات السنين، وكان هناك تفاعل فكري وسياسي بين قيادات الإخوان وعلماء الدين في إيران منذ أيام الشهيد نواب صفوي، وصولا لثورة الإمام الخميني.
ارتبطت الحركة الإسلامية في إيران بالإخوان المسلمين بعلاقات وثيقة منذ عشرات السنين، وكان هناك تفاعل فكري وسياسي بين قيادات الإخوان وعلماء الدين في إيران
وقد كشف قائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله السيد علي خامنئي في المذكرات الشخصية له، والتي صدرت مؤخرا في بيروت باللغة العربية، الكثير من المعلومات حول العلاقة بين الطرفين، وأنه تولى شخصيا ترجمة العديد من الكتب والدراسات التي أصدرها قادة الإخوان المسلمين، ولا سيما الشهيد سيد قطب والمفكر محمد قطب، وكيف كانت القيادات الإيرانية تتفاعل مع هذه الكتب، وخصوصا تفسير في ظلال القرآن، والمستقبل لهذا الدين، وشبهات حول الإسلام، وكيف تركت هذه الكتب انعكاساتها العملية على أداء الحركة الإسلامية في إيران في خمسينيات القرن العشرين، والعلاقة الوثيقة التي ربطت الشهيد نواب صفوي بقيادات الإخوان واستقبالهم الكبير له في سوريا ومصر.
وبعد انتصار
الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، تطورت العلاقة بين الطرفين وشهدت اتصالات مكثفة بينهما، وانعكس هذا الانتصار بشكل إيجابي على دور حركات الإخوان المسلمين في كل العالم العربي والإسلامي، لكن بعض التباينات السياسية والعملية بين الطرفين أدت إلى تراجع هذه العلاقة وعدم تطورها إلى المستوى الاستراتيجي المطلوب.
بعض التباينات السياسية والعملية بين الطرفين أدت إلى تراجع هذه العلاقة وعدم تطورها إلى المستوى الاستراتيجي المطلوب
وكان يفترض أن تؤدي الثورات الشعبية العربية خلال السنوات الأخيرة، ووصول بعض حركات الإخوان المسلمين إلى الحكم في بعض الدول العربية، إلى تكثيف التعاون بين الطرفين والاستفادة من التجارب في الحكم والإدارة، لكن المخاوف المتبادلة والخلافات حول تقدير الأوضاع، ولا سيما بعد وصول هذه الثورات إلى سوريا ووقوف القيادة الإيرانية إلى جانب النظام في سوريا.. كل ذلك أدى إلى انتكاسة كبرى في هذه العلاقة، كما أن الانقلاب على حركة الإخوان المسلمين في مصر أضاع فرصة كبيرة للتعاون بين الفريقين.
لكن رغم الخلافات التي برزت بين الطرفين، والتوتر الذي ساد
العلاقات بينهما، استمر التواصل بين عدد من القيادات الإيرانية والحركات الإسلامية المؤيدة لإيران من جهة، وقيادات الإخوان المسلمين في أكثر من عاصمة عربية وإسلامية وأوروبية، ولعبت حركة حماس وحزب الله دورا مهما في إبقاء قنوات التواصل على قاعدة دعم المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني.
وتشير مصادر إسلامية مطلعة في بيروت إلى أنه رغم كل الخلافات التي برزت بين الطرفين، فإن القيادة الإيرانية المتمثلة بالإمام السيد علي خامنئي كانت تعبر دوما عن تقديرها واحترامها لحركات الإخوان المسلمين، ولا سيما في مصر، كما أن خامنئي قال في أحد اجتماعات القيادة الإيرانية إن الانقلاب على الإخوان المسلمين في مصر كان خسارة استراتيجية للحركة الإسلامية العالمية وللتجربة الإسلامية السياسية.
وتضيف المصادر أن هناك توجها جديا لدى القيادة الإيرانية بإعادة العمل لتفعيل العلاقة مع الإخوان المسلمين، وتقييم كل المرحلة الماضية، والبحث عن آفاق جديدة للتعاون، ولا سيما لحل بعض الازمات في المنطقة، ودعم قوى المقاومة، والوقوف في وجه الجهود الأمريكية – الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية تحت عنوان: صفقة القرن.
هناك توجه جدي لدى القيادة الإيرانية بإعادة العمل لتفعيل العلاقة مع الإخوان المسلمين، وتقييم كل المرحلة الماضية، والبحث عن آفاق جديدة للتعاون،
ولقد زارت بيروت في الأسابيع الماضية وفود إيرانية، والتقت بعدد من قيادات الإخوان المسلمين، وبحثت معها آفاق العلاقة وكيفية إعادة ترميمها، لكن في المقابل، تعتبر المصادر القريبة من الأوساط الإيرانية أن حركات الإخوان المسلمين تحتاج هي أيضا لمراجعة المرحلة الماضية وتقييم أدائها، لتحديد الأخطاء والعقبات والعثرات ووضع رؤية جديدة للمستقبل.
وفي الخلاصة، وبعد أربعين سنة من التجربة الإسلامية في إيران، وبعد 91 سنة من تجربة حركات الإخوان المسلمين المتنوعة، فإن الطرفين بحاجة لمراجعة كل المراحل الماضية والبحث عن آفاق التعاون المستقبلي؛ لأن التحديات التي تواجههما مشتركة ولا يمكن لأي طرف أن يواجهها لوحده؛ نظرا لدور الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم في العالم الإسلامي، وفي ظل الحضور المستمر لحركات الإخوان المسلمين في كل العالم، رغم ما تعرضت له من أزمات وتحديات وحصار وقمع.