أُعلن في بغداد يوم الأربعاء الماضي؛ عن تشكيل "تيّار بدر الوطنيّ" المنشقّ عن "منظّمة بدر" التي يتزعّمها رئيس تحالف الفتح هادي العامري.
وكشف بيان شديد اللهجة لتيّار المنشقّين بأنّ "التيار الوطنيّ يستهدف إصلاح الواقع التنظيميّ والسياسيّ المتردي في "بدر"، ويكافح لإقالة ومحاسبة القيادة الحاليّة المساومة في "بدر"، والتي وضعت يدها بأيدي قتلة العراقيّين ومن أرهب الشعب وتآمر عليه"!
هذا الانشقاق المزلزل في أكبر أجنحة البرلمان و"الحشد الشعبيّ"؛ يأتي في الوقت الذي كشفت مصادر عراقيّة أنّ "جهاز أمن الحشد الشعبيّ يستعد لإغلاق أكثر من 100 مقرّ وهميّ تابع له"، وأنّ "معظم هذه المقارّ تابعة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، الذي يعتبر عرّاب النفوذ الإيرانيّ في العراق؛ وذلك ضمن حملة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لمكافحة الفساد"!
وتتهم جهات عراقيّة عدّة؛ "جهاز أمن الحشد الشعبيّ بتنفيذ عمليات اغتيال بحقّ المعارضين السياسيّين للوجود الإيرانيّ في العراق".
تاريخ الاغتيالات الجماعيّة والفرديّة في العراق ليس جديداً، وبالذات بعد العام 1990. وربّما تمكن الإشارة هنا إلى واحدة من أشنع جرائم الاغتيالات الجماعيّة في التاريخ العراقيّ، وهي جريمة قصف ملجأ العامرية بقنابل ذكيّة، التي ارتكبتها واشنطن (وبتوجيه مباشر من الرئيس بوش الأب) في منتصف شباط/ فبراير 1991، وراح ضحيّتها أكثر من 400 شهيد معظمهم من النساء والأطفال، وبقيت أجسادهم متفحمة ومتناثرة على جدران الملجأ، لتحكي للأجيال واحدة من أبشع قصص الإجرام في تاريخ البشريّة!
وتتهم جهات عراقيّة عدّة؛ "جهاز أمن الحشد الشعبيّ بتنفيذ عمليات اغتيال بحقّ المعارضين السياسيّين للوجود الإيرانيّ في العراق"
وبعد العام 2003، أطلق العنان لعمليّات الاغتيالات المنظّمة الجماعيّة والفرديّة، والتي طالت رجال الفكر والسياسة والجيش والأمن وعموم المواطنين، وآخرها اغتيال الأديب علاء المشذوب في كربلاء!
العجيب أنّ عصابات الإجرام صارت تتباهى بجرائم الاغتيالات وأساليبها!
وقبل عشرة أيّام، نشرت قوى الخراب المنتشرة في العراق شريطاً مصوّراً لعدّة أشخاص أحدهم يحمل رجلاً معصوب العينين، والثاني يصوّر المشهد المأساويّ، والثالث منفّذ الجريمة!
طريقة التنفيذ كانت بشعة جدّاً، حيث إنّ المجرم الحامل للمعتقل المغدور على كتفه رماه أرضاً على ظهره (من مسافة متر ونصف تقريباً) وبقوّة، ثمّ أطلق الشخص الثالث النار عليه من بندقيّة آليّة، وقتله في الحال!
فمنْ القاتل، ومنْ المقتول، وأين وقّعت الجريمة؟
لا أحد يعرف!
أي دور المنظومة الأمنيّة العملاقة والمُستهلِكة لربع ميزانيّة البلاد الضخمة؟ أليس من واجباتها حفظ الأمن، والحفاظ على أرواح الأبرياء من عصابات الشرّ والإرهاب، وقمع العصابات الإجراميّة والقضاء عليها؟
لكنّ المعروف للجميع أنّ عصابات الشرّ والإرهاب تختطف وتغتال وتقتل الناس بسبب، أو بدونه!
الأجهزة الأمنيّة العراقيّة تعدادها أكثر من مليون عنصر، وهذا يعني أنّ كلّ 36 مواطناً عراقيّاً عليهم رقيب، أو عسكريّ واحد (على افتراض أنّ عدد سكّان العراق 36 مليون نسمة). وعليه، أين دور هذه المنظومة الأمنيّة العملاقة والمُستهلِكة لربع ميزانيّة البلاد الضخمة؟ أليس من واجباتها حفظ الأمن، والحفاظ على أرواح الأبرياء من عصابات الشرّ والإرهاب، وقمع العصابات الإجراميّة والقضاء عليها؟
العصابات التي اغتالت العراق وسلّمته لواشنطن وطهران بحجّة محاربة النظام "الدكتاتوريّ البعثيّ"، هي ذات العصابات التي قتلت (وما تزال) مئات الآلاف من العراقيّين في وضح النهار، وهي ذاتها التي هدّدت ملايين المواطنين وهجّرتهم من منازلهم الآمنة، وشتّت شملهم!
وهي ذات العصابات التي تهرّب النفط العراقيّ في عزّ النهار، وتلعب بالموانئ البحريّة والجويّة والبريّة، وتُدخِل البضائع الفاسدة وتهرّب الآثار، وتتاجر بالأعضاء البشريّة والأدوية والأغذية وفي كلّ مقدّرات الشعب، وتتحكّم في دوائر الدولة والتعيينات، وتتلاعب (وفقاً لمصالحها) في مجمل المؤسّسات الرسميّة السياسيّة والأمنيّة.
استمرار الفوضى الأمنيّة تؤكّد حقيقة كبرى، وهي أنّ حكومات العراق المتعاقبة والأحزاب الحاكمة لم تنجح في تقليم أظافر عصابات الإرهاب، وهي تتحمّل المسؤولية القانونيّة والأخلاقيّة
فعن أيّ نوع من العصابات نتحدّث؟
هذه الانشقاقات، والاتهامات المتبادلة بين بعض فصائل
المليشيات تمهّد الطريق لولادة الجيل الثاني لهذه القوى، وربّما تجري هذه الانشقاقات بأسلوب "العمل تحت السيطرة"، وذلك بسبب لغة التصريحات والبيانات القاسية، وعليه لا يمكن الوثوق بهذه الإجراءات ما لم نجد حلاً نهائيّاً لمهزلة تغول المليشيات في الساحة العراقيّة!
استمرار الفوضى الأمنيّة تؤكّد حقيقة كبرى، وهي أنّ حكومات العراق المتعاقبة والأحزاب الحاكمة لم تنجح في تقليم أظافر عصابات الإرهاب، وهي تتحمّل المسؤولية القانونيّة والأخلاقيّة عن كلّ جرائم الاغتيالات التي تجري في العراق!
فهل سنرى نهاية لهذه الأوضاع الشاذّة، أم سنبقى في دوامة الاتهامات المتبادلة؟